"حيرة المريدين" بعد تناقض البيانات الأولية حول مشيخة الزاوية البودشيشية وظهور تصريحات الشيخ منير بودشيش لتبني "الطريق الثالث" 

 "حيرة المريدين" بعد تناقض البيانات الأولية حول مشيخة الزاوية البودشيشية وظهور تصريحات الشيخ منير بودشيش لتبني "الطريق الثالث" 
الصحيفة - اسماعيل بويعقوبي
الأثنين 18 غشت 2025 - 14:26

أثار رحيل شيخ الزاوية القادرية البودشيشية، جمال الدين بودشيش القادري، يوم الجمعة 8 غشت، عن عمر يناهز 83 عاما، أزمة داخلية بشأن مسألة الخلافة، فمع أن الشيخ الراحل، الذي تولى المشيخة عام 2017 خلفا لوالده الشيخ حمزة، ترك وصية بتسليم "السر الروحي" وقيادة الطريقة لنجله الأكبر، منير بودشيش القادري، إلا أن الساعات التي أعقبت الوفاة شهدت حالة من الغموض والارتباك، مما وضع مستقبل الزاوية أمام امتحان صعب.

وحاولت جريدة "الصحيفة" التواصل مع الشيخ منير البودشيشي للاستماع إلى روايته والإحاطة بتفاصيل الجدل الدائر، غير أن الاتصال لم يلق أي تجاوب، كما تركت الجريدة رسالة نصية للشيخ منير تتضمن استفسارا حول حالة الغموض التي تحيط بمستقبل المشيخة.

تفاقمت حالة الارتباك بعد تداول رسائل متناقضة، أبرزها بيان منسوب للشيخ منير نفسه يعلن فيه تنازله عن المشيخة لشقيقه الأصغر معاذ البودشيشي القادري، وهي خطوة فُسرت بأنها تهدف إلى "تغليب مصلحة الجماعة على نزعة التمسك بالرياسة" هذا الإعلان وضع المريدين في حيرة، بين من رأوه دليلا على الزهد والورع، ومن اعتبره محاولة لشق الصف الداخلي.

ولم يزد الوضع إلا تعقيدا بعد أن أصدرت "رابطة البودشيشيين" بيانا رسميًا نفت فيه خبر التنازل بشكل قاطع، مؤكدة أن الشيخ منير ثابت في موقعه ومتمسك بوصية والده، ورافضة أي محاولة للتشويش على مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، محذرة من المساس بالشرعية الروحية التي أوصى بها الراحل لصالح الشيخ الحالي منير بودشيش.

وأكدت الرابطة أنها تتابع عن كثب ما وصفته بـ"المحاولات المتكررة للمكر والكيد" التي استهدفت قيادة الشيخ منذ اللحظة الأولى لتوليه المشيخة، معتبرة أن هذه التحركات "تحمل بصمات المغرضين وأعداء الاستقرار" وتهدف إلى زعزعة صفوف المريدين داخل المغرب وخارجه.

وكذبت الرابطة ما نسب زورًا للشيخ منير من بيان مزعوم يفيد بتنازله عن المشيخة، مؤكدة أن الهدف من هذا الادعاء هو إثارة الفتنة وتشويه صورة القيادة الجديدة المعروفة بالورع والاستقامة، مشددة على أن العلاقة بين الشيخ ومريديه قائمة على المحبة والثقة.

كما حذرت من أن أي محاولة لإقصاء الشيخ منير تمثل انقلابًا على الشرعية الروحية وانحرافا عن الأعراف المتبعة في الطريقة، داعية المريدين إلى التمسك بوحدة الصف ومواجهة الفكر المتطرف، مثمّنة في الوقت نفسه مواقف الزوايا الصوفية والعلماء والفاعلين الدينيين داخل المغرب وخارجه الداعمة للقيادة الحالية.

وجددت الرابطة رفضها لأي تدخل أو تمويل خارجي يهدف إلى بث الفتنة أو التأثير على القرار الداخلي للطريقة، معلنة احتفاظها بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد أي إساءة أو تجاوز، ومؤكدة أن حماية الشرعية الروحية واجب ديني وأخلاقي، مؤكدة التزام المريدين بخدمة التصوف السني الوسطي ونبذ كل ما يثير الانقسام.

أمام هذا التضارب، وفي ظل شح التصريحات الرسمية، خرج الشيخ منير القادري بودشيش بخطاب مصور من الزاوية الأم بمداغ أمس الأحد 17 غشت، ليضع حدا للجدل، وأقر في خطابه بوجود "انقسام وتشرذم"، لكنه أكد أن الطريقة تجاوزت هذا الامتحان بفضل وعي مريديها.

وفي تحول لافت، أعلن الشيخ عن تبني ما أسماه "الطريق الثالث"، وهو نموذج يقوم على مبدأ القيادة الجماعية، حيث يُحفظ السر الروحي في سياقه المتوارث، بينما توزع المهام التنظيمية والإدارية على مجموعة من المقدمين، مع التشديد على ثوابت الطريقة الدينية والوطنية وارتباطها بإمارة المؤمنين.

وقد لقي هذا المقترح صدى واسعًا، ومن المرتقب أن يتجسد في اجتماع لممثلي فروع الزاوية من داخل المغرب وخارجه، لتجديد العهد بالوصية وإعلان التفافهم حول هذا الخيار، وهي الخطوة التي قد تشكل نموذجا مبتكرًا في تدبير الخلافات داخل المؤسسات الروحية، يجمع بين الحفاظ على الإرث الروحي ومتطلبات التنظيم الحديث، ويحصّن الزاوية ضد أي صراعات مستقبلية.

يأتي هذا الجدل في سياق تاريخي عريق للزاوية البودشيشية، التي تُعد امتدادا للطريقة القادرية المنسوبة للشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد، حيث أصبحت الطريقة البودشيشية منذ أربعة عقود "ظاهرة" بالمفهوم السوسيولوجي للكلمة، وأخذت تفرض نفسها على الدارسين والمتتبعين يومًا بعد يوم، حتى شكلت في السنوات الأخيرة محورا للعديد من الرسائل والأطروحات فضلا عن المتابعة الإعلامية الواسعة، بفعل الانضمام المتزايد لأعداد كبيرة من المريدين إليها من مختلف الشرائح، وخصوصا الشباب والمثقفين الكبار من داخل المغرب وخارجه.

وتجاوز انتشارها المغرب ليمتد إلى كثير من البلاد الإسلامية وأوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، حيث توجد زوايا فرعية للزاوية البودشيشية يرتادها المريدون ويقيمون فيها شعائر التصوف، ورغم غياب إحصاءات دقيقة عن عدد المنتمين للزاوية، تؤكد بعض التقديرات أن عددهم يفوق المائة ألف بكثير.

وتحرص الزاوية القادرية البودشيشية على إحياء تجمعات واحتفالات كبيرة، وأنشطة ثقافية متنوعة، حيث يقوم المقر الرئيسي للزاوية بمداغ قرب مدينة بركان شرق المملكة، ومع أن التساؤلات لا تزال قائمة حول الملابسات التي أدت إلى تضارب البيانات الأولية، يبقى الرهان الأكبر اليوم على نجاح الزاوية في ترسيخ "الطريق الثالث"، بما يحفظ وحدتها ويضمن استمرار رسالتها كجسر بين الأصالة الروحية ومتغيرات العصر.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...