د. هشام بوقشوش
الأربعاء 25 يونيو 2025 - 22:34

دار الشباب في مرآة السوسيولوجيا الرقمية

يشكل العرض الوطني لتنشيط مؤسسات دار الشباب، كما صاغته وزارة الشباب والثقافة والتواصل _ قطاع الشباب_، محاولة رسمية لإعادة الاعتبار لمؤسسات التنشئة الاجتماعية التي عرفت تراجعا وظيفيا ورمزيا في العقدين الأخيرين. ويتجلى هذا العرض في عدد من البرامج والمشاريع الفرعية من قبيل: جواز الشباب، الأنشطة الفنية مثل الكاليغرافي والرقص الإيقاعي، الألعاب الإلكترونية، والمنصة الإلكترونية الوطنية التي تتيح التسجيل والاستفادة من العروض.

غير أن المقاربة السوسيولوجية لهذا المشروع تفرض مساءلة عميقة لمدى فعاليته الاجتماعية والرمزية، خاصة في ظل اتساع الفجوة بين مقاربة الدولة لـلشباب كمفهوم ديموغرافي إداري، ومقاربة السوسيولوجيا له كشريحة فاعلة ومتعددة الانتماءات والتصورات. فكيف يتم تمثل الشباب ضمن هذا العرض؟ وهل يحقق فعلا شروط الإدماج الثقافي والمجالي والرقمي؟ وما هي حدود الأثر وفعالية التنزيل؟

في ظل ما يسميه مانويل كاستلز (Castells) بـمجتمع الشبكات، لم يعد الشباب ينتظر المؤسسات لتؤطره أو تعلمه أو تمنحه مساحة للتعبير، بل صار فاعلا رئيسيا في خلق الفضاءات البديلة للمعنى والهوية. دار الشباب بصيغتها التقليدية – كفضاء مغلق مادي وهرمي – لم تعد مواكبة لهذا التحول البنيوي.وحتى عندما تنفتح دار الشباب على الرقمنة عبر المنصة الوطنية، فإن ذلك لا يعكس انتقالا حقيقيا نحو حكامة رقمية تشاركية، بل مجرد آلية تقنية للتسجيل والتتبع، دون إعادة بناء لروح التفاعل الرمزي أو الديمقراطية الثقافية في الفضاء الرقمي.

يطرح "جواز الشباب" نفسه كآلية لتحفيز المشاركة والانخراط، من خلال إتاحة خدمات تعليمية وترفيهية وتكوينية بتكلفة منخفضة أو مجانية. لكن سوسيولوجيًا، يكشف هذا الجواز عن ثلاث مفارقات أساسية أولاها مفارقة التغطية الجغرافية من حيث أن الاستفادة من الجواز مرتبطة بشكل مباشر بوجود خدمات وشراكات مؤسساتية محلية، وهو ما لا يتوفر في مناطق شاسعة من المغرب، ما يعيد إنتاج اللامساواة المجالية بدل تجاوزها. ثانيها مفارقة التحييد الثقافي، إذ يقدم العرض وكأنه محايد ثقافيا، بينما تتباين حاجات الشباب حسب المرجعيات الثقافية، ما يغيب العدالة الرمزية، وثالثها مفارقة الأداء الرمزي حيث ينتج الجواز تصورا اختزاليا عن الشباب كـمستهلك للعروض، لا كفاعل نقدي، مما يفقده بعده التمكيني الحقيقي.

انفتاح مؤسسات دار الشباب على أشكال تعبير حديثة مثل الرقص الحضري، الرسم الحروفي، والألعاب الإلكترونية، يعكس نية في تحديث العرض الثقافي. غير أن السؤال الجوهري هو: هل تم إدماج هذه الأنشطة كتعبير عن الثقافة الشبابية الحية أم كـزينة تجميلية للمشهد المؤسساتي؟

وفقا لستيوارت هال (ـStuart Hall)، الثقافة الشبابية لا تختزل في الشكل الفني بل هي تعبير عن موقف اجتماعي، عن مقاومة ناعمة للتراتبية، عن مساءلة للسلطة الرمزية. فإذا تمت مصادرة هذه الأبعاد لصالح مجرد تنشيط سطحي، فإن المؤسسة تتحول إلى آلة إخضاع ناعم، بدل أن تكون حاضنة للتعبير النقدي.

المنصة الإلكترونية التي روج لها باعتبارها نقلة نوعية، تطرح بدورها إشكالات سوسيولوجية دقيقة، تكشف عن التمثيل الإقصائي، كون نسبة مهمة من الشباب القروي أو المنحدر من أوساط هشة لا تتوفر له الشروط التقنية والمادية لاستخدام هذه البوابة بفعالية.إضافة إلى التفاعل الأحادي، لأن المنصة تشتغل بمنطق البث الأحادي (من الوزارة إلى الشاب)، دون خلق ميكانيزمات للاستماع أو التقييم العكسي، وهو ما يتناقض مع مفهوم المواطنة الرقمية. ناهيك عن هشاشة الأثر، إذ أن ضعف تتبع جودة الخدمات بعد التسجيل الإلكتروني، يعمق الشعور بـالاستفادة الرمزية، دون تحول فعلي في الواقع الثقافي أو المهاري للمستفيد.

يكشف تقييم طريقة تنزيل هذا العرض عن غياب التناغم بين التصور المركزي والخصوصيات المحلية. فالعرض يتم وفق رؤية موحدة من الرباط، تتجاهل التفاوتات في البنية التحتية، الفوارق الثقافية الجهوية، والحاجيات الخاصة بكل فئة.وهو ما يجعل العرض الوطني لتنشيط دار الشباب مثالا على ما يسميه بيير بورديو بـالعنف الرمزي الناعم الذي تمارسه الدولة حين تفرض تصورا واحدا عن الشباب، وتبني آليات تدخل لا تنطلق من حاجاته، بل من تصوراتها هي عن هذه الحاجات.

إن الطموح إلى إعادة إحياء مؤسسات دار الشباب يظل مشروعا إيجابيا، لكنه يفقد فعاليته إذا لم يرتبط بإصلاح عميق في الرؤية، والتمثلات، وآليات الفعل. باستحضار الانتقال من منطق العرض المركزي إلى التمكين المجالي التشاركي؛ وبناء منصات تشاركية تسمح للشباب بالمساهمة في صياغة الأنشطة، لا فقط استهلاكها؛ مع اعتماد مقاربة النوع والمجال والثقافة في تخطيط البرامج؛ وتقوية التمكين الرقمي والمهارات الناعمة للفئات الهشة؛ وتأهيل المؤطرين الشباب ليكونوا حاملي رؤية نقدية، لا موظفين إداريين فقط.

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...