رحيل الكولونيل القادري.. الرجل الذي أعدم أعز أصدقائه وطارده الهمّة في المحاكم

 رحيل الكولونيل القادري.. الرجل الذي أعدم أعز أصدقائه وطارده الهمّة في المحاكم
الصحيفة – حمزة المتيوي
الثلاثاء 24 شتنبر 2019 - 14:53

رحل عبد الله القادري، الكولونيل السابق في القوات المسلحة الملكية، ووزير السياحة الأسبق، عن الدنيا صباح اليوم الثلاثاء عن 82 عاما، وشاءت الأقدار أن تكون وفاته في مسقط رأسه مدينة برشيد، مخلفا وراءه تاريخا عسكريا وسياسيا طويلا ومليئا بالفخاخ.

التحق القادري بالقوات المسلحة الملكية مباشرة بعد تأسيسها في 1956، بعد عودته من تكوين عسكري بإحدى المدارس الفرنسية، وفي 1971 سيكون على موعد من أصعب تجارب حياته، حين سيطلب منه الكولونيل محمد اعبابو على طاولة عشاء الانضمام إلى القيادات العسكرية المشاركة في الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني، لكنه سيرفُض وسيفر سريعا من المكان.

كانت هذه الفترة هي الأصعب في حياة الكولونيل القادري، إذ بعد نجاة الملك من مجزرة قصر الصخيرات، واستعادته السيطرة على مؤسسات البلاد سيُساق العديد من العسكريين نحو مصيرهم المحتوم، وسيكون القادري أحد الذين كُلفوا بإعدام من كان يصفهم الإعلام الرسمي آنذاك بـ"الخونة".

وسبق للقادري أن كشف في حوار مع أسبوعية "الأيام" قبل سنوات أن الجنرال البشير البوهالي الذي لم يكن على وفاق معه، استغل هذا الوضع ليُصيب انتقامه الشخصي، فأمره بقيادة الفرقة التي ستُعدم أحد أعز أصدقائه، وهو ما لم يجد مهربا من تنفيذه، قبل أن يتابع جثته وهي تُحمل بواسطة جرافة وتوضع في مقبرة جماعية إلى جانب جثت باقي العسكريين.

قصة الكولونيل القادري مع الانقلاب لم تقف هنا، فقد كان ممن سجنوا لبضعة أشهر بعد الاشتباه في كونه كان على علم بـ"المؤامرة"، قبل أن يقرر الحسن الثاني بنفسه أنه بريء مما نسب إليه بعدما اطلع بنفسه على تفاصيل القصة.

ابتعد القادري بعدها عن القوات المسلحة الملكية وانتقل إلى عالم السياسة فكان سنة 1973 من مؤسسي حزب التجمع الوطني للأحرار، ثم سيتزعم ضد أحمد عصمان تيارا عرف إعلاميا بـ"تيار العروبية"، سينشق عن الحزب وسيؤسس سنة 1982 الحزب الوطني الديمقراطي، الذي صار القادري برلمانيا باسمه رفقة نواب آخرين، وهو الحزب الذي ظل لسنوات رقما صعبا في المعادلة السياسية المغربية.

تقلد القادري عدة مسؤوليات خلال مساره السياسي، من بينها ترؤسه للمجلس البلدي لبرشيد وترؤسه لجهة الشاوية ورديغة، لكن أبرز مناصبه السياسية كانت تسميته في يوليوز من سنة 1990 وزير للسياحة في حكومة عز الدين العراقي خلفا لموسى السعدي زميله في الحزب الوطني الديموقراطي، لكنه لن يعمر فيها طويلا، إذ سيتركها بعد أقل من عام.

وكان القادري، أحد الذين جاهروا بخصومتهم لوزير الداخلية الأقوى في تاريخ المغرب، إدريس البصري، في عز سطوته، وذلك بعدما اتهمه بتزوير انتخابات 1993 التشريعية، إثر عدم فوز أي من قياديي الحزب، ومن بينهم الكولونيل السابق، بمقعد برلماني، رغم أن الحزب حافظ على تعداد مقاعده الـ24 التي كان يتوفر عليها في الولاية السابقة.

وعلى الرغم من تاريخه الحزبي الطويل، إلا أنه سيقع، بعدما جاوز ربيعه السبعين، في أكبر سوء تقدير سياسي في حياته، عندما سيقبل بدمج حزبه مع حزب "الأصالة والمعاصرة" سنة 2008، بعدما أغراه حينها وصف "حزب صديق الملك"، قبل أن يؤدي الخلاف بينه وبين فؤاد عالي الهمة إلى مطالبته بـ"استرجاع حزبه"، وهو الأمر الذي كان مستحيلا.

لم يجد القادري بعدها بدا من أن يبدأ من نقطة الصفر، ليؤسس "الحزب الديموقراطي الوطني" مكتفيا بالتلاعب في ترتيب الكلمات عله يقنع نفسه قبل ناخبيه بأن تجربته الحزبية مستمرة، وسيتمكن بالفعل سنة 2009 من الحصول على مقعد باسمه في الانتخابات الجماعية التي أعادته إلى مسقط رأسه مدينة برشيد.

لكن القادري لم ينس للهمة فعلته، فاتهمه في حوار مع يومية "المساء" بأنه "استولى على مالية الحزب الوطني الديموقراطي"، وهو الأمر الذي سيدفع المستشار الملكي إلى اللجوء للقضاء، الذي أدان في دجنبر من سنة 2013 الكولونيل السابق بتهمة "القذف" وحكم عليه بأداء تعويض لغريمه بقيمة 4 ملايين درهم.

وفي سنواته الأخيرة، اختار القادري الابتعاد ما أمكن عن الصراعات السياسية وقضاء وقت أطول في ضيعته العائلية في برشيد، قبل أن يكتب القدر في 24 شتنبر 2019، السطر الأخير من حياة رجل جيش وسياسة احترف إثارة الجدل.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هناك ما هو أهم من "ذباب الجزائر"!

لم تكن العلاقة بين المغرب والجزائر ممزقة كما هو حالها اليوم. عداء النظام الجزائري لكل ما هو مغربي وصل مداه. رئيس الدولة كلما أُتيحت له فرصة الحديث أمام وسائل الإعلام ...

استطلاع رأي

في رأيك، من هو أسوأ رئيس حكومة مغربية خلال السنوات الخمس والعشرين من حكم الملك محمد السادس؟

Loading...