رغم محاولة الجزائر "خلط الأوراق".. أكثر العواصم الأوروبية تقدما في موقفها من قضية الصحراء تدعم قيام دولة فلسطينية

 رغم محاولة الجزائر "خلط الأوراق".. أكثر العواصم الأوروبية تقدما في موقفها من قضية الصحراء تدعم قيام دولة فلسطينية
الصحيفة - إسماعيل بويعقوبي
السبت 2 غشت 2025 - 9:00

في منعطف دبلوماسي لافت، تتجه عدد من الدول الأوروبية ذات الثقل السياسي والرمزي نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة تعكس تحوّلا نوعيا في التعاطي الأوروبي مع القضية الفلسطينية، وتكريسا لمنطق الدولة والحق الفلسطيني الذي طالما ووجه بالمماطلة والازدواجية.

فمنذ السنة الماضية (2024)، شرعت عدة دول أوروبية في الإعلان المتتالي عن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في مسار تصاعدي يعكس تحولا سياسيا واضحا داخل القارة الاوربية، البداية كانت يوم 28 ماي 2024 حين أعلنت إسبانيا وأيرلندا والنرويج اعترافها المنسق بفلسطين على حدود 1967، وفي 24 يوليوز، أكدت فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون نيتها القيام بالخطوة نفسها خلال دورة الأمم المتحدة المقبلة، وهو ما تبعته المملكة المتحدة يوم 29 يوليوز بإعلان مماثل من وزير خارجيتها، أما البرتغال، فقد انضمت رسميا إلى هذا التوجه أول أمس الخميس، مؤكدة عزمها الاعتراف بفلسطين خلال الأشهر المقبلة، في حين تدرس ألمانيا خيار الانضمام إلى هذا المسار في ظل تنامي الضغط الداخلي والأوروبي.

لكن اللافت في هذا السياق، هو أن هذه الدول نفسها كانت خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية، من بين أكثر العواصم الأوروبية تقدما في موقفها من قضية الصحراء المغربية، من خلال دعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط، والتي تصفها الأمم المتحدة بأنها "جادة وذات مصداقية"، ففي أكتوبر من السنة الماضية، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشكل لا لبس فيه، عن دعم بلاده للسيادة المغربية على الصحراء، مؤكدا في رسالة موجهة للبرلمان المغربي أن "حاضر ومستقبل الصحراء هو تحت السيادة المغربية"، وهو موقف تجاوز سقف البيانات الرمزية إلى تبنٍّ صريح للرؤية المغربية للحل.

المفارقة التي لم تعد كذلك، هي أن هذه الدول لم تجد أي تعارض بين دعمها لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، ودعمها لمغربية الصحراء، لم تُبدِ باريس ولا مدريد، ولا حتى لندن ولشبونة، أي تردد في هذا التقاطع بين القضيتين، وهو ما يكشف عن وعي سياسي غربي، مفاده أن القضيتين ليستا متقاطعتين كما تحاول الدبلوماسية الجزائرية ترويجه، بل إن الملفين منفصلان جوهريا من حيث السياق والتاريخ، ولا يمكن استدعاء أحدهما لتبرير الآخر.

لقد عملت الجزائر، طيلة العقود الماضية، على محاولة إقناع الرأي العام الدولي، وخاصة النخب الغربية، بوجود "رابط مبدئي" بين دعم القضية الفلسطينية ورفض مغربية الصحراء، لكن هذا الخطاب بدأ يتآكل، ويفقد فعاليته مع توالي المواقف الغربية التي تفصل بوضوح بين القضيتين، ففرنسا التي تتحضر للاعتراف بفلسطين، لم تغيّر من موقفها الداعم للرباط في قضية الصحراء، بل عمّقته، ورفعه إلى مستوى أكثر وضوحا، والأمر نفسه ينطبق على إسبانيا التي انتقلت من موقع الحياد الرمادي إلى الانحياز الإيجابي، حين وصفت مقترح الحكم الذاتي المغربي بأنه "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل النزاع.

أما المملكة المتحدة، فقد أقدمت على خطوة مماثلة حين أكدت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، وهو ما يندرج في إطار تحول أوسع تشهده العلاقات الأوروبية المغربية، حيث باتت الرباط تُنظر إليها كشريك استراتيجي في الأمن والهجرة والطاقة، ما يعزز من موقفها في ملف الصحراء، ويقلّص من قدرة الجزائر على المناورة الدبلوماسية، رغم استثماراتها المكثفة في هذا الملف.

ولعل أكبر خسارة للدبلوماسية الجزائرية في هذه التطورات، هي أن الدول الغربية لم تعد تستشعر الحرج في الجمع بين دعم الدولة الفلسطينية ودعم مغربية الصحراء، وهو ما كانت تحاول أن تٌظهره الجزائر، بأنه"تناقضا أخلاقيا"، لكن ما يحدث حاليا، هو تأكيد جديد على أن الغرب ينظر إلى قضية الصحراء من زاوية الحلول الواقعية واعتبارات الاستقرار الإقليمي، بينما ينظر إلى القضية الفلسطينية من منطلق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.

بهذا المعنى، فإن محاولة الجزائر إلصاق القضية الفلسطينية بملف الصحراء المغربية باءت بالفشل، ولم تعد تقنع أحدا في عواصم القرار الكبرى، بل يمكن القول إن الرؤية الجزائرية أصبحت معزولة، بعدما اختارت دول أوروبية مركزية التموقع إلى جانب المغرب من جهة، والانتصار للحق الفلسطيني من جهة أخرى، دون أن ترى في ذلك أي تعارض أو ازدواجية في المعايير.

إن هذا التحول يحمل دلالات استراتيجية، أبرزها أن ملف الصحراء لم يعد ورقة "ايديولوجية" تستثمر فيها الجزائر سياساتها الإقليمية، بل تحول إلى قضية محسومة تدريجيا على الصعيد الدولي، بحكم الأمر الواقع، وفي المقابل، فإن الاصطفاف مع فلسطين لم يعد حكرا على من يعارضون المغرب في قضية وحدته الترابية، بل بات ميدانا مفتوحا أمام من يفصل بين العواطف والمصالح، ويؤمن بأن دعم القضية الفلسطينية لا يتعارض مع دعم السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية.

إذا كان الملك لا يثق في السياسيين فماذا بقي للشعب؟

من المشكوك فيه أن يكون السياسيون عندنا في المغرب، قد فهموا رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الـ 18 لاعتلائه العرش، حينما تساءل قائلا: "إذا أصبح ملك ...