رواند... تحيا المناصفة !
في رواندا، بلد 13 مليون نسمة الواقع في قلب منطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، عرفت وضعية النساء تطورا كبيرا على مدار العقدين الماضيين، ويشغلن، حاليا، مناصب رئيسية في القطاعين العام والخاص.
وتأتي بلاد الألف تل، التي تقدم دائما كنموذج للمساواة بين النساء والرجال والمناصفة في مجال السياسة، في مقدمة مسار التمثيل البرلماني للمرأة، مع 61,3 في المائة من النساء المنتخبات، وهو أعلى معدل مرتفع في العالم، فضلا عن أربع قاضيات في المحكمة العليا، شغل النساء لنصف المناصب الوزارية.
وعلى المستوى الاقتصادي، تضطلع المرأة بدور ريادي بمعدل نشاط نسبته 84,4 في المائة، حسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، وهو بذلك أعلى من نسبة الرجال (83,7 في المائة)، مما يضع الدولة في المركز الأول عالميا على هذا المعيار ، ويساهم في تصنيف ممتاز لرواندا في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين.
وذكرت كريسينس موكانتابانا، المديرة التنفيذي لشبكة تنمية النساء الفقيرات ومؤسسة "شبكة المرأة"، وهي منظمة غير حكومية رائدة في رواندا مكلفة بالدفاع عن حقوق المرأة، أن "إنجازات رواندا في جعل القيادة النسائية والمناصفة تنبع من إرادة سياسية قوية وواضحة، والتزام جمعوي حقيقي، ولكن أيضا من سياق تاريخي خاص".
وقالت السيدة موكانتابانا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن حكومة ما بعد الإبادة الجماعية في رواندا وضعت دعم المرأة في صميم أولوياتها، من خلال إرساء ترسانة قانونية لتعزيز حقوقهن وضمان مشاركتهن في صنع القرار.
وأضافت أنه "تم، في سنة 1999، إحداث وزارة مكلفة بالنوع والنهوض بالمرأة لأول مرة، وتم، بعد بضع سنوات، إدراج المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور وتطبيقها بشكل يومي"، مسجلة أن البلاد كانت قد وضعت سنة 2005، نظام الكوطا الذي يعزز تمثيل المرأة في السياسة قبل احداث المجلس الوطني للنساء بعد ذلك.
وتأسس مسار المصالحة وإعادة بناء بلاد على النساء، وذلك في أعقاب الإبادة الجماعية المرتكبة 1994 ضد أقلية التوتسي، التي أودت بحياة أكثر من مليون شخص، وكانت النساء تشكل حوالي 70 في المائة من سكان رواندا.
وخلال السنوات الأولى من مرحلة ما بعد الإبادة الجماعية في رواندا، كان على هؤلاء النساء المعروفات بجدهن واجتهادهن أن يتحرروا من ثقل التقاليد والخطوط الحمراء لإعادة بناء بلد حيث كان لابد من إعادة بناء كل شيء ، بإحداث تعاونيات ومشاريع فلاحية ، وجمعيات تضامن ، بل أيضا تسيير المحاكم المجتمعية التي جعلت من الممكن تسوية نزاعات الجيران أو الأسر.
بعد انتشار قصص نجاح المرأة في مختلف المجالات، بدأت النساء تدريجيا في تولي الوظائف التي كانت آنذاك حكرا على الرجال. ثم اكتسبت بعد ذلك حقوق المرأة الكثير من الزخم.
لكن بالنسبة للسيدة موكانتابانا، وعلى الرغم من المكاسب المحققة، لا تزال هناك تحديات عديدة، لا سيما تلك المرتبطة بالعنف ضد المرأة والفقر.
ولاحظت أن "الأرقام الرسمية تظهر أن ما لا يقل عن 35 في المائة من النساء في رواندا تعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي في حياتهن ، و 22 في المائة منهن كن ضحايا للعنف الجنسي" ، مشيرة إلى أنه لا يزال يتعين بذل المزيد من الجهود لوضع حد للعنف ضد المرأة.
وأوضحت أن شريكهن غالبا هو مرتكب هذا العنف، مضيفة أن الكثير من الرجال يغادرون منازلهم عندما تصبح المشاكل خطيرة، تاركين وراءهم نساء مع أطفال دون أي مساعدة.
وسجلت هذه المناضلة في الدفاع عن حقوق المرأة برواندا أن "التحدي الرئيسي الآخر الذي يشغل بال السلطات والجمعيات للدفاع عن حقوق المرأة اليوم هو الفقر، الذي تفاقم بشكل مقلق مع انتشار وباء كوفيد-19، والآثار المتزايدة لتغير المناخ"، مشددة على أهمية مضاعفة المبادرات الهادفة إلى إشراك المرأة في المشاريع الاجتماعية والاقتصادية.
ومن الواضح أن التطور الملحوظ الذي شهدته رواندا في ربع قرن فقط ومعدل النمو الاقتصادي السنوي المثير بالبلاد البالغ 8 في المائة، يرجع في جزء منه إلى مساهمة المرأة التي تترك بصماتها في جميع القطاعات وجميع المجالات.
ويحفظ الروانديون أسماء نسائية بارزة عن ظهر قلب من قبيل لويز موشيكيوابو ، المؤثرة الرواندية التي تقود المنظمة الدولية للفرنكوفونية ، وكلير أكامانزي ، المديرة القوية لمكتب التنمية الرواندي، وإيفون ماكولو ، رئيسة شركة الطيران الوطنية .
ومن بين هؤلاء النساء اللائي ما فتئن يواصلن إلهام الشابات الروانديات الراغبات في الوصول إلى مناصب المسؤولية، توجد أيضا بولا إنغابير، وزيرة تكنولوجيا المعلوميات والاتصال والابتكار، وديان كاروسيسي، المدير العامة لبنك كيغالي وجولي مورينزي، الفنانة الشهيرة والوجه المعروف بالساحة الثقافية الرواندية.