عصيد: السلطة بالغت في استعمال الحياة الخاصة لتصفية حسابات سياسية

 عصيد: السلطة بالغت في استعمال الحياة الخاصة لتصفية حسابات سياسية
حوار - هشام الطرشي
الأحد 15 شتنبر 2019 - 18:00

تميز فصل صيف هذه السنة بحرارته المفرطة في العديد من المناطق، حرارة لم توازيها إلا سخونة مجموعة من الأحداث التي نالت قدرا كبيرا من اهتمام ومتابعة عموم المواطنات والمواطنين.

ولعل أهم هذه النقاشات تلك التي أفرزتها حالة "البلوكاج" الذي دخلها مشروع القانون الاطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والمصادقة عليه، ثم التعليمات والتوجيهات الملكية بمناسبة خطاب العرش الـ20، وبعدها ما أثاره حادث اعتقال صحفية مغربية من نقاش حقوقي وقانوني بخصوص راهنية تعديل مضامين القانون الجنائي من عدمه.

وآخرا وليس أخيرا، سياق ومآل المشاورات الحكومية بخصوص التعديل الحكومي الذي من المنتظر أن يتم الإعلان عنه مع الدخول السياسي والاجتماعي الذي لا تفصلنا عنه إلا أسابيع معدودة.

في هذا السياق، يَأتي هذا الحوار مع أحمد عصيد، وهو أحد رموز الحركة الأمازيغية نضالا وبحثا، كما انه كاتب وشاعر وناشط الحقوقي وعضو سابقا بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

- طفت إلى السطح، من جديد، واحدة من القضايا الخلافية في المجتمع، واجهتها اعتقال صحفية بتهمة الاجهاض الذي يجرمه القانون المغربي، وباطنها حالة التماهي بين القانوني والسياسي والأخلاقي، ما رأيك في مثل هذه القضايا ومدى تأثيرها على تركيبة وبنية المجتمع؟

قبل التفكير أو الإقرار بتأثيرها على تركيبة وبنية المجتمع، فهي تؤثر بشكل مباشر على مصداقية الدولة والمؤسسات. أعتقد أن السلطة قد بالغت نوعا ما في استعمال الحياة الخاصة لتصفية حسابات سياسية، وهذا يجعلنا متأكدين بأن السبب الرئيسي في ترك القانون الجنائي على حاله من التخلف والتناقض مع الدستور والتزامات الدولة بالمواثيق الدولية، هو استعماله لهذه الأغراض، وهذا سيجعل حالات الظلم تتزايد ويفقد الناس الثقة في المؤسسات.

إن الأخلاقيات السطحية مثلا والغير إنسانية التي تستعمل من طرف السلطة والمجتمع المتخلف لتبرير تجريم الإجهاض لا تتطابق مع أي واقع حقيقي، ما دام أن كل مغربي سواء من النخب أو من عامة الشعب سيتصرف بشكل مختلف كليا عن القانون من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه عند وجود حمل غير مرغوب فيه.

وبالتالي، فالقانون الذي لا يحتمله أحد ولن يستعمله أحد عند وقوع الواقعة، ليس قانونا عادلا، بل يخفي الطابع المتخلف للسلطة والمجتمع معا.

- هل ترى أن مسؤولية التمسك براهنية مطلب فتح نقاش عمومي وبرلماني بخصوص تجديد مضامين القانون الجنائي، يتحملها الصف الديمقراطي والحداثي لوحده أم على "التيارات المحافظة" تبني هذا المطلب؟

لا ننتظر عادة التيار المحافظ لكي يقبل فكرة ما حتى يتم تحويلها إلى قانون، فالكثير من الأمور البديهية رفضها هذا التيار وما يزال، كالحرية والمساواة بين الجنسين وحقوق الأمازيغية. لكن بعضها صار دستوريا وصدرت فيه قوانين رغم معارضة الإسلاميين له، والسبب هو جمودهم الإيديولوجي واعتمادهم مرجعية الفقه الإسلامي التراثي المتجاوز في معظمه.

المطلوب حالا ومستقبلا هو ترك باب الحوار مفتوحا دائما في موضوع القيم. لكن في رأيي من لا يعيش في عصرنا لا يمكن أن ننتظر منه مثل هكذا مبادرات ومواقف خصوصا إذا كان أسلوبه في التفكير لا يسمح له بمراجعة نفسه.

من جانب آخر لا ينبغي أن ننسى بأن الشعبوية وتملق الوجدان العام وقيم الانحطاط المجتمعي، تعتبر كلها رأسمالا انتخابيا هاما لدى الإسلاميين لا يمكنهم التفريط فيه حاليا، وإن كان ذلك سيكون ممكنا إذا ما تراجعوا في الانتخابات، وهو ما يفسره حرص الفرد منهم واجتهاده في الاقتناع بأفكار حقوقية، لكنه داخل جماعته، وبالنظر لكثير ضغوط ومؤثرات، تجده يتراجع لصالح الشعبوية.

ولهذا لا يمكن الاعتماد عليهم، والمطلوب تكتل الصف الديمقراطي من ليبراليين ويساريين وحركات مدنية كبرى والضغط بكل الطرق الحضارية من أجل التغيير، والتاريخ يسير في اتجاه العلم والحرية وحقوق الإنسان، لا في اتجاه التقليد والاتباع والحلول التراثية.

- تمت المصادقة على قانون ترسيم الأمازيغية، وبعده القانون الاطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ماهي ملاحظاتك على هذين القانونين؟

بالنسبة للقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فقد تمت صياغته كما هو معلوم من طرف الحكومة دون أية شراكة مع القوى المدنية الأمازيغية وخبرائها، كما لم تؤخذ مقترحات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالاعتبار، والنتيجة قانون يكرس التمييز بين لغتين رسميتين عوض المساواة بينهما.

كما أنه لا يعطي أي اعتبار للمكتسبات التي تحققت للأمازيغية داخل المؤسسات منذ 2003، ولا يحدد "كيفيات" إدراج إدراجها في المؤسسات، وإنما يكتفي فقط بتحديد المراحل، ويقدم صيغا فضفاضة بعضها لا يقبل أي تنفيذ واضح. ولهذا تحفظنا على هذا القانون واعتبرناه مخالفا للدستور وللطابع الرسمي للغة الأمازيغية.

أما القانون الإطار ففيما يخص الأمازيغية جاء طبقا لما ذهب إليه المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي بخس الأمازيغية حقها وجعلها مجرد لغة "للتواصل"، ضاربا عرض الحائط بطابعها الرسمي والدستوري.

وبخصوص النقطة التي أثارت حفيظة التيار الإسلامي والقومي والمحافظين عموما والمتعلقة بلغة تدريس المواد العلمية فهي لا تستوجب الضجة المفتعلة التي أحدثها هؤلاء لأنه آن الأوان في الواقع أن تقوم الدولة بتصحيح خطإ اقترفته منذ 36 سنة عندما قررت تعريب هذه المواد، إذ من المعلوم أن البلد الذي لا ينتج معرفة علمية ولا يتوفر على بنيات وطنية للبحث العلمي في المستوى الدولي ولا تنتشر فيه المعارف العلمية في المجتمع، بل تنتشر الخرافة والغيبيات، البلد الذي هذا شأنه، لا يمكن أن يجعل لغته لغة علم، خاصة إذا كان الناس يقدسون هذه اللغة ويعتبرونها لغة دين وعبادة ولغة "أهل الجنة".

ولهذا فاعتماد اللغة الأجنبية في تدريس العلوم اختيار واقعي براغماتي سيحقق الجودة لكن شرط تأهيل المدرسين وإعدادهم وتحسيسهم كذلك.

- الآن وقد تمت المصادقة على النصين وأصبحا واقعا تشريعيا، كيف تتوقع تعامل الحركة الأمازيغية عموما، والمبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية تحديدا، مع المؤسسات المعنية بتفعيل مضامين النصين القانونيين؟

طبعا سيكون على الحركات المدنية والحقوقية القيام بأمرين اثنين ضروريين، الأول هو مواكبة تفعيل المكتسبات الإيجابية في القانونين ورفع دعاوى قضائية ضد المؤسسات التي لم تقم بالمطلوب منها في الآجال المحددة.

والثاني هو العمل على تدارك النقص الموجود في القانونين من خلال الممارسة وخلق الدينامية الاجتماعية الضرورية لحياة لغة رسمية، وبذلك سيكون ممكنا تجاوز ثغرات القانونين عمليا وعلى أرض الواقع.

- الملاحظ أنه وبالرغم من التصديق على القانون الاطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي إلا أن شخصيات سياسية وثقافية أعادت هذا الملف إلى الواجهة من خلال تشكيل جبهة وطنية معارضة للقانون الإطار، كيف تقرأ حدث الاعلان عن هذه الجبهة وفي أي سياق تضعها، وهل من تأثير لها، خصوصا بعدما تمت المصادقة البرلمانية على القانون الاطار الذي أثار نقاشا سياسيا واسعا؟

ليس هناك أي تأثير مرتقب لمثل هذه المبادرة التي هي محض مزايدة على المؤسسات وعلى أحزاب الحكومة، وكذا على أصحاب التيارات الفكرية والإيديولوجية المعارضة لأصحاب هذه المبادرة حتى داخل المجتمع.

إنهم جماعة من المتقاعدين سياسيا وثقافيا يبحثون عن مناسبة للتأثير في القرار السياسي، وهو التأثير الذي لم يعد لديهم منذ زمن غير يسير. وفي رأيي ما قام به هؤلاء هو ضرب من تصفية الحسابات الظرفية مع إخوتهم الأعداء، ولا ينم عن قناعات حقيقية، ويكفي أن تبحث في كل واحد منهم أين قام بتدريس أبنائه وستفاجأ بلا شك. أما السيد بنكيران الذي تزعم هذه المبادرة فأؤكد لكم بأنه لو ظل رئيسا للحكومة حتى الآن لكان قد ترافع بقوة لتمرير القانون الإطار وشتم كل من يعارضه.

- ننتقل إلى موضوع آخر وهو النموذج التنموي المنتظر بدأ الاشتغال عليه بعد التعيين الملكي للجنة التي ستكلف بإعداده، ماهي الجوانب التي ترى أنه من المهم التركيز عليها أثناء رسم معالم هذا الورش الهام، فيما يتعلق بالهوية والتعددية اللغوية والثقافية وحقوق الاقليات وتثمين الموروث الثقافي والحضاري؟

في رأيي الشرط الأول المطلوب في هذا المشروع هو الانسجام والتناغم بين عناصره، أي أن يتم في إطار رؤية شمولية متكاملة حتى نخرج من التناقضات التي أنهكت تجاربنا السابقة وأدت بها إلى الفشل، ولهذا لا بد من المبدأ الرئيسي الذي يجعل الإنسان في صلب العملية التنموية، ويجعل التعليم الفعال أساس البناء كله.

وبصراحة لا يمكن لأي مشروع أن ينجح بدون مدرسة وطنية ذات مرتكزات واضحة تعتمد العلم والحرية وحقوق الإنسان، وليس الخرافة والعنف والغيبيات. من جانب آخر لن ينجح أي مشروع تنموي أبدا في ظل الإدارة الحالية بمساطرها وأسلوب اشتغالها، فلا بد أن يتضمن المشروع أسس إصلاح إداري حقيقي لأنه لا تنمية بدون استثمار ولا استثمار بدون إدارة رشيدة.

النقطة الثالثة هي مشكل الفساد العظيم الذي ينخر مؤسساتنا، فسيكون من الكذب على الذات القول إن مشروعا تنمويا سينجح في بلدنا بدون حملة تطهيرية واسعة ضد الفساد والمفسدين، لأن ذلك سيكون كمن يصب الماء على الرمل.

بعد هذا يمكن الحديث عن مشروع تنموي بأسسه الثقافية المراعية لكل مكونات بلدنا، والتي تجعل الثقافي في عمق التنمية وليس اكسسوارا خارجيا أو ترفا زائدا، مع تفعيل متوازن للغتين الرسميتين بتوفير فرص النماء والتطور لهما معا على قدم المساواة.

- مع دنو موعد الاعلان عن التعديل الحكومي، تعود إلى واجهة النقاش السياسي جدلية السياسي والتقنوقراطي، هل أنت مع شرط الكفاءة وإن توفرت في شخصية تقنوقراطية لا خلفية سياسية لها؟

لنكن واقعيين وصرحاء، لا فرق بين السياسي والتكنوقراطي عندما يكون دورهما تنفيذ سياسة محددة سلفا، ومسطرة خارج الحكومة والبرلمان، نظامنا السياسي ملكي تنفيذي، ما زال فيه المنتخبون يمارسون السخرة الإدارية وينتظرون التعليمات والإشارات، ولهذا فمحاسبتهم على التوجهات الكبرى نوع من العبث.

إن المطلوب ليس الاختيار بين السياسي والتكنوقراطي بل تغيير قواعد اللعب وإفساح المجال للعمل الطبيعي للمؤسسات، بدون ذلك النتيجة ستظل على ما هي عليه وسنقوم فقط بتغيير بعض الوجوه.

- كيف تقيم أداء الحكومة الحالية حقوقيا، اجتماعيا، ثقافيا، سياسيا، وما هو السيناريو الاقرب إلى التحقق بخصوص الهندسة الحكومية المرتقبة المرهونة بشرط الكفاءة؟

أداء الحكومة ضعيف جدا وباهت، ولا يرقى إلى التحديات التي تواجه بلدنا، وهو أمر طبيعي يحدث عندما يفقد الفاعلون السياسيون إرادة العمل والقرار والفعل ويصابون بالإحباط الشديد، الفاعلون في الحكومة تلحقهم الإهانات المختلفة ويظلون في مواقعهم ينتظرون التعليمات، وحتى القرارات القطاعية التي يتخذونها تبقى في معظمها مجرد شعارات لا يتحقق منها إلا القليل بسبب بطء الإدارة وفسادها. ولهذا لا نفاجأ عندما نقارن بين التصريح الحكومي الأول ونتيجة سنوات من العمل اللامجدي.

أما فيما يخص الهندسة الحكومية القادمة فأرى شخصيا بأن أصحاب القرار عندما يتحدثون عن ضعف الكفاءة فبسبب استيائهم من بعض الوجوه السياسية والإدارية خاصة منها التابعة لحزب العدالة والتنمية. فالحزب الأغلبي منذ ولاية بنكيران وهو يضع الأشخاص غير المناسبين في الأماكن التي لا يصلحون لها، وذلك بسبب النقص الكبير في الأطر الكفأة لدى هذا الحزب، طبعا هذا لا يعني بأن الأحزاب الأخرى تختار أجود ما لديها، فالكثير من الاعتبارات الضيقة تؤدي إلى إغلاق الأبواب في وجه الكفاءات الشابة، لكن في النهاية، الخيبة والانكسار هما ما ينتظر الكفاءات الحقيقية نفسها عندما تجد طريقها إلى المناصب، وهذا يعني ما قلناه سابقا، لا تغيير في ظل استمرار قواعد اللعبة على حالها.

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...