كُرة القدم.. أكثر من مُجرد لعبة !

 كُرة القدم.. أكثر من مُجرد لعبة !
الصحيفة - افتتاحية
الأربعاء 21 دجنبر 2022 - 14:42

لم تعد كرة القدم مُجرد رياضة، أو لعبة، تبدأ وتنتهي على مستطيل أخضر، وصافرة حكم، وجمهور يَهتف لفريقه. كرة القدم، اليوم، هي صناعة، واقتصاد ضخم، وملايير من الدولارات، وشغف يمس أزيد من مِليَاريْ من البشر من ساكنة هذا الكوكب.

أزيد من أربعة ملايين أرجنيتيني يخرجون للشوارع لتحية منتخبهم الفائز بكأس العالم، في لحظة شغف تعكس الإرث التي تتركه كرة القدم لهذا الشعب الشغوف بهذه الرياضة إل حد الجنون. وفي المغرب يخرج آلاف المواطنين من مختلف الأعمار لتحية "أسود الاطلس" بعد إنجازهم الباهر والتاريخي باحتلالهم المركز الرابع في كأس العالم، وعادة لا يخرج المغاربة بمثل هذه الأعداد وبهذا الحماس إلاّ من أجل كرة قدم!

صورة حافلة المنتخب المغربي وهي تجوب شوارع الرباط، محاطة بآلاف المغاربة الشغوفين بكرة القدم، وما حققه منتخبهم الوطني، كانت أكبر حملة إشهارية للمغرب، وأعطت صورة ساحرة عن المملكة، كان تسويقها بهذا الشكل بدون كرة القدم يحتاج لملايين من الدولارات ولمجهود خارق لإخراجها بهذه الإبهار عن شعب ودولة إسمها المغرب.

كرة القدم، اليوم، ليست مجرد لعبة، ورياضة، هي اقتصاد ضخم بملايير الدولارات، وقوة ناعمة تستغلها الدول لتأكيد مكانتها بين الأمم. ويكفي أن نعرف أن البرازيل، مثلا، صدرت في سنة واحدة 1300 لاعبا خارج أراضيها، حسب المركز الدولي للدراسات الرياضية، وبعوائد مالية تجاوزت 800 مليون دولار، كما تساهم كرة القدم بنحو 5 % من إجمالي الدخل في البرازيل، بل أكثر من ذلك، فإن أرباح الأندية البرازيلية من تصدير لاعبيها يفوق ما تصدره البرازيل من الموز والحبوب، وهو ما يجعلنا ندرك العائدات المالية لكرة القدم، حينما تصبح اقتصادا مهيكلا، لتنتقل من مجرد لعبة إلى قيمة مضافة للتنمية الاجتماعية وتطور الأمم وإشعاعها.

وبمراجعة سريعة للأرقام التي تحققت في كأس العالم الأخيرة بقطر2022، يمكن مُلامسة تأثير مذهل في نسبة الاستهلاك، مما انعكس على بعض القطاعات الحيوية في الاقتصاد، سواء من خلال ارتفاع مبيعات الأطعمة الجاهزة، أو ارتفاع استهلاك الطاقة، أو نمو في الطلب على الأجهزة الالكترونية، وأقمصة المنتخبات، وارتفاع زبائن المقاهي والمحلات التي عَرضت مباريات كأس العالم الأخيرة.

وإن كان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جيانو إنفنتينو قد أكد أن أرباح الـ FIFA في كأس العالم قطر 2022 بلغ 7.5 مليار دولار، بزيادة قدرها مليار دولار عن مونديال روسيا 2018، فإن دول عديدة كانت منتخباتها في البطولة العالمية حققت أرقاما كبيرة في الاستهلاك والرواج الاقتصادي.

في فرنسا، مثلا، التي تتوفر معطيات تخصها، ارتفع استهلاك البلاد من الكهرباء إلى أعلى مستوى أثناء مباراة المنتخب الفرنسي ضد المنتخب المغربي في نصف نهائي كأس العالم. أما سلسلة متاجر "كارفور" الفرنسية، فعرفت زيادة في مبيعاتها في آخر مباراتين للمنتخب الفرنسي بنسبة 17 بالمئة على المنتجات "سهلة الاستخدام" مثل رقائق البطاطس والبسكويت، كما ارتفعت مبيعات البيتزا بنسبة 13 بالمئة.

هذا، في الوقت الذي سَاهم تقدم فرنسا في المونديال في ارتفاعٍ ضخم للإعلان في القنوات الفرنسية التي تبث المباريات. وهكذا، رفعت قناة TF1 الفرنسية التي نقلت البطولة، من سعر الإعلان إلى 330 ألف عن كل نصف دقيقة، وجاء ذلك، بعد تحقيقها لرقم مشاهدة ضخم لمباراة المنتخب المغربي ضد المنتخب الفرنسي بـ 20.6 مليون تابعوا اللقاء على شاشتها، ما جعلها ترفع من قيمة الإعلان الذي يمر قبل وَوَسط وبعد مباريات كأس العالم. وهو الشيء نفسها الذي أقدمت عليه قناة M6 الفرنسية، التي أعلنت أن نسبة مشاهدي مباراة فرنسا والمغرب على قنواتها سجلت 66 بالمئة من عدد المشاهدين في فرنسا بما يصل إلى 23.3 مليون مشاهد.

في المغرب ليست هناك أرقام يمكن الاعتماد عليها لبناء أي دراسة لافتقاد مثل هذه المعطيات ومن يَعمل عليها، لكن مع ذلك، يمكن ملاحظة الرواج الاقتصادي في العديد من القطاعات، مثل المقاهي، والمطاعم، والأكلات السريعة، وبيع شاشات التلفاز، والأعلام الوطنية، وأقمصة المنتخب، والمستلزمات المرافقة للتشجيع.

غير أن هذه الحركة الاقتصادية، الموسمية، وإن كانت مهمة، إلا أنها مازالت غير ذات ثقل اقتصادي كبير قياسا بما تحققه بعض الدول التي تهتم بكرة القدم كصناعة، ومنتوج رياضي يدر ملايير الدولارات كأرباح وضرائب ويوفر آلاف مناصب الشغل ويساهم في الدخل القومي الخام للدول.

نادي برشلونة، مثلا، ساهم في تحريك النشاط الاقتصادي في إسبانيا خلال الموسم 2019/2020 (قبل جائحة كورونا) بمقدار 3.214 مليار أورو، ما انعكس على إجمالي الناتج المحلي بواقع 1.773 مليار أورو، كما خلق النادي ما يزيد عن 31.475 فرصة عمل. ويزور برشلونة سنويا أزيد من ثلاثة ملايين شخص مرتبطين بعشق النادي الكتالوني، كما أن متحف الفريق وملعب "الكامب نو" يقصده أزيد من مليون ونصف المليون شخص سنويا، ويُعد من أهم مداخيل النادي بعد الإعلانات المباشرة، والنقل التلفزي.

في المغرب اقتصاد الرياضة "مَيِّت". وأهم الفرق التي لها شعبية كبيرة تدار بشكل عشوائي، وتسيّر بمنطق شخصي وأناني تتداخل فيه المصالح الشخصية، والقرارا الارتجالية. وأغلب الفرق المغربية غير مُهيكلة ولا احترافية في تدبيرها، سواء على مستوى ما هو إداري أو تسويق أو رياضي، أو حتى في الشق التواصلي، وكلها عوامل تنعكس على الفرق والبطولة "الاحترافية"، وتلقائيا على المنتوج الكروي كَكُل.

وإن حالونا رؤيتنا واقعنا الكروي في المغرب سنجده "بئيسا". يكفي أن نقرأ أن رئيس فريق مثل الرجاء البيضاوي، يَخرج بتصريح، بعد يوم واحد فقط من لعب المنتخب المغربي لنصف نهائي كأس العالم، ليطلب من لاعبي أحد أكثر الفرق شعبية في المغرب بـ "الصبر" على تحصيل رواتبهم وحقوقهم المالية إلى حين إيجاد موارد للفريق.

هذا الرجل الذي راكم ثروته من "جمع الأزبال" دخل النادي بوعود أكبر من رأسه، وبدأ يوقع للاعبين الأفارقة ويلتقط معهم الصور وهو حافي القدمين في بيته، بدون أي احترام لا لتاريخ النادي، ولا لصورته، مع وعود كبيرة اتضح أنّ فيها الكثير من الانتهازية للوصول إلى رئاسة أعرق نوادي المغرب. فكيف إذن مع مثل هؤلاء يمكن أن نصنع "اقتصادا رياضيا" في بلد وصل منتخبه لنصف نهائي كأس العالم، وتحدثت عنه أغلب صحف وقنوات العالم؟!

ومثل ما يحدث لفريق الرجاء العريق بتاريخه وجمهوره، يَحدث مع العديد من الفرق الوطنية التي تدار بمفاهيم غريبة عن الاحتراف وصناعة اقتصاد رياضي ينعكس على الفرجة ويحقق عوائد مالية تصنع المجد الكري للفرق المغربية، وتنعكس على المنتخب المغربي في البطولات الدولية.

أغلب رؤساء النواد في المغرب هم من أباطرة العقار والسياسيين ممن يرغبون في استغلال شعبية الفرق لتحقيق أغراضهم الشخصية بدون برامج واضحة ولا خطط تسويقية للنادي ولا قدرة على جلب موارد مالية بعيدا عن "التسول"، وأغلب همّ هؤلاء هو رفع أسهمهم شعبيا، وعند السلطة لأغراض لا علاقة لها بالرياضة، ومن خلال توظيف مناصبهم، واستغلال جمهور الفرق ورمزية النوادي لفتح أبواب واسعة عند السلطة، من أجل الوصول إلى منافع كانت بعيدة عنهم خارج الرياضة.

بهذه العقلية يصعب معها تحقق أي اقتصاد رياضي، ويصعب أن نصبح قوة رياضية قارية أو عالمية كما هي اليوم، البرازيل، أو الأرجنتين، أو كرواتيا ذات الأربعة ملايين نسمة. ما حققه المنتخب المغربي في كأس العالم يجب أن يكون سببا كافية وفرصة تاريخية من أجل تنظيف المجال الرياضي من "أباطرة الرياضة"، كما يجب تحرير الإعلام "العتيق" وتطويره ليواكب هذا الورش الكبير، وتسخير بنية تحتية وامكانيات مادية كاستثمار للمستقبل. وهذه القرارات تحتاج لإرادة دولة، ورؤية دولة، وصرامة دولة، من أجل أن يُرفع العلم الوطني في المحافل القارية والدولية دائما.. وأبدا!

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...