ماكرون يدعو الملك محمد السادس لبلورة استراتيجية جديدة تعوض اتفاقيات "سان كلو".. فما هي تفاصيل هذه الاتفاقيات التي وُقعت سنة 1955 بين الرباط وباريس؟

 ماكرون يدعو الملك محمد السادس لبلورة استراتيجية جديدة تعوض  اتفاقيات "سان كلو".. فما هي تفاصيل هذه الاتفاقيات التي وُقعت سنة 1955 بين الرباط وباريس؟
الصحيفة من الرباط
الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 21:13

أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن الملك محمد السادس سيزور باريس في غضون سنة 2025، من أجل تبني إطار استراتيجي جديد يربط المغرب بفرنسا، مُبرزا، في خطابه أمام مجلسي البرلمان اليوم الثلاثاء، أن الأمر يتعلق بوضع نقطة النهاية لاتفاقيات "سان كلو"، ومُمهدا الطريق لاتفاقية لا يوقعها قصر الإيليزي عادة إلا مع دول الاتحاد الأوروبي.

حديث ماكرون كان يدور عن الاتفاقيات الموقعة في 6 نونبر 1955 بين سلطان المغرب محمد الخامس، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي أنطوان بيناي، والتي كانت ثمرة مفاوضات دارت بقصر "لاسيل سان كلو" بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، واضعة نُقطة النهاية، عمليا، لقرار النفي السلطان، ولمعاهدة الحماية المستمرة منذ 1912.

لا توجد الكثير من التفاصيل عن اتفاقيات سان كلو، إلا أن الثابت، وفق ما نجده في أرشيف المعهد الوطني الفرنسي السمعي البصري، هو أن الأمر يتعلق بفصل جديد آنذاك من العلاقات بين المغرب وفرنسا، بعدما قررت حكومة إدغار فوير التخلي عن مبدأ "السيادة المشتركة"، وبالتالي الإعلان عن أن المغرب أصبح دولة مستقلة ذات سيادة.

المصدر نفسه، يتحدث عن أن إعلان "لاسيل سان كلو" تضمن التنصيص على انتقال المغرب إلى وضع "دولة مستقلة تربطها مع فرنسا روابط دائمة، قائمة على التعاون المتبادل المتفق عليه والمُحدد بحُرية"، مبرزة أن ذلك كان بمثابة التأشير على عودة السلطان إلى المغرب والاعتراف به كحاكم لبلد مُستقل، مع اعتماد أسس المرحلة الانتقالية.

مقالٌ صادر في جريدة "لوموند" الفرنسية، بتاريخ 8 نونبر 1955، يقول إن البيان المشترك الذي صاغه السلطان محمد الخامس ووزير الخارجي الفرنسي "يشكل نقطة انطلاق ويحدد إطار المفاوضات التي يجب أن تجري بين الحكومة الفرنسية والحكومة المغربية المستقبلية"، مبرزا أن تلك الخطوة وضعت نقطة النهاية للمجلس الوصي على العرش الذي وضعته فرنسا.

وتابع المصدر نفسه، أنه بموجب الاتفاق "يتعهد السلطان بتعزيز الإصلاحات المؤسسية التي ستجعل من المغرب دولة ديمقراطية ذات ملكية دستورية"، ومن ناحية أخرى، ستتولى الحكومة المغربية "قيادة المفاوضات مع فرنسا للوصول بالمغرب إلى وضع دولة مستقلة، مرتبطة بفرنسا بروابط دائمة من الاعتماد المتبادل المعترف به والمُحدد بحرية".

وبمطالعة ما نشرته مصادر فرنسية متعددة حول الموضوع، نجد عدة تقاطعات في توصيف إعلان "سان كلو"، أولها إعلان المغرب دولة مستقلة معترفا بها، وثانيها تحديد فترة انتقالية ما بين خروج القوات والمصالح الفرنسية واستبدالها بأخرى مغربية، وثالثا، وهو الأهم في السياق الحالي، التأكيد على التعاون المستقبلي بين البلدين، والارتباط القائم بين المملكة وباريس، خصوصا على المستوى الاقتصادي.

من الناحية الرسمية، يعتبر المغرب أن اتفاقات "لاسيل سان كلو" هي نقطة البداية في استقلال المملكة وإنهاء الحماية الفرنسية، ونجد أن القصر الملكي احتفل بالذكرى الستين بتوقيعها، حيث انتقل الأمير رشيد، إلى باريس، يوم 10 نونبر 2015، بتكليف من شقيقه الملك محمد السادس، ليلقي خطابا بالمناسبة نيابة عنه.

وجاء في الخطاب الملكي حينها "إن تخليد الذكرى الستين لاتفاقيات "لاسيل سان كلو"، لحظة من تلك اللحظات، التي طبعت تاريخ بلدينا الغني، وأبرزت خصوصية الروابط القوية التي تجمع بينهما، وتابع "إن الإرادة الشعبية، والعزم الواضح للقوى الحية للأمة المغربية، وإصرارها على عودة الملك الشرعي للبلاد، في أسمى تجليات تعلق الشعب المغربي بالملكية والتلاحم الوثيق بينهما، كلها عوامل مهدت لإصدار إعلان "لاسيل سان كلو"، الذي صار لبنة قوية وعلامة فارقة في تاريخنا المشترك".

وأبرز خطاب العاهل المغربي أنه خلال لقاء لاسيل سان كلو "تمكن رجال من طينة خاصة، مغاربة وفرنسيون، وبفضل الرؤية الحكيمة والمواقف الرصينة والرزينة لجلالة محمد الخامس، طيب الله ثراه، من طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب وفرنسا" وتابع "التقدير والثقة كانا ضروريين، لكي لا يفتح استقلال المغرب واستعادته لسيادته، الباب أمام مشاعر الكراهية والمرارة والعداء، كما كانت ضرورية أيضا لمساعدة المغرب وفرنسا على البناء، انطلاقا من علاقة خاصة ومتفردة، أساسها الاحترام المتبادل والكرامة".

ووفق ما جاء في قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء، الرسمية، أن الأمر يتعلق بلقاء السلطان محمد الخامس وأنطوان بيني، حيث عرض هذا لأخير المبادئ العامة لسياسة الحكومة الفرنسية، من خلال بيان مجلس الوزراء في الخامس من نونبر 1955، ليؤكد السلطان موافقته على هذه المبادئ، وكلف، باتفاق مع الحكومة الفرنسية، مجلس العرش الذي أُسس في 17 أكتوبر 1955، واستقال في الثالث من نونبر 1955، بالاستمرار في تسيير الشؤون الجارية للبلاد.

وأكد الملك الراحل، وفق المصدر ذاته، إرادته لتشكيل حكومة مغربية للتدبير والتفاوض، تمثل مختلف توجهات الرأي المغربي، وكان من بين مهام هذه الحكومة إعداد الإصلاحات المؤسساتية التي تجعل من المغرب دولة ديمقراطية بملكية دستورية، والإشراف، إلى جانب فرنسا، على قيادة المفاوضات الرامية إلى تمكين المغرب من وضع دولة مستقلة تجمعها بفرنسا روابط دائمة لاستقلال محدد وعن طواعية، كما اتفق الطرفان على أن فرنسا والمغرب، يجب أن "يبنيا معا وبدون تدخل الغير مستقبلهما التضامني، وتأكيد سيادتهما، بالضمان المتبادل لحقوقهما وحقوق مواطنيهما، وفي إطار احترام الوضع الذي أنتجته المعاهدات مع القوى الأجنبية".

الواضح، أن هذه الاتفاقية، ومع اقترابها من إتمام عامها السبعين، لم تعد تلقى القبول نفسه لدى المغرب، كإطار مرجعي لتدبير العلاقات مع فرنسا، في سياق مرو 25 عاما على حكم الملك محمد السادس، حفيد موقعها السلطان محمد الخامس، والذي عمل على بناء علاقات أكثر ندية مع القوى الكبرى، من منطلق الشراكات الاستراتيجية القائمة على مبدأ رابح – رابح، كما سبق أن عبر عن ذلك بصيغ مختلفة في خطاباته.

هذا الأمر يمكن استنتاجه من خلال كلمة ماكرون اليوم أمام البرلمان، حيث أوضح أنه وجّه دعوة للعاهل المغربي من أجل زيارة فرنسا العام المقبل، وهي الدعوة التي حظيت بالقبول، مبرزا أنه اقترح على الملك "إطارا استراتيجيا جديدا" سيكون "بديلا" لاتفاقيات "لاسيل سان كلو".

وهكذا، فإنه وإلى غاية سفر الملك إلى باريس لتوقيع الإطار المقترح، يكون مهام الدبلوماسيين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين من المغرب وفرنسا، التفاوض على الصيغة الجديدة للشراكة، عبر لجنة المتابعة التي أعلن عنها ماكرون.

هذه اللجنة ستكون مكلفة بوضع مقترحات حول مستقبل الشراكة بين البلدين، منذ الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2025، إحداث نقلة نوعية في طبيعة العلاقة بينهما، إذ حسب توصيف ماكرون، وبذلك ستصبح المملكة المغربية هي "أول بلد من خارج الاتحاد الأوروبي التي ترتبط به فرنسا بالتزامات قوية بهذا الشكل".

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...