ما بين حملة المقاطعة واحتجاجات "جيل زِد" زرعَ الكثير من بذور الغضب.. هل أصبح أخنوش أكثر شخصية سياسية تُهدد الاستقرار في المغرب؟
تحول اسم رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، منذ سنة 2018 إلى عنوان بارز للجدل والنقاش العام في المغرب، سواء كفاعل اقتصادي أو كمسؤول سياسي، في سياق متقلب طبعته حملات مقاطعة شعبية واحتجاجات بمختلف أطيافها، السياسية والنقابية والشبابية، جعلت صورته كرجل الأعمال الناجح ورئيس الحكومة المنتخب، تطبعها ملامح أخرى كالجشع والاحتكار، ما يجعل الكثيرين اليوم يعتبرونه أكثر شخصية سياسية مثيرة للغضب في المملكة في السنوات الأخيرة.
من حملة المقاطعة إلى صورة الجشع
اجتاحت المغرب في سنة 2018 حملة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "مقاطعون"، وقد استهدفت الحملة حينها منتجات ثلاث شركات كبرى، بينها شركة "إفريقيا" للمحروقات المملوكة لأخنوش، وشركة "سنترال" للحليب، ورغم أن الحملة انطلقت بشكل عفوي من طرف شرائح واسعة من المغاربة، إلا أنها نجحت في إحداث صدى واسع وتحقيق تأثير اقتصادي واضح على شركات أخنوش.
ووجد أخنوش نفسه حينها وهو وزير للفلاحة، في قلب العاصفة باعتباره رمزا للاحتكار والجشع، خاصة أن الشركات المستهدفة ارتبطت باسمه شخصيا. ورغم محاولات احتواء الأزمة إعلاميا وسياسيا، فإنها تركت ندوبا عميقة في صورته العامة، وأرست أولى بذور الغضب الشعبي تجاهه.
ومنذ ذلك الحين، لم يعد اسم أخنوش مجرد اسم رجل أعمال أو مسؤول حكومي، بل صار مرتبطا بحملة شعبية وذكرى احتجاجية حملت دلالات قوية حول رفض فئات واسعة من المغاربة لما وصفوه بتغول المصالح الاقتصادية والسياسية، التي عوض أن يعمل أخنوش على محوها عندما تولى رئاسة الحكومة، زاد من إبرازها أكثر.
حكومة الأزمات واتهامات تضارب المصالح
تولي أخنوش رئاسة الحكومة بعد انتخابات 2021 فتح فصلا جديدا في مساره، لكنه كان فصلا مشوبا بأزمات متعددة جرت عليه الكثير من الانتقادات ومشاعر الغضب والاحتقان، فمع بداية ولايته، واجه المغرب موجة ارتفاعات صاروخية في الأسعار، خاصة في قطاع المحروقات، وكلمة المحروقات في المغرب ترتبط بشكل مباشر، وغير مباشر، باسم أخنوش لا أحد غيره.
فقد عاش المغاربة في السنوات الثلاث الماضية على واقع أكبر الارتفاعات في أسعار المحروقات، رغم التراجع الملحوظ لأسعار النفط في الأسواق الدولية، إذ ظل المواطن المغربي يشتري الوقود بأسعار مرتفعة، ما أعاد إلى الواجهة اتهامات "الجشع" لشركات التوزيع وعلى رأسها شركات أخنوش.
حكومة أخنوش اتُهمت بأنها "حكومة الصفقات وتضارب المصالح" بشكل قوي في السنتين الأخيرتين، خاصة بعد قضية فوز شركات مرتبطة برئيس الحكومة بصفقات استراتيجية، أبرزها صفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، التي أثارت جدلا واسعا حول تضارب الأدوار بين المسؤول السياسي ورجل الأعمال، وهي القضية التي كانت "الصحيفة" أول وسيلة إعلامية مغربية كشفت تفاصيلها عبر تحقيق استقصائي نشر في ماي 2023.
كما ارتبط اسم أخنوش بصفقات أخرى متعلقة بالاستيراد، حيث اتهمت أصوات معارضة للحكومة بمحاباة شركات بعينها في عمليات التوريد، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من ضغوط مالية واجتماعية خانقة، وقد غذت هذه الاتهامات مزيدا من الغضب الشعبي، ورسخت صورة حكومة رهينة المصالح الخاصة.
إلى جانب ذلك، وجهت انتقادات – ولا تزال- لأخنوش بسبب طبيعة تشكيلته الحكومية، التي يرى فيها خصومه والكثير من المهتمين بالشأن السياسي في البلاد، أنها تضم شخصيات مقربة منه سياسيا واقتصاديا، ما يعزز خطاب المحاباة والمحسوبية على حساب الكفاءة والاستقلالية حسب تعبير الكثيرين.
احتجاجات "جيل زد" ومطلب الإقالة
إذا كانت حملة المقاطعة سنة 2018 قد مثلت بداية الشرخ الحقيقي بين أخنوش وفئات واسعة من المواطنين المغاربة، فإن انفجار احتجاجات ما يُعرف بـ"جيل زد" المرتبط بالفضاء الرقمي، يراه كثيرون بمثابة مرحلة الحصاد لبذور الغضب التي زرعها أخنوش منذ "سنة المقاطعة".
خروج هؤلاء الشباب إلى الشارع بشعارات تحسين الصحة والتعليم يشكّل محطة فارقة، فالاحتجاجات الآن ليست مرتبطة فقط بارتفاع الأسعار أو بصفقات مثيرة للجدل، بل صارت شاملة لمجمل الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها حكومة أخنوش، ليصير مطلب الإقالة لرئيس الحكومة عنوانا بارزا لإخفاق الرجل ومطلبا ملحا للحفاظ على "استقرار الشارع".
وبين المقاطعة واحتجاجات "جيل زد"، يبدو أن السنوات الأخيرة رسمت مسارا تصاعديا للغضب الشعبي تجاه عزيز أخنوش، فمن رمز للجشع والاحتكار في 2018، إلى رئيس حكومة متهم بتضارب المصالح بعد 2021، وصولا إلى شخصية مستهدفة بشعار الرحيل من طرف الشباب في 2025، مما يجعل الرجل في وسط معادلة معقدة.
اليوم، وفي ظل الاحتجاجات التي يعرفها الشارع المغربي، يطرح الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في البلاد، هل بات عزيز أخنوش أكثر شخصية سياسية تهدد استقرار المملكة؟ البعض يرى أن تزايد الغضب ضده قد يهدد السلم الاجتماعي إذا لم يتم امتصاصه بإجراءات ملموسة.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :