مذكرة الـ PPS للانتخابات تدعو لمنع ترشُح كل المُتابعين والمدانين في قضايا الفساد
في إطار المشاورات السياسية التي انطلقت عقب الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، دعا حزب التقدم والاشتراكية في مذكرته الشاملة حول إصلاح المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب لسنة 2026، إلى منع ترشح كل الأشخاص المشبوهين المعروفين لممارسة الفساد وبإفساد الانتخابات، وجميع المدانين أو المتورطين في قضايا فساد المال العام أو الفساد الانتخابي قيد النظر القضائي، مشدّدا على أن هذا هو السبيل لإنقاذ الديمقراطية التمثيلية ببلدنا وصمام الأمان الرئيسي لكسب كل المعارك في مقدمتها معركة توطيد وحدتنا الترابية وتثبيت مغربية الصحراء.
ووضع التقدم والاشتراكية، تصوره الكامل لتخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة العملية الانتخابية المقبلة في لدن وزارة الداخلية، حيث قدم وصفة متكاملة تشمل ثمانية محاور كبرى، من تخليق الانتخابات إلى تمويلها، مرورا بمراجعة التقطيع وتعزيز مشاركة النساء والشباب ومغاربة العالم.
المذكرة التي جاءت في سياق سياسي وطني اعتبره الحزب حاسما، شددت على أن الاستحقاقات التشريعية المقبلة ينبغي أن تشكل لحظة وطنية مميزة، ومناسبة لمصالحة المغاربة مع الشأن السياسي وصناديق الاقتراع، وتكريس الثقة في المؤسسات المنتخبة، مؤكدة أن الهدف ليس فقط تنظيم انتخابات في موعدها الدستوري، بل جعلها مدخلا لإعادة الاعتبار للمسار الديمقراطي والتنموي الوطني، وإفراز مجلس نواب قوي يقوم بمهامه الدستورية كاملة في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، إلى جانب حكومة سياسية ذات مصداقية، قادرة على إنتاج البدائل ومواجهة التحديات.
تخليق العملية الانتخابية
خصصت المذكرة حيزا مهماً لمحور "تخليق العملية الانتخابية"، مؤكدة أن أكبر تهديد للمسار الديمقراطي هو "إغراق الفضاء الانتخابي بالمال والفساد والإفساد". واقترحت منع الترشح لكل الأشخاص المشبوهين المعروفين بممارسات فاسدة أو المتورطين في قضايا فساد مالي أو انتخابي قيد التحقيق، مع إمكانية توقيع الأحزاب السياسية "ميثاق شرف ملزم" بهذا الخصوص لتفادي تناقضه مع قرينة البراءة.
كما طالبت بتشديد العقوبات على كافة جرائم الفساد الانتخابي، واعتبار شراء الأصوات جناية تستوجب عقوبات رادعة، وتجريم استغلال المال العام والمشاريع العمومية ومواقع المسؤولية الإدارية أو الأنشطة الخيرية لاستمالة الناخبين. ودعت إلى إضافة شرط شهادة الإبراء من الديون العمومية في ملفات الترشح، وإطلاق خط أخضر وطني للتبليغ عن الخروقات الانتخابية، مع توفير الموارد البشرية واللوجستيكية الكافية لمعالجة الشكاوى.
المذكرة أوصت بوضع إطار قانوني خاص بملاحظة الانتخابات، يستلهم التجارب الدولية، ويحدد حقوق وواجبات الملاحظين، والتزامات السلطات تجاههم. كما شددت على ضرورة الشفافية في اختيار رؤساء مكاتب التصويت والإعلان عن أسمائهم مسبقاً، وإخضاع التعيينات لمعايير الحياد وعدم ارتباطهم بالمرشحين، مع تنويع مصادرهم بين قطاعات التعليم والعدل والصحة والمؤسسات العمومية، وتفادي الاعتماد على موظفي الجماعات الترابية.
ومن أجل ضمان نزاهة أكبر، اقترحت المذكرة المنع الصارم لإدخال الهواتف إلى مكاتب التصويت، واعتماد التوقيع بالبصمة في لوائح الحضور كدليل مادي على المشاركة، والاحتفاظ بجميع أوراق التصويت إلى حين انتهاء آجال الطعون، والإعلان العلني عن نتائج كل مكتب فرعي ومركزي في عين المكان. كما دعت إلى رقمنة العملية الانتخابية برمتها، من التسجيل إلى إعلان النتائج، بما يتيح الشفافية والسرعة في نشرها مكتبا بمكتب، ويقلص الأخطاء البشرية والتلاعبات.
ولم تغفل الوثيقة الجانب القضائي، حيث طالبت بإعمال القضاء الاستعجالي في ملفات الفساد الانتخابي، خاصة خلال الحملة ويوم الاقتراع، وتوسيع وسائل إثبات الخروقات بالاعتماد على الأدلة الرقمية، والسماح للأعوان القضائيين بالعمل خارج نطاقهم الترابي. كما دعت إلى زجر الموظفين العموميين المتورطين في إفساد الانتخابات بعقوبات جنائية وإدارية صارمة.
تحفيز المشاركة الانتخابية
أبرزت المذكرة أن أكبر معضلة تواجه الانتخابات بالمغرب هي العزوف الشعبي، إذ أن ملايين الناخبين إما غير مسجلين أو ممتنعين عن التصويت. لذلك اقترحت إجراءات عملية لتحفيز المشاركة، من بينها تثبيت يوم الاقتراع في يوم الأربعاء أو اختيار يوم آخر غير الجمعة وعطلة نهاية الأسبوع، مع الترخيص بالغياب عن العمل أو الدراسة طيلة يوم الاقتراع شريطة الإدلاء بشهادة تصويت.
كما دعت إلى إطلاق حملات وطنية واسعة، رسمية وإعلامية، حول أهمية التصويت باعتباره حقاً شخصياً وواجباً وطنياً، مع استثمار الإعلام العمومي وشبكات التواصل الاجتماعي. ولم تستبعد دراسة خيار إلزامية التصويت، على غرار بعض التجارب المقارنة، كحل لإعادة الاعتبار للمشاركة. ومن بين الإجراءات المقترحة كذلك، إعفاء الشباب من رسوم بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر لأول مرة لتسهيل تسجيلهم وتشجيعهم على المشاركة.
نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي
في ما يخص نمط الاقتراع، جدد الحزب دفاعه عن نظام اللائحة الوطنية بالتمثيل النسبي، باعتباره الأقدر على التعبير عن الخريطة السياسية الحقيقية وترجمة التعددية، واقترح اعتماد دائرة وطنية تضم جميع مقاعد مجلس النواب، أو نصفها على الأقل، إلى جانب دوائر محلية تشكل النصف الآخر، في إطار نظام مختلط يضمن التوازن. وأكدت المذكرة أن هذا النظام كفيل بإفراز كفاءات سياسية ورفع نجاعة البرلمان، وهو معمول به في عدد من الدول الديمقراطية.
كما أوصت بمراجعة التقطيع الانتخابي بناءً على إحصاء 2024، بما يحقق التجانس والإنصاف بين عدد السكان وعدد المقاعد، وإعادة هيكلة الدوائر عبر تجميع الدوائر الصغيرة في دوائر كبرى لا يقل عدد مقاعدها عن أربعة، للحد من هيمنة حزب واحد وتعزيز التعددية. واقترحت أيضاً تجميع الدوائر المتعددة في العمالات الكبرى مثل الرباط وسلا وفاس ومراكش وتارودانت والخميسات وتاونات وأزيلال، واعتماد المنهجية التشاركية في إعداد التقطيع عبر لجان وطنية وإقليمية بمشاركة الأحزاب.
ولعقلنة المشهد الحزبي، أوصت المذكرة بتشجيع التحالفات القبلية، عبر إتاحة تقديم لوائح مشتركة بين الأحزاب، واحتساب نتائجها بشكل موحد بما يترتب عنه من آثار سياسية وقانونية، إضافة إلى توسيع حالات التنافي بين عضوية البرلمان ورئاسة الجماعات الترابية أو الغرف المهنية.
تعزيز حضور النساء والشباب ومغاربة العالم
أولت المذكرة أهمية خاصة لتمثيلية الفئات، حيث اقترحت تخصيص ثلث مقاعد مجلس النواب للنساء عبر الدوائر الجهوية، مع اعتماد نظام "التناوب" أو ما يُعرف بـ"Zipper System" في اللوائح لضمان المناصفة الفعلية، وعدم relegation النساء إلى ذيل القوائم كما دعت إلى إعادة إحياء لائحة الشباب، وإحداث صندوق لدعم مشاركتهم السياسية، وإعفائهم من مبلغ الضمانة المحدد في 5000 درهم.
واقترحت المذكرة إلزام الأحزاب بترشيح نساء وشباب على رأس لوائحها في كل جهة، وربط التمويل العمومي بالالتزام بهذا الشرط، إلى جانب تخصيص دعم إضافي مباشر للمرشحات لتجاوز العقبات المالية، كما أوصت بإنشاء دائرة وطنية خاصة بالأطر والكفاءات، يتم انتخاب أعضائها بنظام المناصفة، وتغطية ثلثي الجهات على الأقل، بما يرفع من مستوى الأداء العام للمؤسسة التشريعية.
ولم تغفل الوثيقة مغاربة العالم، إذ طالبت بإحداث دوائر خاصة بهم، واعتماد التصويت الإلكتروني المسبق، وتمكينهم من التسجيل والتصويت عبر القنصليات، مع اعتمادها مقرات رسمية للترشيح والفرز، بما يضمن لهم تمثيلية حقيقية.
تحيين اللوائح الانتخابية
أكدت المذكرة أن مصداقية الانتخابات تبدأ من اللوائح، واقترحت التنقية الشاملة لها بالتشطيب التلقائي على المتوفين والمكررين، واعتماد التسجيل التلقائي بناءً على قاعدة بيانات البطاقة الوطنية، مع تمكين المواطنين من التسجيل أو تغيير قيدهم على مدار السنة عبر منصة رقمية. كما دعت إلى اعتماد بطاقة التعريف الوطنية وحدها للتصويت، وإلغاء بطاقة الناخب، وتمكين الأحزاب من نسخ إلكترونية للوائح مبوبة حسب المكاتب، واعتماد الرقم الهاتفي 2727 كآلية للتأكد الفوري من التسجيل.
الإشراف والرقابة والرقمنة
إلى جانب إشراف وزارة الداخلية، أوصت المذكرة بإحداث هيئة وطنية لمتابعة الانتخابات، بتمثيليات إقليمية، تضم الأحزاب السياسية والسلطات الإدارية وهيئات الحكامة، تحت إشراف ممثل عن السلطة القضائية. كما شددت على تطوير آليات الرقمنة، من تسجيل الناخبين إلى إعلان النتائج مكتباً بمكتب، واستخدام شاشات إلكترونية داخل مكاتب التصويت، واعتماد البصمة والتوقيع في لوائح الحضور، مع الاحتفاظ بالأوراق إلى نهاية آجال الطعون.
ودعت إلى تشديد العقوبات على الاستخدام غير المشروع للذكاء الاصطناعي في الحملات، خاصة لتزييف الحقائق أو التشهير بالمنافسين. كما طالبت بإعلان الأجندة الانتخابية وإصدار النصوص القانونية قبل متم 2025، وتقليص عدد مكاتب التصويت وتسهيل ولوج ذوي الإعاقة إليها.
التمويل العمومي
في محور التمويل، أوصت المذكرة بمراجعة منظومة الدعم العمومي للأحزاب، عبر مضاعفة الغلاف المالي المخصص، وتمويل الأحزاب على أساس تغطيتها للدوائر ونسبة الأصوات التي تحصل عليها. واقترحت تمويلاً جزافياً للأحزاب التي تغطي 30% من الدوائر وتحصل على 1% من الأصوات على الأقل، مع تمويل إضافي لمن يحصد ما بين 1 و3%، وحصة ثالثة متناسبة مع عدد المقاعد والأصوات للأحزاب التي تتجاوز 3% مشددة على ضرورة مراجعة سقف مصاريف الحملات الانتخابية، وتوفير آليات شفافة لمراقبتها، وتوسيع تعريف النفقة الانتخابية ليشمل النفقات الرقمية والإعلامية.
وخلصت المذكرة إلى أن الانتخابات المقبلة ليست مجرد تدبير إداري أو موعد دوري، بل هي قضية مجتمعية مصيرية تحدد مستقبل الديمقراطية المغربية وأكدت أن البلاد بحاجة إلى القطع النهائي مع الممارسات الفاسدة التي أفسدت انتخابات 2021، وإلى خلق مناخ إيجابي قائم على التنافس الشريف، والانخراط الجماعي في جيل جديد من الإصلاحات السياسية.واعتبرت أن النجاح في هذا الورش رهين بروح التوافق الوطني، وإعمال القانون بحزم، وتحمل الدولة والأحزاب والمجتمع لمسؤولياتهم، حتى تكون محطة 2026 لحظة مفصلية في بناء دولة ديمقراطية حديثة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وفي مقدمتها تعزيز الوحدة الترابية وتثبيت مغربية الصحراء.




