مصادر حكومية سورية لـ "الصحيفة": قنوات التواصل مع المملكة المغربية شبه منعدمة.. ومُقرب من بشار الأسد: القرار في يد الرباط

 مصادر حكومية سورية لـ "الصحيفة": قنوات التواصل مع المملكة المغربية شبه منعدمة.. ومُقرب من بشار الأسد: القرار في يد الرباط
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 13 أبريل 2023 - 22:15

يبدو أن التقدّم الملموس الذي حقّقه النظام السوري وتحديدًا الرئيس بشار الأسد على مستوى تطبيع علاقاته العربية، لم ينعكس إيجابا حتى الآن على العلاقات المغربية السورية المنقطعة منذ 2012، وذلك على الرغم من التقارب السوري المغاربي في الآونة الأخيرة من خلال تبادل الاتصالات والسفراء مع الجزائر وتونس.

وأكّدت مصادر حكومية سورية لـ "الصحيفة"، أن قنوات التواصل مع المملكة المغربية لا تزال شبه منعدمة في غياب أي تمثيل دبلوماسي للمغرب بدمشق، أو اتصالات تربط حكومتي البلدين، وذلك خلافا للأجواء الايجابية التي طبعت العلاقات السورية مع باقي دول المغرب العربي ولعلّ آخرها، إعادة فتح السفارة السورية بتونس والإعلان تعيين سفير على رأسها أمس الأربعاء، وذلك "تجاوبا مع مبادرة الرئيس التونسي قيس سعيد والتي وافقت عليها الحكومة السورية" وفق ما ورد ضمن بيان للبلدين من منطلق حرصهما "على إعادة العلاقات السورية التونسية إلى مسارها الطبيعي".

وبحسب ما أكدته المصادر الحكومية لـ "الصحيفة" في سوريا، فإن "التنسيق مع الجزائر بالدرجة الأولى إلى جانب كل من تونس وليبيا ظل قائما وتكثّف في الآونة الأخيرة، بغضّ النظر عن عضوية سوريا في الجامعة العربية، في حين أن العلاقات مع المغرب عموما يشوبها نوع من البرود الدبلوماسي".

المغرب.. الاستثناء المغاربي

هذا "البرود الدبلوماسي" المغربي السوري على حد تعبير المصادر، يُقابله في الضفة الثانية تحركات رسمية وغير رسمية بادر إليها جيران المملكة، على غرار موريتانيا التي لم تتأثر علاقاتها الدبلوماسية بالنظام السوري خلال سنوات الأزمة، أي منذ الربيع العربي وبقيت السفارة الموريتانية في سوريا وبقيت موريتانيا على موقفها "رغم الضغوط التي مورست عليها من قبل العديد من الدول العربية والغربية" بحسب ما أكده السفير الموريتاني بدمشق علي ولد أحمد علي في وقت.

وهذا التواصل والإصرار على تمتين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين موريتانيا وسوريا إلى جانب تبادل الزيارات والاتصالات ظل سُنة ثابتة لدى النظام الموريتاني وامتد من الرئيس الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز إلى عهد الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز قائد العهد الجديد لبلاد شنقيط.

من جانبها، عمدت الجزائر في الآونة الأخيرة إلى التقرّب من النظام السوري، وبرز هذا جليا في دعوة الدول العربية إلى إعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، قابلها تصريحات أطلقها بشار الأسد يشيد بدور الجزائر وعلاقاته الثابتة معها، كما عمد البلدان إلى تشكيل مجلس الأعمال السوري-الجزائري بهدف تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكل مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، ناهيك عن الاتصالات المتواترة التي قادتها دبلوماسية البلدان وقائديها.

أما بخصوص العلاقات الليبية السورية، فهي متذبذبة إلى حد ما، إذ ومنذ إسقاط الثورة الليبية لنظام معمر القذافي، عمل المجلس الانتقالي للثورة الليبية على دعم الثورة السورية بشتى السبل، حيث كانت ليبيا من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس الوطني السوري كممثل شرعي لسوريا، بالإضافة إلى الدعم المالي واللوجستي والدعم بالأسلحة لفصائل الجيش الحر، إلى أن حصلت الانقسامات في ليبيا ليصبح أحد الأطراف الليبية (خليفة حفتر) داعمًا لنظام الأسد ومطبعًا معه فيما تبدو العلاقات حاليا أقرب إلى الدفء من البرود الذي شهدته العلاقات خلا العقد الأخير.

المغرب: لم نقطع علاقتنا بسوريا

وبناء على ما سبق، يسعنا القول إن المغرب هو الدولة المغاربية الوحيدة التي أبقت على موقفها ثابتا من نظام بشار الأسد، الأمر الذي يُفسر حالة البرود التي تطبع العلاقات الثنائية بين البلدين واستمرار إغلاق سفارة المغرب في دمشق، وسفارة سورية في المغرب منذ واقعة 2012.

واللافت في الموقف المغربي من النظام السوري، أنه لا يقرُّ بقطع العلاقات بين البلدين، ففي آخر خرجة إعلامية لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة، خلال استضافته في برنامج "بلا حدود" الذي بثته قناة الجزيرة في 2019، قال إن "المغرب لم يقطع العلاقات مع سوريا ولم يغلق السفارة في 2012"، مضيفا أن ما حدث هو أن الطاقم الدبلوماسي السوري ترك الرباط، والطاقم الدبلوماسي المغربي ترك دمشق وهو الآن في بيروت.

واعتبر بوريطة وقتها، أن المغرب ليس في حكم إعادة العلاقات مع سوريا ليعيدها، أو في منطق إعادة فتح السفارة في دمشق، لافتا إلى أن هناك تغييرات على أرض الواقع يجب أخذها بعين الاعتبار، والحاجة إلى دور عربي يجب أخذه بعين الاعتبار كذلك، مشددا على ضرورة وجود تنسيق عربي قبل اتخاذ أي قرار وربط ذلك بكيف سيساعد على حلحلة المسار السياسي بسوريا، على حد قوله.

وفي غياب أي موقف مغربي رسمي مستجد بشأن طبيعة العلاقات المغربية السورية في الفترة الحالية، سيّما في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، والمصالحة التاريخية بين السعودية وإيران، وكذا التطورات الحاصلة في ملف الصحراء، يرى مراقبون سوريون وخبراء في العلاقات الدولية ممّن تواصلت معهم "الصحيفة"، أن العلاقات المغربية السورية في "أسوأ حالاتها" ويُعول على القمة العربية المقبلة التي تحتضنها السعودية ماي المقبل للحسم في مستقبلها خاصة مع تواتر أخبار عن حضور الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا.

مقرّب من نظام الأسد: المبادرة يجب أن تأتي من المغرب

وفي هذا الصدد، قال شريف شحادة العضو السابق بمجلس الشعب (البرلمان السوري) والمعروف في الأوساط الإعلامية بقربه من النظام السوري، إن العلاقات المغربية السورية ليست جيدة، بل ومنقطعة تماما منذ 2011 وحتى هذه اللحظة، فيما العتب والمسؤولية يتحمّلها "المغرب الذي لم يبادر أو يخطو أي خطوة تؤكد رغبته في العودة إلى المصالحة" على حد تعبير شحادة ملمّحا لمبادرة كل من الجزائر وتونس في هذا الإطار.

وشدّد المتحدّث في تصريح خص به "الصحيفة"، على أن البرود التام للعلاقات الدبلوماسية المغربية السورية، تقابله علاقات وثيقة بين سوريا وكل من الجزائر وتونس منذ فترة مهمة، وتم التعبير عنها من خلال افتتاح سفارات واتصالات رسمية وغير رسمية بين حكومات وقيادات البلدان المغاربية.

وردا على سؤال استثناء نظام بشار الأسد المغرب من الاتصالات التي شملت الدول المغاربية، قال إن بلده لم يُغيّب أو يستثني المملكة من أجندة الاتصالات "فسوريا لطالما كانت سبّاقة لفتح أبوابها من أجل إنشاء علاقات جديدة مع الدول العربية الشقيقة، لكن المغرب حذا حذو بعض دول الخليج وأخذ موقفا من الحكومة السورية دون أن يطّلع على حقيقة الأمور وما يحدث في البلد" على حد تعبير شحادة.

وأكد شحادة في حديثه لـ "الصحيفة"، أن القيادة السورية نيّتها ثابتة ولا ترغب في قطع علاقاتها مع أية دول عربية شقيقة، "وبالتالي لا يسعنا القول إنه من غير الممكن أن تعود الأمور إلى سابق عهدها، لكن نؤكد مرة أخرى أن الكرة بيد المغرب إذا هو أراد ذلك وبادر إلى الأمر". يقول المحلل السياسي مؤكدا أن "هذه النتيجة سيصل إليها السوريين إذا ما تحقق شرط الإجماع العربي على عودة سورية إلى رحاب الجامعة العربية".

وبخصوص المصالحة بين السعودية وإيران والدور الذي من الممكن أن تلعبه لإعادة الدفء للعلاقات السورية المغربية، شدّد المتحدث على أنه سينعكس إيجابا على المشهد العربي كله والمغرب خاصة، وذلك نظير الثقل الذي يحوزه كل من السعودية وإيران في المنطقة، كما "سيسرّع نوعا ما من التقارب الايجابي المغربي السوري كما أن امتداد هذه المصالحة سيشمل ملفات أخرى من بينها توقّف حرب اليمن، والمنازعات في لبنان حول انتخاب رئيس الجمهورية، وستساعد هذه المصالحة أيضا في ضخ الروح بسوريا وإعادة الحياة إليها خاصة في المناحي الاقتصادية".

سوريا سترفض الاستهداف الايراني للمغرب.. والشعب السوري ينتظر عودة العلاقات

وخلافا لشريف شحادة، شدّد الباحث السوري في الشؤون السياسية أسامة دنورة، على أن منطق الأمور يقتضي أن تتقوى العلاقات العربية وتنقى أجوائها وأن تستعاد الديناميكية العربية للعلاقات العربية البينية بمعزل عن التدخلات الدولية والاقليمية" مؤكدا أن "العلاقة بين المغرب وسوريا هي أكبر من أن تربط بأي محاور خارجية أو ضغوط دولية".

ولفت دنورة في تصريح خصّ به "الصحيفة"، إلى أن العلاقة ما بين بلدين شقيقين كبيرين ومهمين على المستوى العربي كالمغرب وسوريا "هي من العلاقات التأسيسية على مستوى العمل العربي المشترك، وتاريخهما معا هام جدا ولعب دورا هاما في المنظومة العربية، فالسوريون يذكرون دائما كيف ساهم المغرب والتجريدة المغربية في الدفاع عن سوريا خلال الحرب التحريرية، وهذا الأمر مسجل ومحفور في الذاكرة السورية بحروف من نور، ولازال الدم المغربي الذي اختلط مع الدم السوري في الدفاع عن الأرض العربية في ذاكرة السوريين ومناهجهم الدراسية ووجدانهم جيل على جيل.."

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، أن التسويات الاقليمية والتغييرات الجيوسياسية الأخيرة من الممكن أن تخلق أجواء وحلا للعديد من نقط وبؤر التوتر، على غرار الهدنة في اليمن التي قد تتحول لاتفاق سلام دائم، والعلاقة ما بين سوريا وكل من مصر والسعودية تستعد زخمها السابق وحيويتها، "وبالتالي لا يمكن للعمل العربي المشترك من أن يكون بمعزل عن العلاقة مع قطب هام على غرار المملكة المغربية التي لها ثقل مهم على المستوى الجيوسياسي والقرار العربي والاقتصادي والعسكري المشترك ولا يمكن تجاهل العلاقات مع المغرب".

وحول تأثير العلاقات السورية الإيرانية على أيّ مسار للمصالحة المغربية السورية، أكد المتحدث أن حدود العلاقة بين دمشق وطهران تكمن في وقوف هذه الأخيرة إلى جانب الطرف السوري "بهدف الدفاع عن الأرض العربية السورية في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولم يكن يوما مسموحا بأن توجه هذه العلاقات ضد أي أطراف عربية مهما كان، وهذه العلاقات كانت بغرض تقوية مناعة جبهة المواجهة ضد العدو الاسرائيلي الذي وعلى مدى سنوات الحرب المديدة في سوريا منذ 2013، قام باعتداءات مستمرة دون مبرر ودون أن يكون أي رد من الطرف السوري الذي يحافظ على التزامه بالاتفاقيات الموقعة في ما يتعلق بفض الاشتباك والهدنة، وهذا يعني أن سوريا في حاجة لتقوية جبهتها في مواجهة هذا العدو ومن المؤكد نواياه السيئة ستشمل كل الدول العربية على حد سواء".

ويجزم المتحدث بأن القمة العربية، مناسبة لاستعادة زخم العلاقات أو العلاقات الدبلوماسية كما أنه وبالمقابل أيضا الطريق معبدة أمام أن تكون مبادرة لاستعادة العلاقات ما بين القُطرين الشقيقين المغرب وسوريا، ذلك أن "الشعب السوري يرحب باستئناف العلاقات بين البلدين وينظر بارتياح كبير لاحتمال استعادتها، ولا يمكن للشعب السوري أن يكون راضيا عن وضع تكون فيه العلاقات مع المغرب وسوريا منقطعة خاصة وأن المملكة المغربية تبادل الشعب السوري نفس العلاقة، وانتظار اجتماع القمّة قد يكون مناسبة للعودة المتدرجة لهذه العلاقات وفتح مجال لها"، مضيفا: "وبالمقابل ما دامت العلاقات تعود مع الدول المغاربية، تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا التي قدمت المساعدات للشعب السوري، لا يمكن أن يبقى المغرب في معزل عن محيطه، ويجب السير فيه في أول فرصة ممكن لاستعادة العلاقات لكي لا يكون عمل عربي مشترك دون مشاركة جميع الدول".

وبحسب المتحدث نفسه، فإن "وجود الحالة التواصلية الفعالة ما بين مصر سوريا العراق قطر قريبا السعودية يجب أن يقترن أيضا باستعادة العلاقات مع المغرب، لكي يكون ضمن هذه الديناميكية التي تلعب دور الرافعة بالعمل العربي المشترك ودور المغرب في هذا الإطار محوري وتأسيسي ودور حجر زاوية في هذا البناء الذي لا يمكن أن يكون إلا بحضور جميع الدول المحورية لنحقق الغرض منه والقوة والزخم المطلوب من هذا التواصل العربي المشترك".

ودعا المحلل السياسي، ضمن تصريحه الجانبين إلى "العمل على استعادة العلاقات لأن وضع القطيعة بين الدولتين شاذ وغير مقبول ومرفوض، بل وجب تحقيق التواصل والتضامن وإن استدعى الأمر تحقيق الحد الأدني من التنسيق المشترك الذي فيه مصلحة مشتركة اقتصادية وسياسية وجيو سياسية..".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...