"مليون منصب شغل".. شعار طموح وواقع مُخيّب.. أرقام يونس السكوري وبحسو تكشف تعثر الحكومة في "معركة التشغيل"

 "مليون منصب شغل".. شعار طموح وواقع مُخيّب.. أرقام يونس السكوري وبحسو تكشف تعثر الحكومة في "معركة التشغيل"
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأربعاء 14 ماي 2025 - 21:45

في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة المغربية بقيادة عزيز خنوش، عند بداية ولايتها شعار "خلق مليون منصب شغل" خلال خمس سنوات، كركيزة مركزية في تعهداتها الاجتماعية والتنموية، جاءت المعطيات التي قدمها وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري وبحسو، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، لتكشف بوضوح عن الهوة العميقة بين الخطاب السياسي والواقع الاقتصادي الميداني، بل وتؤشر إلى فشل حكومي واضح في تحقيق الهدف المرحلي لهذا التعهد.

ففي عرضه حول وضعية الشغل بالمغرب، كشف الوزير أن 350 ألف منصب شغل فقط تم خلقه خلال الفصل الأول من سنة 2025، وهو رقم رغم أنه يتجاوز بكثير ما تم تحقيقه سنة 2024، إلا أنه يبقى بعيدا عن تحقيق المتوسط السنوي المطلوب لبلوغ عتبة المليون منصب شغل بحلول نهاية الولاية الحكومية في 2026.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار، أن 75 ألف منصب شغل قد فُقد خلال نفس الفترة، فإن الرقم الصافي لا يتجاوز 280 ألف منصب شغل فعلي، ويتوزع هذا الرقم حسب الوزير، على 216 ألف في قطاع الخدمات، و80 ألف في الصناعة والصناعة التقليدية، و50 ألف في البناء والأشغال العمومية، بينما يغيب القطاع الفلاحي عن هذه الحصيلة، رغم كونه مشغّلاً رئيسيًا في الاقتصاد الوطني.

الوزير نفسه، لم يتردد في الاعتراف ضمنيا بأن هذه الأرقام "غير كافية"، في تعليقه: "رغم أننا غير راضين عن هذه الأرقام، لأنها غير كافية نظرا لوجود الشغل الناقص وعدد من التوازنات التي يجب أن تكون"، ما يعكس إدراكا رسميا بوجود فجوة مقلقة بين الطموحات المعلنة والنتائج المحققة.

ومن بين المؤشرات الصادمة التي كشف عنها الوزير السكوري، أن 910 آلاف من مجموع العاطلين البالغ عددهم مليون و600 ألف، لا يتوفرون على أي شهادة تعليمية أو تكوينية، ما يعمق من تعقيد معضلة البطالة ويبرز بشكل جلي فشل السياسات التعليمية والتكوينية في ضمان حد أدنى من التأهيل للاندماج المهني.

ولعل ما يضاعف من خطورة هذا المؤشر، هو ما كشفه الوزير بشأن ظاهرة الهدر المدرسي، حيث أشار إلى أن نحو 300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا دون أن يتوجهوا إلى أي مسار بديل، في وقت لا يُسمح فيه بالالتحاق بمسارات التكوين المهني إلا بعد بلوغ سن الخامسة عشرة، ما يترك فئات واسعة من الشباب خارج أي مسار إنتاجي أو تأهيلي لسنوات.

ورغم إشادة السكوري بمنظومة التكوين المهني، واعتباره أنها "متفوقة في كل ما هو تقني وتقني متخصص"، مشيرا إلى شعب يتنافس فيها 7000 إلى 8000 طالب على مقعد واحد، لا سيما في المهن الصحية، إلا أن العرض التكويني لفائدة المنقطعين عن الدراسة، من مستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي، لا يتجاوز 80 ألف مقعد فقط، وهو ما يعكس هشاشة هذا العرض مقارنة بالحاجة الوطنية المقدرة بأزيد من 900 ألف شخص.

وفي محاولة لسد هذا العجز، تحدث السكوري عن برنامج جديد للتدرج المهني يوفر 100 ألف مقعد في عدد من القطاعات، وهي خطوة تبدو متأخرة بالنظر إلى حجم الإشكال البنيوي الذي كشفته الأرقام، وحجم الضغط الذي تواجهه الوزارة لاحتواء انفجار البطالة في صفوف غير المؤهلين.

وفي جانب آخر من تدخله، تحدث السكوري عن تخصيص وزارته لـ"ميزانية مهمة" من أجل الوساطة في التشغيل، مؤكدًا أن هذه الجهود كانت في السابق تقتصر على حملة الشهادات، بينما تسعى الوزارة اليوم إلى توسيع الاستفادة نحو الفئات غير المتوفرة على شهادات، خاصة في القطاعات الكبرى كصناعة السيارات.

لكن رغم أهمية هذا التوجه، لم يقدم الوزير أرقاما دقيقة حول أثر هذه الوساطة على تقليص نسب البطالة في صفوف هذه الفئات الهشة، مما يترك علامات استفهام حول نجاعة التدخلات الحكومية المباشرة في الربط بين العرض والطلب داخل سوق الشغل.

المعطيات التي قدمها وزير الشغل، وإن حملت نوعا من التقدم النسبي مقارنة بالأرقام السلبية المسجلة العام الماضي، إلا أنها تُظهر بوضوح فشل الحكومة في الوفاء بوعدها الطموح بإحداث مليون منصب شغل خلال ولايتها، فبين العجز البنيوي في استيعاب المنقطعين عن الدراسة، والخصاص المهول في مقاعد التكوين المهني، وتضخم نسب البطالة في صفوف غير المؤهلين، وتواضع نتائج الوساطة، تبدو الحكومة أمام امتحان اجتماعي واقتصادي حقيقي، يتطلب تحولا جذريا في منهجية الاشتغال، وربما مراجعة واقعية لشعاراتها الانتخابية.

وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي أنس بنموسى، أن فشل الحكومة في بلوغ هدف إحداث مليون منصب شغل لا يُقاس فقط بعدد المناصب التي لم تُخلق، بل يُقاس أساسا بغياب مقاربة مندمجة تربط بين التعليم والتكوين وسوق الشغل.

وتعليقا على الأرقام التي قدمها الوزير السكوري، قال الخبير في تصريح لـ "الصحيفة"، إنها تعكس انفصالا مؤسفا بين السياسات القطاعية، حيث نعاني من تعليم يُنتج الهشاشة بدل الكفاءات، وتكوين مهني غير قادر على استيعاب المنقطعين، ونسيج اقتصادي محدود في قدرته على الإدماج، خصوصا في ظل التقلص المقلق لدور الفلاحة كمشغل تقليدي.

وشدّد المتحدث، على أن خلق مناصب الشغل لا يتم عبر الشعارات أو البرامج الظرفية، بل عبر تحول بنيوي في الاقتصاد، يقتضي أولا الاستثمار في الرأسمال البشري، وثانيا تحفيز المقاولة الصغرى والمتوسطة باعتبارها الفاعل الرئيسي في خلق فرص العمل، وثالثا إعادة هيكلة منظومة الوساطة عبر تكنولوجيا دقيقة وربط فعلي بين العرض والطلب.

وأردف الخبير بالقول: "اليوم، نحن لا نحتاج فقط إلى مناصب شغل، بل إلى شغل منتج ومستدام، قادر على سحب الشباب من دائرة التهميش، وتمكينهم من المشاركة الفعلية في الدورة الاقتصادية، ما دون ذلك، سيظل شعار المليون منصب شغل مجرد رقم جميل فوق الورق."

إذا كان الملك لا يثق في السياسيين فماذا بقي للشعب؟

من المشكوك فيه أن يكون السياسيون عندنا في المغرب، قد فهموا رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الـ 18 لاعتلائه العرش، حينما تساءل قائلا: "إذا أصبح ملك ...