مِن مقتل أسامة همهام إلى احتجاز جثمان أخريف.. وقائع توثّق سلوكا عدائيا ممنهجا لخفر السواحل الجزائري ضد المغاربة

 مِن مقتل أسامة همهام إلى احتجاز جثمان أخريف.. وقائع توثّق سلوكا عدائيا ممنهجا لخفر السواحل الجزائري ضد المغاربة
الصحيفة - إسماعيل بويعقوبي 
الأربعاء 30 يوليوز 2025 - 21:14

في حادثة مأساوية، لقي الشاب أسامة همهام، اللاعب السابق لنادي الأمل الرياضي العروي، مصرعه بعدما أصيب برصاصة أطلقتها عناصر البحرية الجزائرية، خلال محاولة هجرة غير نظامية على متن قارب سريع بالقرب من شاطئ السعيدية.

 أسامة كان ضمن مجموعة من الشباب المغاربة الذين حاولوا العبور نحو أوروبا، قبل أن تعترضهم دورية جزائرية وتفتح النار عليهم دون سابق إنذار، بعدما جرفهم التيار الى المياه الجزائرية، حيث نعى الفريق الذي لعب فيه الضحية لاعبه السابق، معربا عن حزنه العميق لرحيله، وقدم تعازيه لعائلته ولكل مكونات النادي المحلي.

 وقد أعادت هذه الواقعة إلى الواجهة المخاوف الحقوقية المتصاعدة بشأن الطريقة التي تتعامل بها القوات الجزائرية، سواء البحرية أو البرية، مع المهاجرين والمدنيين العابرين للحدود، خاصة في ظل تكرار حوادث مشابهة خلال السنوات والأشهر الماضية، والتي راح ضحيتها عدد من الشبان المغاربة.

هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان واقعة أخرى أثارت ضجة إعلامية ودبلوماسية سنة 2023، حين لقي شابان مغربيان يحملان الجنسية الفرنسية مصرعهما وأصيب ثم اعتُقل ثالث، بعد أن فتحت القوات الجزائرية النار عليهم أثناء دخولهم على متن دراجة مائية (جيتسكي) عن طريق الخطأ للمياه الجزائرية، في جولة بحرية انطلقت من السعيدية.

ورغم أن الضحيتان وأحد الناجين حاولوا في البداية شرح موقفهم، وأكدوا أنهم فقدوا الطريق وكانوا ينوون العودة إلى السعيدية، إلا أن خفر السواحل الجزائري لم يتوان في إطلاق النار، فأردى بلال قيسي، الشاب المغربي المقيم بفرنسا قتيلا، كما قُتل صديقه عبد العلي مشوار، فيما تم توقيف إسماعيل سنابي ونقله إلى الجزائر.

وما يثير الاستغراب هو أن سلوك البحرية الجزائرية لا يفرق بين جنسيات الضحايا، إذ قبل أسابيع قليلة، كاد ثلاثة شبان جزائريين أن يلقوا نفس المصير بعدما حاولوا عبور الحدود البحرية من المغرب في اتجاه الجزائر، فأشهر جندي جزائري سلاحه في وجوههم ظنا أنهم مغاربة يرغبون في التسلل إلى الجزائر، قبل تدخل جندي مغربي أبلغ نظيره الجزائري بأن الشبان جزائريون ويرغبون في العودة لبلدهم، لتتراجع القوات الجزائرية وتقوم بتسليمهم لخفر السواحل.

هذه الواقعة، وإن لم تنته بمأساة، تُبرز بجلاء حالة التوتر والارتباك التي تحكم سلوك القوات الجزائرية في المنطقة الحدودية، وتكشف منطق التعامل العدواني مع أي تحرك مدني في البحر، بغض النظر عن هوية الأشخاص.

لم تكن رصاصات البحر وحدها شاهدة على صلابة الحدود الجزائرية، بل حتى الموت لم يشفع لصاحبه في العبور، فقد شهدت قضية الراحل عبد اللطيف أخريف، لاعب فريق اتحاد طنجة، فصلا آخر من فصول المماطلة الجزائرية، بعد حادث غرق قرب المضيق، قبل أن تنقل التيارات جثته إلى السواحل الجزائرية.

ورغم مناشدة والدة عبد اللطيف أخريف وتوسلاتها العلنية المؤثرة، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت تفاعلا واسعا على القنوات المغربية والدولية، ظلت السلطات الجزائرية صامتة لأسابيع طويلة، ولم تسلم الجثمان إلا بعد ضغط إعلامي وإنساني كبير.

الحادثة أثارت استياء واسعا، واعتبرها كثيرون سلوكا خارجا عن كل الأعراف الدبلوماسية والإنسانية، ويعكس استخفافا واضحا بقيم الجوار واحترام الأموات، بل ومساسا بكرامة أسرة بأكملها ظلّت تنتظر خبرا عن جثة ابنها الغارق.

في ظل هذه الوقائع المتكررة، يطرح التساؤل حول مدى شرعية استخدام القوة المفرطة في التعامل مع حالات التسلل أو الخطأ في اجتياز الحدود البحرية، فالقانون الدولي، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، يمنح الدول سيادة محدودة على شريط بحري لا يتجاوز 12 ميلا (أزيد من 19 كلمترا)، لكنه لا يسمح بإطلاق النار دون إنذار أو مبرر قاهر.

وبحسب قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الحق في الحياة هو حق غير قابل للتصرف، ولا يجوز المس به حتى في ظروف الطوارئ، ما يجعل أيّ عملية إطلاق نار قاتلة على مدنيين غير مسلحين، تُصنّف ضمن حالات الإعدام خارج القانون، بل أنه حتى في حال وجود تسلل، فإن أقصى ما تتيحه الاتفاقيات الدولية هو المطاردة والاقتياد نحو الميناء للتحقيق، لا القتل الفوري. 

وبذلك، فإن كل هذه الوقائع، وإن بدت أنها متفرقة في الزمن، فهي تلتقي في نقطة واحدة، كونها ممارسات عدائية غير مبررة، تستوجب مساءلة دولية لسلطات جزائرية تدّعي الدفاع عن السيادة، فيما تتجاوز حدود كل الأعراف والسياسات الإنسانية المعتمدة في العالم.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

إذا كان الملك لا يثق في السياسيين فماذا بقي للشعب؟

من المشكوك فيه أن يكون السياسيون عندنا في المغرب، قد فهموا رسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب الذكرى الـ 18 لاعتلائه العرش، حينما تساءل قائلا: "إذا أصبح ملك ...