هوس مظاهر أم هوس مثالية؟

 هوس مظاهر أم هوس مثالية؟
خديجة عامر
الأربعاء 28 دجنبر 2022 - 0:09

مما لا شك فيه قد تكون ذات مرة قمت بالتقاط صورة ما بهاتفك ولم ترضيك النتيجة، فقلت لما لا أجرب استعمال "الفلتر".. هذا حال معظم شباب اليوم دون تعميم. لكن ألم تتساءل يوما لما ألجأ لاستعمال "الفلتر"؟ لما فضلت صورتي المفبركة على صورتي الحقيقية؟ أهي موضة مظاهر؟ أم سعي نحو الكمال؟

للأسف إنها الإثنان معا.. من يقوى على مقاومة تيار المظاهر الخادعة و معظم تطبيقات هواتفنا الذكية تتوفر على سيل من الإعدادات المفبركة والمزورة للحقيقة.. كيف لنا أن نقنع أبناءنا بالثبات وهم غارقون في وهم منصات وسائل التواصل الإجتماعي، مصدقين لكل ما يروج له رواد تلك المنصات من صور بروفايلات معدلة، مطاعم فخمة، سيارات فارهة وفيديوهات توثق لحياة مثالية وكاملة خالية من كل عيب أو نقص.. كيف لأبنائنا و بناتنا مقاومة كل هذا الإغراء؟!

لا لوم عليهم اليوم إن قاوموا واقعهم وإن رفضوا خلقتهم وإن لعنوا عيشتهم المقرفة مقارنة مع ما تشبعت به أفكارهم وقناعاتهم من جرف سيل الإغراء و التظاهر.

التظاهر بما لا نملك خداع وكذب على الذات قبل الآخر، ما الجدوى من ذلك؟! هل من المفروض أن نكون نسخا متشابهة على هذه الأرض؟! أليس هذا بتزوير لصورتك وهيئتك الحقيقية؟! أتدرك أنك بهذا التصرف تحجب ما هو أكثر أهمية من المظهر؟!

هنا نكون قد تجاوزنا "الفلتر" الإفتراضي إلى "الفلتر" الواقعي، وهو الأشد خطورة و تهديدا لأجيالنا القادمة. معظم شبابنا اليوم رافضون لواقعهم، محرجون من حقيقتهم، يستحون من الإفصاح عن كينونتهم و التعبير عن آرائهم أمام الآخرين، فاقدون للثقة بأنفسهم، عاجزون عن تقدير ذواتهم.. وذلك راجع لصورة مثالية رسمت لهم منذ نعومة أظافرهم بدون حول ولا قوة منهم، سعيا في ترسيخ تلك الصورة، لا يحق لهذا الطفل أو الشاب أن يخطئ، و لا أن يفشل و لا أن يقرر و لا أن يعبر.. ما عليه سوى السماع والتنفيذ، إلى أن يصل مرحلة العجز وهو في ريعان شبابه.

هنا يلجأ لارتداء قناع التظاهر و محاولة إبهار الآخرين بكل زيف و تدليس.. هكذا يفقد المرء معنى و مغزى حياته، وهكذا تطال عدوى التظاهر حتى القناعات والأفكار، وبالتالي العيش بمبادئ وقيم هشة سرعان ما تُسحق أمام أول اختبار للحياة.

ماذا لو سقطت أحكام الآخرين للهاوية؟! ماذا لو تحرر المرء من هوس الكمال و المثالية؟! ماذا لو تبنينا قيم التقبل والصفح والحب؟! ماذا لو علمنا أننا كاملون رغم كل نقص؟! ماذا لو علمت أنك محبوب رغم كل الأخطاء؟! ماذا لو كنت الفاعل لا المفعول به؟! ماذا لو كنت أنت هو أنت حقيقة؟!

هنا أختم قولي بالمقولة الشهيرة للكاتب والمفكر الأمريكي ديل كارنيجي: "إنّك شيء فريد في هذا العالم إنّك نسيج وحدك، فلا الأرض مُذ خلقت رأت شخصا يشبهك تمام الشبه، ولا هي في العصور المقبلة سوف ترى شخصا يشبهك تماما."

- كوتش ومرافقة نفسية‎‎

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...