ورق المرحاض في زمن "كورونا".. هلع من الوباء أم خوف من ذكريات أوروبا "المتعفنة"؟

 ورق المرحاض في زمن "كورونا".. هلع من الوباء أم خوف من ذكريات أوروبا "المتعفنة"؟
الصحيفة - عمر الشرايبي
السبت 28 مارس 2020 - 12:00

من أسوء السيناريوهات التي قد تواجه الانسان، أن تعلق في المرحاض بسبب عدم وجود مناديل ورقية. هكذا بدى كابوس العديد من سكان العالم بسبب انتشار وباء "كوفيد-19" المستجد، بعد أن كثر الإقبال على ورق المرحاض، بين الهلع من ندرته وتوجس الإجراءات الوقائية للإصابة بالفيروس، التي تعتمد بالأساس على قواعد النظافة الأساسية، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.

أستراليا.. التكالب على الورق خوفا من كورونا 

في الأيام الأولى من بداية
انتشار الوباء، أعدت شبكة "
BBC" الأمريكية، تقريرا مفصلا
عن يوميات الأستراليين، حيث ضمتهم إلى قائمة الخائفين من فيروس كورونا، وهو الذي
دفعهم إلى التكالب على شراء مناديل المرحاض بكميات كبيرة.

ويأتي هذا الاتجاه إلى الشراء المكثف لهذه السلعة رغم تأكيد السلطات الأسترالية على أن البلاد لا تعاني من عجز في هذه المنتجات، في ضوء أنها تُصنع محليا، ومع ذلك، أُفرغت الأرفف التي كانت تحمل المناديل الورقية في دقائق معدودة في سيدني، أكبر مدن أستراليا، مما دفع إحدى سلاسل المتاجر الكبرى إلى وضع حد أقصى لشراء المناديل الورقية، لا يتجاوز أربع عبوات منها، يضيف التقرير.

وسوم تتناول ظاهرة الشراء المكثف
للمناديل الورقية في أستراليا، تصدرت قائمة الوسوم الأكثر انتشارا على مواقع التواصل
الاجتماعي، قبل عشرين يوما.

أستراليا، لم تكن الاستثناء،
حيث اشتهرت المرحلة بظهور "حرب ورق الطواليط" في الولايات المتحدة
الأمريكية، كما عبر مختلف أنحاء العالم، بينها أوروبا، البؤرة العالمية الحالية
للوباء، مما اضظر الحكومات إلى تهدئة الوضع ودعوة المواطنين إلى ضبط النفس.

نفاذ ورق المرحاض في زمن
"كورونا"..

في خضم اجتياح وباء
"كورونا" للعالم، وبالنظر للتهافث الكبير من قبل مواطني الولايات
المتحدة الأمريكية على اقتناء ورق المرحاض، ظهرت عدة تفسيرات للوضع من قبل خبراء
ومختصين عالميين في مجال علم النفس، من أجل إماطة اللثام على الظاهرة المجتمعية.

تقول كيت نايتنجيل، مختصة في علم النفس إن "البعض اتجه لشراء ورق المرحاض لأنه شيء أساسي وهو ما يحدث في أوقات الخطر، إذ يزيد تركيزنا على الطبقات السفلى من تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات الأساسية فيصبح الطعام والنظافة الأكثر أهمية".

من جانبه، يقول ستيفن طايلور، عالم نفس ومؤلف كتاب "علم نفس الأوبئة"، إن "إعلان منظمات الصحة أن غسل اليدين وعدم لمس الوجه هما طريقك للحماية من فيروس كورونا، يعتبرا أمرا بسيط ولا يتناسب مع التهديد، وقد يبدو غير منطقي للبعض، فالخطر الخاص يحتاج إلى احتياطات خاصة"، على حد تعبيره.

وأضاف تايلور أن "الذعر يولد
الذعر، عندما يشاهد البعض ذعر من حولهم ونفاد الأسواق من جميع البضائع سيؤثر هذا عليهم
ولو كانوا هادئين، فالتعرض المستمر للأخبار والصور على مواقع التواصل يدفعهم إلى اتخاذ
خطوات جادة لتأمين أنفسهم أيضا كما يفعل البقية، وربما في حقيقة الأمر لا يحتاجون تلك
المنتجات بشدة، مشيرا أيضا إلى الدور الكبير لمواقع التواصل في نشر الرعب من "كورونا"
وخاصة من خلال نشر المعلومات الخاطئة.

أما فرانك فارلي، الأستاذ بجامعة
تمبل والرئيس السابق للجمعية الأميركية لعلم النفس، فسر الظاهرة قائلا "من الطبيعي
أن يشعر الناس أن عليهم الاحتياط خاصة بعد إعلان مراكز المكافحة والوقاية من الأمراض
الأميركية ومنظمات الصحة العالمية أنه ينصح في بعض المناطق بالمكوث في البيت وتجنب
التجمعات. لذلك يخزن الناس الأساسيات ومن ضمنها ورق المرحاض فلا يوجد بديل عنه".

ثقافة المسح في أوروبا..

في تقريرها المنجز حول "ورق المرحاض.. نموذج أزمة فيروس كورونا"، تتحدث "دوتشي فيله DW" الألمانية عن ثقافة المسح في أوروبا منذ العصور الوسطى، حيث كان يستخدم الناس خرقًا قديمة أو قصاصات من القماش أو كرات من الصوف لمسح ظهرهم، كما أنه في بعض الأحيان، لجأوا إلى الطحلب والأوراق والتبن وحتى القش، حسب التقرير نفسه.

 سابين شاختنر، مديرة مصنع ورق، يقول في كتابه عن
"ورق التواليت" وتاريخ "ثقافة المسح" أنه اكتشف في حفريات المراحيض
التي تعود للقرون الوسطى في مدينة تارتو التابعة للدائرة الهانزية القديمة (في ما يُعرف
اليوم بإستونيا) قطعًا من القماش تستخدم في ورقالمرحاض. أشارت الصفات المختلفة إلى
الوضع الاجتماعي للأسرة.

 نوعية الاستخدام كانت لتميز الطبقات الاجتماعية،
فالأقمشة الصوفية الناعمة الممزقة في شرائط من الملابس اليومية وقطع الحريرالمرفقة
بالنسبة للأسر الغنية، فيما استخدمت الأسر الفقيرة الأقمشة الخشنة والبسيطة.

شكل انتشار الصحف وظهور إنتاج
الورق الصناعي نقلة للورق باعتباره منتجا صحيا، ففي للوقت الذي أصبحت فيه خزانات المياه
أكثر شعبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في البداية في إنجلترا، تطلب
ظهور ورق خاص لا يسد أنابيب الصرف الصحي.

ساندور ماراي.. اعترافات بورجوازي

يقول الكاتب الهنغاري ساندور ماراي في كتابه "اعترافات بورجوازي"، إن الحمامات وأماكن الاغتسال في قصور وإقامات الأغنياء كانت مجرد ديكور، وأن الكثير من هؤلاء الأغنياء كانوا يتذكرون الماء خلال الأعياد فقط، وأحيانا يغتسلون مرة واحدة كل عام. أكيد أن رائحة أوروبا كانت لا تطاق.

اعترافات هذا البورجوازي لم تقتصر
فقط على ما عاشه وسط عائلته الغنية ومع عائلات بورجوازية أخرى، بل أيضا امتدت لتشمل
تاريخا طويلا من العفن الأوروبي، والذي كان يبدأ بالتبرز في الشارع أمام الملأ، وينتهي
بإلقاء الجثث المتحللة من النوافذ في انتظار أن تمر عربات نقل الجثث وتدفنها في مقابر
جماعية ضواحي المدن. 

يقول ماراي: "كان البورجوازيون الأوروبيون في نهاية القرن التاسع عشر يغتسلون فقط حين يمرضون، أو حين يكونون على وشك الزواج"، ورغم أن هذا الأمر يصعب تصديقه اليوم، إلا أنه كان حقيقة مرة خلال تلك الفترة، أي في القرن التاسع عشر وما قبله.

ويضيف ماراي في "اعترافات بورجوازي" أن الفكرة الشائعة في القرن الثامن عشر كانت هي أن الإنسان يستحم مرة واحدة في حياته. أما الأحصنة التي يركبها الناس فكانت ترش بمساحيق ولا تغسل بالماء والصابون، وأن المارة في شوارع المدن الأوروبية كانوا يضطرون للقفز فوق الفضلات البشرية حتى لا يدوسوها بأقدامهم".

ويستغرب ماراي كيف أن الكثيرين،
مع بداية القرن العشرين، وعندما بدأت العادات الأوروبية في النظافة تتغير نحو علاقات
أكثر ودا مع الماء، لم يكونوا يصدقون أن الأوروبي كان وسخا إلى درجة مقززة، باستثناء
حقب معينة من التاريخ الروماني، وباستثناء طبعا العادات الشرقية في الاستحمام، حيث
انتشرت الحمامات والعطور بشكل كبير في الشرق والبلدان الإسلامية، بينما ظل الإنسان
الأوروبي يعاني من خوف مرضي من الماء.

ويشير ماراي إلى أنه في الفترة
التي كانت نساء أوروبا يتزينّ ويتحلين بأبهى الملابس، فإن الشوارع كانت عبارة عن مزابل
حقيقية، حيث كان السكان يضعون فضلاتهم في أكياس، ثم يرمون الأكياس عبر أقرب نافذة،
والويل لمن كان له الحظ السيئ في أن تقع تلك الأكياس على رأسه.

في العصور الوسطى، يقول ماراي، كانت شوارع أوروبا عبارة عن مرتع للفضلات ومعابر للواد الحار، وكانت تعبرها الحمير والبغال والأبقار والماعز والخنازير، فتضيف إليها ما استطاعت، وبعد ذلك يأتي الجزارون فيذبحون المواشي في الشارع العام فتختلط الدماء ومصارين الحيوانات بفضلات البشر، فيصبح كل ذلك منبعا لكل الأمراض الممكنة، وهذا ما جعل أوروبا في أحيان كثيرة مرتعا لأمراض فتاكة وأوبئة خطيرة فتكت بالملايين على مر العصور. كانت المشكلة الأساسية هي العداوة مع الماء.

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...