وكالة "فيتش": التوتر بين المغرب والجزائر سيبقى في مستويات مرتفعة.. لكن أولوية المملكة ترتكز على توسيع النفوذ الاقتصادي مع الصين والاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا
يرجّح المراقبون الدوليون، استمرار المغرب في تبني استراتيجية خارجية ترتكز على توسيع قاعدة الدعم الدولي لموقفه من قضية الصحراء خلال السنة المقبلة، كأولوية وطنية تستمد زخمها من تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، وتوسيع نفوذه الاقتصادي والدبلوماسي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتعميق تعاونه مع الصين، وذلك بالتوازي مع تركيزه على تنمية الأقاليم الجنوبية، كجزء من رؤية شاملة لتحقيق الاستقرار والتطور الإقليمي، ما سيُبقي التوترات مع الجزائر في مستويات مرتفعة، دون تحول التصعيد نحو مواجهة عسكرية مباشرة، بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية والسياسية التي قد تترتب على ذلك.
وأفاد خبراء مؤسسة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني، في تقرير بعنوان: "الصحراء والمكاسب الاقتصادية: الأولويات الرئيسية للسياسة الخارجية للمغرب"، أن المملكة ستواصل توظيف سياستها الخارجية لتعزيز دعم المجتمع الدولي لمغربية الصحراء، فضلاً عن تعزيز مكاسبها الاقتصادية من خلال بناء تحالفات مع القوى العالمية الكبرى واستثمار موقعها الاستراتيجي كبوابة رئيسية للأسواق الأوروبية، سيما بعدما شكلت الاعترافات الدولية المتزايدة، مثل اعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل بسيادتها على الإقليم، إلى جانب دعم إسبانيا وفرنسا مؤخراً لخطة الحكم الذاتي ركائز أساسية لسياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة، مؤكدة أن المغرب يعمل على توسيع دائرة المؤيدين عبر تعميق الشراكات الاقتصادية، مستغلاً قربه الجغرافي من أوروبا ودوره كوجهة استثمارية مميزة.
وفي هذا السياق، أشارت المؤسسة الدولية إلى أن المغرب سيواصل توطيد علاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي لتحقيق أهداف سياسته الخارجية، إذ يعد التكتل الاقليمي الشريك الاقتصادي الأكبر للمغرب، ويستحوذ على نحو ثلثي حجم التجارة السلعية للمملكة، ويشكل مصدراً رئيسياً للاستثمار الأجنبي المباشر، كما أن التحسن الأخير في العلاقات السياسية مع إسبانيا وفرنسا، عقب اعترافهما بسيادة المغرب على الصحراء، قد يفتح الباب أمام دول أوروبية أخرى لتبني مواقف مماثلة، مقابل تعزيز فرص الوصول إلى السوق المغربي والتعاون في ملفات حيوية مثل الهجرة.
ورغم أن قضية الصحراء المغربية لا تزال تثير أحياناً خلافات مع بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما يظهر في حكم محكمة العدل الأوروبية الأخير بشأن اتفاقية الشراكة المستدامة في مجال الصيد البحري، الذي اعتبر الاتفاقية غير صالحة نتيجة عدم اعتراف المجتمع الدولي بالصحراء كجزء من المملكة، إلا أن الخبراء يتوقعون تراجع مثل هذه التوترات مستقبلاً مع استمرار تحسن العلاقات بين المغرب ودول الاتحاد.
وسيعمل المغرب أيضًا، حسب التقرير ذاته على تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، مع السعي لتقليل نفوذ الجزائر في المنطقة، لافتا إلى أنه في السنوات الأخيرة، قام المغرب بتوسيع تفاعلاته مع دول أفريقيا جنوب الصحراء بشكل ملحوظ، مستثمرًا في القطاعات المصرفية، وشركات التأمين، ومشغلي الاتصالات، وشركات البناء في العديد من الدول الأفريقية، لا سيما في البلدان الواقعة على الساحل الأطلسي ومنطقة الساحل وحوض نهر الكونغو.
وأصبحت المملكة الآن، ثاني أكبر مستثمر في القارة الأفريقية بعد جنوب إفريقيا، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا بعيدًا عن التركيز الحصري على الأسواق الأوروبية، فيما تعكس هذه الاستثمارات جزءًا من استراتيجية أوسع لفرض نفوذ المغرب وتعزيز الدعم الدبلوماسي لموقفه في نزاع الصحراء المغربية، خاصة مع الدول التي كانت تاريخيًا ضمن دائرة نفوذ الجزائر في منطقة الساحل.
ويسعى المغرب إلى تحقيق ذلك من خلال مبادرة الأطلسي، التي تهدف إلى توفير فرص تجارية لأسواق الساحل عبر الأطلسي باستخدام ميناء الداخلة في الصحراء المغربية، كما يسعى بنشاط حسب خبراء "فيتش" إلى "تعزيز الروابط الثنائية وبناء تحالفات داخل الاتحاد الإفريقي لمواجهة دعم الجزائر الانفصالية البوليساريو، إذ تسهم الاستثمارات البارزة من قبل المؤسسات المغربية مثل مجموعة OCP في المشاريع الزراعية والصناعية في أفريقيا في تعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة، والتي يسعى المغرب إلى ترجمتها إلى دعم سياسي".
وأكد الخبراء، أن المغرب سيواصل تعميق علاقاته مع الصين لتعزيز نموه الاقتصادي، وترسيخ موقعه كشريك بديل للجزائر في شمال إفريقيا، وذلك بعدما شهد المغرب استثمارات صينية كبيرة في السنوات الأخيرة، لا سيما في مشروعات البنية التحتية والصناعات، مما من المتوقع أن يعزز اقتصاده.
وفي شتنبر الماضي، وقعت شركة الصين للسكك الحديدية الهندسية عقدًا لتطوير خط قطار سريع يربط بين القنيطرة ومراكش، كما أعلنت شركة Sunrise الصينية للمنسوجات عن نيتها إنشاء مجمعات صناعية تدعم القطاع الوطني للمنسوجات بالمملكة.
وكانت صناعة السيارات من أبرز المجالات التي شهدت استثمارات صينية في المغرب، حيث تم ضخ استثمارات كبيرة في مصانع السيارات الكهربائية، وبفضل الموقع الاستراتيجي للمغرب القريب من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى صفقاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أصبح المغرب وجهة جذابة للشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية التي تسعى لتجاوز التعريفات الجمركية والوصول إلى الأسواق الأوروبية، لذلك، فإن تعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين سيسهم ليس فقط في تعزيز القدرات الصناعية والبنية التحتية للمغرب، بل أيضًا في تعزيز تأثيره الإقليمي كلاعب اقتصادي رئيسي في شمال إفريقيا، فيما من المرجح أن يقلل هذا النمو في العلاقات الاقتصادية مع الصين من تأثير الجزائر في المنطقة.
ووفق التقرير، ستظل السياسة الخارجية الحازمة للمغرب تجاه الصحراء المغربية محور خلاف رئيسي مع الجزائر، بحيث لطالما دعمت هذه الاخيرة استقلال الإقليم وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسبانيا في عام 2022 وفرنسا في عام 2024 عقب اعترافهما بسيادة المغرب على الإقليم، ومع استمرار المغرب في حصد الدعم الدولي لمغربية الصحراء، يتوقع خبراء "فيتش" أن تظل التوترات مع الجزائر مرتفعة، دون أن تتصاعد إلى حرب، حيث أن كلا البلدين يسعى إلى تجنب التداعيات الاقتصادية الناتجة عن مثل هذا النزاع.




