أزمةُ القِيّم!

 أزمةُ القِيّم!
أحمد إفزارن
الأحد 16 ماي 2021 - 13:24

بِلادُنا تتَطَوّر.. بعَضَلاتٍ قويّة.. وعَجلاتٍ سرِيعةٍ وفعّالة.. هذه حَضارةٌ وَطنيةٌ في سِباقٍ مع الوَقت.. بمُختلف رُبُوعِ المَملكة..
وجبَ الانتِباهُ إلى زاويةٍ في البِناء: الحضارةُ لا تَنبَنِي فقط على تَطوّرٍ عِلمِي، ووَفرةٍ اقتِصادية، ورَخاءٍ اجتِماعي، وإنعاشٍ ثقافِي…
الحَضارةُ تَنبَنِي على قِيّمٍ إنسانية..
وهذه القِيّمُ في أزمة.. عندَنا وعندَ غيرِنا.. وخاصةً منها السّياسيّة والدّينيّة… وهيّ قِيّمٌ أساسيةٌ مُشترَكةٌ بينَ الناس..
ولا غِنَى لنا عن الأساسِ الذي يُثمِرُ الأخلاق..

  • الحاجَةُ إلى قِيّمٍ حَضارية..
    قِيّمٌ ذاتيّة.. وأخلاقٌ مع الآخَر..
    وهذا رِهانُنا.. يَستَوجِبُ مُراجَعةً لطَرِيقةِ تعامُلِنا مع أنفُسِنا ومع الآخَر..
    وفي هذا السّياق، بِلادُنا مُطالَبةٌ بالانفِتاحِ أكثر، على كلّ الأفكارِ والمُعتَقَدات، على أساسِ تنوُّعاتِ الآراء.. على أن يُشَكّلَ القانُونُ المَدَنِي للمَملكةِ فَيْصَلاً بينَ الاختِلافات..
    إنّ الوَطَنَ يَجمَعُنا، والقانُون المَدَنِي يَحمِي حُقوقَ كلّ طرفٍ مِنّا، ويَفرِضُ الواجِباتِ على الجمِيع، لا فرقَ بين هذا وذاك..
    الكلُّ سَواسيّةٌ أمامَ الأخلاق..
  • والأخلاقُ تأتِي مِنَ القِيّمِ الكَونيّة..
    القِيّمُ المُشتَرَكةُ فَرديةٌ مُكتَسَبة، والأخلاقُ جماعيةٌ مع الغَير..
    ونحنُ نستمِدُّ أخلاقَنا المَدَنيّةَ منَ المُشتَركاتِ البَشريةِ العالميّة، وأساسُها: "العهدُ الدّولي لحُقوق الإنسان - 1948"..
    وهذه مَرجِعيّةٌ لجميعِ الدّول، ومنها المَغرِب..
    وعلى هذا الأساس، نَستَصدِرُ قوانينَ مَدنِيّةً تنصّ على أنّ جميعَ البَشَر "يُولَدُونَ أحرارًا ومُتساوِين في الكرامَة والحُقُوق"، بِغَضِّ النّظرِ عن "الجِنسيةِ ومَكانِ الإقامةِ، والأصلِ العِرْقِي أو اللّونِ أو الدّينِ أو اللّغةِ أو أيّ وَضْعٍ آخَر "…
    وهذه المَرجِعيّةُ الأُمَمِيةُ تُساوِي بين الجَميع في الحُقوقِ والواجِبات، وتَفصِلُ الدينَ عن السّياسة..
    وقد ساهمَت في تطويرِ القانونِ الدّولي لحُقوق الإنسان..
    وعلينا، ونحنُ جُزءٌ فاعِلُ في الأسرةِ الدّولية، بالعمَلِ على تحديثِ دُستورِنا الوَطني، من أجلِ تطويرِ مَنظُومتِنا حولَ حقوقِ الإنسان، ولكي نتَجنّب صِنفيْنِ منَ التّطرّف: الدّينِي والسياسي..
    فَفِي بلادِنا: التّطرّفُ لا يكتَسي فقط طابَعًا دينيًّا له أيضًا جِذرٌ وامتدادٌ سياسِي.. وأحزابُنا - في مُجمَلِها - لا تُعَلّم المُناضِلَ كيف يَنفَتِحُ على كلَّ الناس، بل كيف يَتعاملُ بنَميميّةٍ وكراهيّة.. ونفسُ التّوجيهِ التّطرُّفِي يأتي من حِزبِ تُجّار الدين..
    لقد حَوّلت الأحزابُ الدينَ المُسيّسَ إلى نُفُور، بدَلَ الاحترام..
    أحزابُنا تُحارِبُ التّماسُكَ الاجتِماعِي..
    ويجبُ إنقاذُ بلادِنا من تطرّفِ سُوءِ استِخدامِ السياسة، وسُوءِ استِخدامِ الدّين..
    والحلُّ هو الفَصلُ بينِ الدّينِ والسياسة، تجَنُّبًا لتَطَرّفٍ ديني، وتَطَرّفٍ سيّاسي.. وتجَنُّبًا لعَرقلةِ إصلاحِ الحقلِ السياسي، والحَقلِ الديني..
  • والقِيّمُ الفَرديّةُ تَتناسَل!
    وتتكاثرُ بينَ أفرادِ المُجتمَع، ثمّ تُصبحُ أخلاقًا مُشترَكةً لهذا المُجتمع..
    القِيّمُ تبدأ بشكلٍ فردِي، ثمّ تَتطوّرُ وتُصبحُ أخلاقًا لأغلبيةِ سُكّأن المُجتَمع..
    والعَكسُ صحيح: فردٌ فاسِدٌ يُنتِجُ فيرُوسا.. ثم فيروسات…
    وهذا ما وقعَ لنا مع فيرُوس "كورُونا": لقد نزَل فردٌ واحدٌ من طائرةٍ إيطالية، في مطارٍ مَغرِبي، وأصابَ بفَيرُوسِه شخصًا آخر، ثم أشخاصًا، وأصبحنا ضحيةَ جائِحةٍ قد اكتسَحت البلاد..
    شخصٌ واحد قد يُؤثّر في الناس، سَلبًا أو إيجابًا..
    وإذا كانت له قِيّمٌ إيجابية، يستطيعُ بها التأثيرَ الإيجابي، وتتَحوّلُ قيّمُه إلى أخلاقٍ اجتِماعية..
    وهكذا تَكبرُ القِيّم، ومعها تكبُر الأخلاق..
    وإذا تَغيّرت القِيّم، تَغيّرت الأخلاق..
    وإذا ذَهبَت الأخلاق، تَدَهوَرَتِ البلاد..
  • إنّ بِلادَنا تُعانِي أزمةَ أخلاق!
    والأخلاقُ نفسُها تتَناسَل.. إذا كانت سَلبيّة، فالسّلبيةُ الواحدةُ قادِرةٌ على إنتاج سلبيّات…
    والفسادُ في إدارةٍ واحدة، يُنتجُ فسادًا على مُستوًى جَماعيّ، ثم ينتَشرُ في طُولِ البِلادِ وعَرضِها..
    ونستطيعُ أن نفعلَ مع الفساد، ما فعَلنا مع فَيرُوس "كُورُونا": نغلقُ الأبوابَ على الفسادِ والإفساد..
    جميعًا نُكافحُ الفساد.. ولا نُصوّت على فاسِدين..
    والبِدايةُ مِن فاسِدٍ واحد.. والواحِدٌ يُصبِحٌ عشَرة، ثُمّ ألفًا، ثُمّ عَشراتِ الآلاف..
    ويتَساقطُ الفاسِدُونَ جماعاتٍ على أرضِ الانهِزام..
    ما العمل؟ هذه مَقُولةٌ دَالّةٌ لملِكِ المَغرب: "ثَورَةٌ على الفَساد"..
  • أجَلْ! "ثَورَةٌ على الفَساد"..
    وَما أحوجَنا إلى إعادةِ النّظَر..
    لقد شاعَت الأخلاقُ السّيئة: الرّشوة والاحتكارُ والكذِبُ والخيّانة والظّلمُ والغِشُّ واللاّوَقتُ واللاّجَودةُ في الإنتَاج…
    والنّتيجة: انحِطاطُ الأخلاَق.. وفَسادُ المُجتمَع..
    والعِلاجُ مُمكِن، وهو إنهاءُ الفسادِ بالقَضاءِ العادِل.. والأمانة.. والصّدق.. واحتِرامِ حقوقِ الغَير..
    تعالَوْا نَنثُر بُذُورَ القِيّم النّبيلة، والأخلاقِ مع التُّربةِ الخِصبةِ لمُجتمَعِنا..
    وليس بالزّجرِ تُثمِرُ الأخلاق..
    الزّجرُ لا يُربِّي.. مُن يُربِّي هو المُربِّي: الأُُسرةُ والمُجتمعُ والمُعَلّم.. وهذه وغيرُها قُدوَة..
    فأين القُدوَة؟
  • انزلاقٌ في التربية..
    لقد انزلقَت بلادُنا إلى تَقصِيرٍ في التّربية.. كيف؟
    إنّ "سُوءَ التّربية" جاءَتنا من اللاّمَسؤولية: إداراتٌ لامَسؤولة.. الرشوةُ تبيعُ في الناسِ وتَشتَري.. السّرُّ المِهَنِي مكشُوف.. السماسِرةُ في كل مكان.. الانتخاباتُ مَغشُوشة.. العبَثُ في كراسِي الجَماعات، والبرلمانِ بغُرفتيْه، والغُرَفِ المهنيّة…
    والتّزكياتُ تُعطَى لمَن هبّ ودَبّ..
    وبلادُنا في حالةٍ تَستَوجِبُ إحداثَ تغيِيراتٍ سلُوكيّة..
    ولا مَفَرّ من استِئصَالِ "الدُّودةِ الزّائدة"..
    ولكي يَنتهي الفسادُ والإفساد، نحتاجُ إلى "مَناعةٍ مُجتمَعيّةٍ" بنِسبةٍ عاليّة..
  • مِيلادُ وقتٍ جديدٍ في العالم..
    وقتٌ يَعُودُ فيه الإنسانُ إلى نفسِه.. وإلى أُسرَتِه.. وإلى أقربِ الناس.. ويَتأمّلُ في شؤونِ حياتِه الخاصّة والعامّة.. ويُسَاهِمُ في ما يجبُ أن يُعالَج..
    وهذه ورشةٌ أخرى، لعِلاجِ "أزمةِ القِيّم"..
    وهذه ورشةٌ تقُودُ إلى الالتِزامِ بالأخلاق.. والقانون.. وتَجَنُّبِ السّلبيّات.. وتَتَبُّعِ عُيُوبِ الغير.. والابتِعادِ عن اختِلاطاتٍ عَشوائِية..
    هذا وقتُ التّواصُلِ المُعَقلَن..
    وفيه يَلتَزمُ المرءُ بالانضِباط.. يَنضبِطُ لبرنامجٍِ يَومِي.. عمَليّ.. مُتخَلّق.. وأكثرَ فَعاليّة..
    إنّنا أمام مُنعَطَفٍ جديدٍ يَقُودُ إلى ورشةِ الأخلاق: أخلاقٌ في التّعامُلاتِ الفردية والمُجتَمَعية والرّسمية والدّولية والعالمية..
    وبدُون أخلاق، لا تَقَدُّم!

[email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...