أي رسائل تحملها موريتانيا من خلال مشاريعها قرب الكركرات والكويرة؟.. زيارة ولد الغزواني لنواذيبو تؤسس لتحول استراتيجي على تخوم الصحراء
يستعد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لزيارة مدينة نواذيبو، يومي 27 و28 يوليوز الجاري، حيث سيشرف على تدشين مشاريع حيوية، ويضع حجر الأساس لمنشآت تنموية جديدة، في واحدة من أكثر المناطق استراتيجية على تخوم الحدود المغربية وعلى بعد كلمترات قليلة من المعبر الحدودي "الكركرات" الذي تم تأمينه كليا من قبل القوات المسلحة الملكية المغربية قبل حوالي خمس سنوات، وغير بعيد عن مدينة "الكويرة"، التي ضمها المغرب لاستراتيجيته المينائية.
وييدو أن هذا التوجه الموريتاني، يجد جزءا من تفسيره في التحولات الميدانية التي عرفها معبر الكركرات الحدودي منذ سنة 2020، عندما أعلنت الرباط عن تأمين المعبر بالكامل، عبر حزام أمني يضمن انسياب حركة البضائع والأشخاص بين المملكة والجارة الجنوبية موريتانيا، من خلال عملية عسكرية محدودة لطرد ميليشيات البوليساريو، التي ظلت تُعرقل التنقل عبر المنطقة العازلة، وتعمد إلى مضايقة انسيابية حركة تنقل البضائع والشاحنات من وإلى موريتانيا والعمق الافرقي.
نواذيبو، المجاورة للكويرة، والتي لا تبعد سوى 55 كيلومترا عن معبر الكركرات، ليست فقط العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، بل تمثل كذلك نقطة الارتكاز الأولى للبضائع المغربية المصدّرة إلى البلاد، مما يمنحها وضعا متميزا في شبكة التبادل التجاري بين البلدين، وهو المعطى الذي يمنح مشاريع الغزواني، أبعادا عديدة أبرزها توظيفه بشكل ذكي لمعطيات الاستقرار الإقليمي من أجل خدمة المصالح الوطنية، دون كلفة الاصطفاف أو تعطيل عجلة الاقتصاد في منطقة حدودية ذات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لموريتانيا.
كما أن هذا التحول الجاري في هذه الرقعة الحدودية يؤكد أن الجغرافيا لم تعد عبئا أمنيا، بل فرصة تنموية لموريتانيا، التي لطالما التزمت موقع "الحياد الإيجابي" تجاه ملف الصحراء، حيث تسعى اليوم لأن تترجم هذا الحياد إلى مكاسب ملموسة، عبر تعزيز بنيتها التحتية ومواقعها اللوجستية على خط الربط البري الحيوي مع المغرب، خاصة بعد فرض نواكشوط إجراءات ميدانية صارمة على حدودها الشمالية، في محاولة لإغلاق ما تبقى من منافذ غير آمنة كانت تستخدمها البوليساريو لتنفيذ عمليات تسلل نحو الصحراء المغربية.
وشكّل تأمين المغرب لمعبر الكركرات سنة 2020 نقطة تحول استراتيجية أعادت رسم التوازنات في المنطقة، بالنظر إلى رمزية هذا المعبر الحيوي الذي لا يمثل فقط شريانا تجاريا رئيسيا للمملكة، بل يُعد البوابة البرية الدولية الوحيدة التي تربط المغرب بجواره الإفريقي، فالمعبر، الذي يربط فعليا بين أوروبا وعدد من دول غرب القارة، يضطلع بدور يتجاوز الانسياب التجاري في منطقة باتت تُختزل فيها الكثير من رهانات الربح الاستراتيجي، وهو الاتجاه الذي ربما أضحت تتبناه نواكشوط بعزمها تعزيز مشاريعها التنموية بالقرب من هذه المنطقة الحدودية.
وفي 2021، كشف المغرب عن نيته في تحويل الكويرة إلى مركز اقتصادي من خلال إحداث ميناء هناك، ضمن استراتيجيته المينائية في القطب الجنوبي، التي تضم أيضا ميناء الداخلة الأطلسي وميناء امهيريز، الأمر الذي جرى الكشف عنه من خلال خريطة ثلاثية الأبعاد عرضتها القناة الأولى في نشرة إخبارية، في ظل تصاعد مطالب موريتانية بـ"فرض السيادة" على المدينة، وهو خطاب ما فتئ أن هدأ وهدأت معه تلويحات الرباط بخصوص منافسة نواذيبو.