عبد الحكيم العياط
السبت 20 دجنبر 2025 - 17:16

إلى متى سيستمر الفساد الصامت في مراكز الفحص التقني للسيارات؟

تحوّل الفحص التقني للسيارات في المغرب، الذي أُحدث أساسا لحماية الأرواح وضمان السلامة الطرقية، إلى واحدة من أكثر الحلقات إثارة للقلق داخل منظومة النقل، بعدما كشفت الوقائع الميدانية والتقارير الرسمية عن انتشار ممارسات فساد خطيرة داخل عدد من مراكز الفحص، ممارسات لا تقف عند حدود خرق القانون، بل تمتد آثارها إلى الطرقات والمستشفيات والمقابر، حيث تدفع أسر مغربية ثمن باهظ لاختلالات كان من المفترض أن تحاصر داخل مراكز المراقبة لا خارجها.

من الناحية القانونية، يُفترض في الفحص التقني أن يشكّل حاجز وقائي يمنع المركبات غير المطابقة للمعايير من السير، خاصة تلك التي تعاني من أعطاب خطيرة على مستوى الفرامل أو الإطارات أو الهيكل أو الانبعاثات. غير أن الواقع يكشف عن فجوة مقلقة بين النص والتطبيق، حيث أصبح المرور من الفحص في أغلب المراكز مرتبط بمنطق “الأداء مقابل التغاضي”، ما يسمح لسيارات تشكل خطر حقيقي على مستعملي الطريق بالحصول على شهادة صلاحية لا تعكس وضعها التقني الحقيقي.

تقارير رسمية لمفتشية المالية كشفت، خلال السنوات الأخيرة، عن اختلالات جسيمة في منظومة الفحص التقني، من بينها منح تراخيص لمراكز لا تستوفي الشروط القانونية، وتجاوزات في مساطر الترخيص، إضافة إلى ضعف المراقبة اللاحقة لنشاط هذه المراكز. هذه الاختلالات البنيوية فتحت المجال أمام ممارسات فساد يومية، تبدأ بطلب مبالغ مالية إضافية خارج التعريفة القانونية، ولا تنتهي عند التلاعب بنتائج أجهزة القياس أو التغاضي عن أعطاب خطيرة مقابل “تسهيل” اجتياز الفحص.

خطورة هذا الوضع تتضاعف حين نربطه بالأرقام الصادمة لحوادث السير في المغرب. فحسب المعطيات الرسمية، تم تسجيل ما يفوق 143 ألف حادثة سير جسمانية خلال سنة واحدة، أودت بحياة أكثر من أربعة آلاف شخص، مع ارتفاع مقلق في عدد الإصابات الخطيرة. ورغم أن حوادث السير غالبا ما تختزل في العامل البشري، فإن الدراسات الدولية تؤكد أن الأعطاب التقنية للمركبات تساهم بنسبة مهمة من هذه الحوادث، وهي أعطاب كان من الممكن رصدها ومنعها لو تم الفحص التقني بصرامة ونزاهة.

الفساد داخل مراكز الفحص لا يهدد فقط السلامة الطرقية، بل يضرب في العمق ثقة المواطن في المؤسسات. فحين يدرك السائق أن القانون لا يطبق على الجميع، وأن السلامة يمكن الالتفاف عليها مقابل مبلغ مالي، يتحول الفحص من آلية وقائية إلى إجراء شكلي فاقد للمصداقية. كما أن الكلفة الاقتصادية لهذه الحوادث، من علاج وتعويضات وخسائر في الإنتاج والبنية التحتية، تُثقل كاهل الدولة والمجتمع، في وقت يفترض فيه أن يكون الفحص التقني وسيلة لتقليص هذه الخسائر لا المساهمة في تضخيمها.

المفارقة أن هذا القطاع يعرف أيضا توتر بين المهنيين والسلطات الوصية، حيث يشتكي بعض العاملين من غموض المسؤوليات القانونية ومن مقاربات زجرية انتقائية، في حين ترى الدولة أن التساهل مع أي إخلال يمس السلامة العامة أمر غير مقبول. هذا الصراع يعكس غياب رؤية إصلاحية شاملة تعالج جذور المشكلة بدل الاكتفاء بمعالجة أعراضها.

إن استمرار هذا الوضع يعني ببساطة أن سيارات غير صالحة ستظل تجوب الطرقات، وأن حوادث كان يمكن تفاديها ستستمر، وأن الأرواح ستظل تُزهق بسبب خلل في منظومة كان يفترض أن تحميها. إصلاح مراكز الفحص التقني لا يجب أن يُختزل في تشديد العقوبات فقط، بل يقتضي إعادة بناء المنظومة على أسس الشفافية والرقمنة والرقابة المستقلة، وربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل فعلي، مع إشراك المجتمع المدني في التتبع والتقييم.

في النهاية، الفحص التقني ليس إجراء إداري عادي، بل قضية أمن إنساني. وكل تهاون فيه هو تهاون في حق المغاربة في طرق آمنة وحياة كريمة. وبين سيارة تمرّ بالغش وضحية تسقط على الإسفلت، يقف سؤال أخلاقي وسياسي كبير: إلى متى يستمر هذا الفساد؟.،

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...