إلى وُزراءِ "حُكومةِ الكفاءات"!

 إلى وُزراءِ "حُكومةِ الكفاءات"!
أحمد إفزارن
الخميس 10 أكتوبر 2019 - 8:40

مَشاريعُ عِلميّةٌ استِثماريّة.. في الأفُق!

وبعد،
صفّارةُ الحَكَم تُعطِي الانطلاقة..
بدأ التّحرّكُ الميداني، أمام جمهورٍ مُحترَم..
وأنتُم أولُ فريقٍ عِلمي، لأول "حكومةِ كفاءاتٍ" في المغرب.. وهذا مؤشّرٌ إيجابي..
فريقٌ يُنتَظَرُ منهُ إيلاءُ العلومِ مكانتَها النّظرية والتطبيقية، وحتى الاستثمارية، في الساحةِ الوطنية، ومن الوطنِ إلى ربُوعِ العالم..
عندنا أدمغةٌ كثيرة، مُؤهّلة، في الداخلِ والخارج..
وأنتمُ الشّمعة التي ستَعكسُ أضواءَ كفاءاتِنا التّقنية والفنّية، وتخلقُ الأملَ المَعرِفي الوطني داخلَ مؤسّساتِنا، وتَحفزُ أطفالَنا وشبابَنا على التّنشيطِ والاشتغالِ العِلمي، على اختلافِ التّخصّصات، مع ربطِ التكنولوجيا والخيالِ العلمي بالتّنمية..
وأنتُم في مَوقعٍ حكومي يُنتَظرُ منهُ إشعالَ أضواءِ العلوم، ومن ثمّةَ تحويلُ العلوم إلى أوراشٍ للبناء، على أوسعِ نطاق..
وهذا مُتاح..
ومُمكنٌ جدا..
وهذه رسالةٌ مضمونُها أن على السّياسة أن تَلتزمَ حُدُودَها داخلَ "حكومةِ الكفاءات"، وألا تتَطاولَ على حقُوقِ وواجباتِ العِلم، وهو شريكٌ فعّالٌ في بناءٍ هذا الوطن..
وهذا الفضاءُ المُشرقُ لا يَخلٌو من مُلاحظاتٍ أوّلية:

  • هذه ثالثُ حكومةٍ يقودُها حزبُ "البِيجِيدِي" ذي التوجّه الدّيني.. ولا يُستَبعَدُ طُغيانُ الفكرِ الحكومي، بحمُولتِه التّحكُّميّة.. وهذا ما قد يجعلُ "حُكومةَ الكفاءات" سياسيّة، نظرا لترجيحِ كفّةِ السياسة، لتكون أكثرَ من تِقنُوقراطية..
    ومن علاماتِها:
  • عودةُ وُزراءَ حزبيّين سابقين، طالما انتقَدَهم الشارعُ المغربي..
  • طُغيانِ نفسِ العقليةِ السابقة لحُكومةِ "البِيجِيدِي" الأولى والثانية..
  • احتمالُ تأثيرِ حزبِ "البِيجِيدِي"، والوزراءِ المُتحالِفين معه، على الكفاءاتِ العِلمية التي تمّ ضخّها في الحُكومة الجديدة..
    التأثيرُ السياسي قد يُعَرقلُ عَملَ الكفاءات، في مَجالاتٍ تُشكل صُلبَ الانتظاراتِ الوطنية: النموذجُ التّنموي المُنتظَر، التعليم، الصحة، الشّغل، العَدالة الاجتِماعية..
  • واحتمالُ تَخَندُقِ "البِيجِيدِي" في صفّ رصيدِهِ السّياسي، وبالتالي الاستمرار في سياسة اللامُحاسبة: "عفا اللهُ عمّا سَلَف"..
  • هذه الحكومةُ قد لا تكونُ دائمًا مُنسَجِمة: الجناحُ السياسي سيُحافظ على التأثير، والركوبِ على الكفاءات لتمرير مَصالح، تحت غطاءٍ سياسي، على حسابِ مَشاريعَ أساسية لجناحِ الكفاءات..
  • الحكومةُ الجديدة وُلدت مُنقسمةً بين أحزابٍٍ مغضوبٍ عليها شعبيًّا، وكفاءاتٍ غيرِ مُتحزّبة..
    وهذا أيضا من بوادرِ انقسامٍ غيرِ مُستَبعَدٍ بين كَفّتَيْن: السّياسية والعِلمية..
    وقد تَحدُثُ حَساسياتٌ داخل الحكومة، بسببِ اختلافاتِ وِجهاتِ النّظر، وقد تَنتهي بفرض قرارٍ من رئيس الحكومة..
    وقد تكونُ إحدى مُؤشراتٍ عدم الانسجام..
    ولا يُفسدُ الوِدُّ للاختلافِ قضية..
    ومهما كانت الاختلافات، سياسيًّا أو علميًّا، هناك صفّارةٌ على أُهبةِ التّدخّل، في الوقتِ المناسب، لأنّ هذه الحكومة بالذات لا خيارَ لها إلا أن تَستَمرّ، وتقومَ بعمَلِها، طيلة المُدة المُحدّدة، مهما كانت الصعوبات، وحتى الإكراهات..
    لقد كنّا نتصوّرُها حكومةً مُتخصّصة، مائةً بالمائة، فإذا هي كفاءاتٌ قد تكونُ تحت تأثير الحزب الحاكم وحُلفائه..
    والكفاءاتُ لا تَهتمّ كثيرا بالحواراتِ السياسية، بقدر ما هي مُهتمةٌ بمجالاتِ اختصاصاتِها، وهي البحثُ العلمي، الصناعة، التكنولوجيا، التّجارة، البيئة، الصحة، البحر، الفضاء، الطاقات البديلة، الاستثمارات العِلميّة…
    والاهتماماتُ بين الفريقيْن، السياسي والعِلمي، قد لا تكونُ مُتجانِسة: التركيزُ على تحالُفٍ حزبي داخل الحكومة، استعدادا للانتخاباتِ القادمة، أكثر من التركيزِ على كفاءاتٍ لا تَهُمّها حساباتُ الحزبِ الحاكم، ولا أيةُ حساباتٍ حزبيةٍ أو سياسيةٍ أخرى..
    ومع ذلك يَستطيعُ القالَبُ السياسي تمريرَ مَشاريعِه السياسية، حتى في التعليم والصحة، عكسَ الفريقِ التّقني.. والكفاءاتُ قد لا تتمكنُ من إقناع حُلفاء رئيسِ الحُكومة بحلّ مَشاكلِ الشقّ العِلمي للقطاعاتِ التي تهُمّ المجتمع: البنية التّحتيّة، الميزانيات العِلمية، الشراكات العلمية الداخلية ومع الخارج، جَذبُ الأدمغة المغربية للبقاء هنا، داخلَ البلد…
    وتبقى الحكومة سياسية بالأساس، والكلمةُ الأخيرة قد تكونُ لرئيس الحكومة..
    لكنّ الانفتاح مُتبادَلٌ قائمٌ بين المِحوريْن (الالتزام السياسي والخِبرة التقنية)..
    "شَعرَةٌ مُعاويّة" لا يجٌوزُ قطعُها..
    ومهما كان الضغطُ، لا خيارَ للطرفيْن إلا الانتباه لتحرّكاتٍ ميدانيٍة للحَكم.. الحَكمُ يحملُ صفّارتَه على طول.. وتجبُ مُراعاةُ انتظاراتِ المغاربة، وخاصةً منها: النموذجُ التنموي المُنتظَر، والعدالة الاجتماعية، ومجّانيةُ الصحة والتعليم…
    صفّارةُ الحَكَم لا تُغادرُ الميدان..
    ولا يجوزُ أن يقترفَ أيٌّ من الطرفيْن، في "حكومة الكفاءة" أي خطأ قد يؤدّي إلى إقصاء.. اللعبُ يجبُ أن يتواصلَ وِفقَ معايير وأخلاقياتِ اللعبِ الجذّابِ الرّفيع..
    ويجبُ المساهمة، وبفعالية، في إنجاح تجربة "حكومةِ الكفاءة".. وهذا لا يعني التنازُلَ عن الضروريات.. يعني فقط أن يكون اللعبُ نقيّا، وأنتُم أمام حَكَمٍ مُحترم، وجمهُورٍ مُتفَرّجٍ مُحترَم..
  • فلا تُراهِنُوا على انفعالات.. راهِنُوا على الأفكارِ الكبيرة! راهِنُوا على الإقناع!
    أفكارٌ تُنتجُ المزيدَ من التألّق الوطني، والمزيد من النجاح، مع المزيدِ من المشاريعِ الاستثماريةِ العاليّة، ومنها مَشاريعُ عِلميةٌ مُرافقةٌ لمشاريعِ التنمية.. وهذه نماذج:
  • برامجُ لحفز التلاميذ على المعرفة العلمية، مشاريعُ علمية لتمكينِ الطلبة من تحديدِ معنًى واضحًا لمُستَقبلِهم العلمي، أوراشٌ منظَّمة للاختِراعات والاكتشافات، إرسالُ طلبةٍ عاطلين إلى الخارج (في إطار شراكات) للمُشاركة في أبحاثٍ علمية: النّانو، علوم الفضاء والمُحيطات وغيرِها…
  • برامجُ علمية داخلَ المغرب: سمعيات بصريات، رحلاتٌ سياحية علمية، تأهيلُ مؤسّساتٍ لسياحةٍ علميةٍ مغربية، مُنافساتٌ في الخيال العلمي، تسليطُ الأضواء على عُلماء مغاربة، حاليّين وسابقين…
    هذه وغيرُها يمكنُ تحويلُها إلى مَشاريعَ استِثمارية مؤهلةٍ لترويجِ أسواقٍ فيها الفائدةُ والمالُ والأعمال..
    وتسمحُ بامتصاصِ البطالة…
  • وكذا تنميةِ البلد!
    [email protected]

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...