اعتراف صريح بسيادة المغرب على الصحراء وتنزيلٌ للموقف داخليا وخارجيا.. هذه أسباب الزلزال الذي أحدثته رسالة ماكرون في الجزائر
ظلت فرنسا، منذ سنة 2007، تُشدد على أنها الطرف الأوروبي الأكثر وضوحا في دعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء الذي تقدم به المغرب كأساس تفاوضي لا يمكن الخروج عنه لإيجاد حل نهائي وعادل ودائم لهذا الملف، لكن مع ذلك كانت رسالة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، المُفرج عن مضامينها يوم أمس الثلاثاء، بمثابة زلزال في الجزائر.
العودة إلى رسالة ماكرون، التي تزامن كشف مضامينها من طرف الديوان الملكي المغربي، مع الذكرى الخامسة والعشرين لجلوس الملك محمد السادس على العرش، يضعنا أمام تطور نوعي وحاسم في الموقف الفرنسي، لا يقف عند تكرار إعلان مساندة مقترح الحكم الذاتي المغربي، بل سنجد أنفسنا أمام عبارات أُخرى تصب جميعها في الاعتراف الصريح بالسيادة المغربية على الصحراء.
الرسالة التي توَّجت شهورا من المحادثات المغربية الفرنسية، لإنهاء أزمة بين البلدين طال أمدها منذ سنة 2021، على الأقل، استجابتْ لإصرار الرباط على أن توضح باريس موقفها من ملف الصحراء بشكل لا يقبل التأويل، لذلك لم تكن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني، من الرباط، في فبراير الماضي، بخصوص إمكانية تعويل المغرب على فرنسا في ملف الصحراء ودعمها الدائم لمقترح الحكم الذاتي، كافية.
وعلى هذا الأساس نجد أن أول ما جاء في رسالة الرئيس ماكرون للملك محمد السادس، التأكيد نصا على أن "حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية"، وهو ما يُترجم إلى اعتراف صريح بأن الأقاليم الجنوبية جزء لا يتجزأ من التراب المغربي حالا ومستقبلا، في نظر فرنسا، التي لم تعبر يوما عن موقف بهذا الوضوح على امتداد نحو 5 عقود من الصراع.
ولتأكيد ذلك عمليا، أعلن ماكرون في رسالته أن فرنسا، وهي العضو الدائم العضوية في مجلس الأمن، تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي، وهو ما يعني، داخليا، أن هذا الموقف سيتم تصريفه عبر المؤسسات الرسمية الفرنسية، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والإعلامية، وخارجيا، من خلال الدفاع عن الحكم الذاتي المغربي في الصحراء تحت السيادة المغربية وسط المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وطبعا الاتحاد الأوروبي.
هذا التوجه يَبرُز بشكل أكثر وضوحا، عندما قال ماكرون في رسالته إنه بالنسبة لفرنسا، فإن "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية"، وأن هذا المخطط "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، ومستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، ما يعني ضمنيا إقبار باريس لأي نقاش مستقبلي بخصوص أطروحات أخرى، قادمة أساسا من الجزائر، مثل "استفتاء تقرير المصير".
وبالنسبة لفرنسا، ولماكرون تحديدا، فإن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات أكثر واقعية وجرأة، بعد أن سبقتها إلى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ثم إسبانيا، لذلك قال في رسالته إنه "حان الوقت للمضي قدما"، وأضاف "أشجع جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول"، وهو خطاب موجه أساسا إلى الجزائر، التي أصبحت مدعوة إلى الانتباه إلى المتغيرات الحاسمة التي أضحى يراكمها ملف الصحراء وإلى وضوح موقف القوى الكبرى بخصوص دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي.
وذهب الرئيس الفرنسي أبعد من ذلك، من خلال التنويه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، والتأكيد على أن بلاده ستُواكب الرباط في هذه الخطوات لفائدة الساكنة المحلية، ما يعني، ليس فقط تنزيل اعترافها بسيادة المغرب على المنطقة إلى أرض الواقع، ولكنها تحاول أن تكون جزءا من مستقبل منطقة تعد بفرص استثمارية واعدة.




