الحصار الأطول في التاريخ.. عندما شدّد المولى إسماعيل الخناق على سبتة لـ 30 سنة
يرفض المغرب اليوم الاعتراف بسيادة إسبانيا على سبتة ومليلية المحتلتين، وهذا الرفض ليس وليد اليوم، بل هو متوارث منذ قرون، أي منذ سقوط المدينتين في يد الاحتلال البرتغالي ثم الاحتلال الإسباني الذي أعقبه، وبالتالي لا يُتوقع في يوم من الأيام أن يتنازل المغرب عن المدينتين لإسبانيا مهما طال الزمن.
ولم يتوقف المغرب تاريخيا عند الرفض فقط، بل قام بالعديد من المحاولات لإسترجاع المدينتين عسكريا ودخل في حروب ومعارك مع البرتغال والإسبان لاسترجاعهما، إلا أن جميع هذه المحاولات لحد الآن فشلت على خلاف المحاولات التي نجحت مع طنجة وأصيلة والعرائش.
ولعلّ أكبر وأضخم محاولة قام بها المغرب لاسترجاع مدينة سبتة المحتلة، هي المحاولة التي قام بها السلطان العلوي الأقوى، ألا هو السلطان المولى إسماعيل الذي حكم المغرب بين 1672م إلى 1727م، وهو السلطان الذي يرجع له الفضل في تحرير أغلب الثغور المغربية المحتلة، كالعرائش وطنجة وأصيلة ووحّد مُعظم المغرب تحت رايته.
وجاءت محاولة تحرير سبتة بعدما أمر المولى إسماعيل على إثر تحرير معظم الثغور، بتنقل الجيوش المغربية المكونة من معظم مناطق البلاد، خاصة المناطق المجاورة لسبتة، إلى حدود هذه المدينة سنة 1694م لحصارها وتضييق الخناق عليها كمقدمة لاسترجاعها، مثلما حدث مع طنجة عندما حاصر المغاربة المدينة 4 سنوات قبل أن يستسلم الإنجليز ويرحلوا عن طنجة سنة 1684م مدحورين.
ودخلت الجيوش المغربية في مواجهات ومناوشات مع الجيوش الإسبانية المتواجدة في سبتة، واستمر الوضع متجسدا في حصار دائم، ومعارك تحدث بين الحين والآخر، ومعها شدّدت القوات المغربية الخناق على المدينة التي اضطرت إلى المطالبة بالامدادات من إسبانيا عبر مضيق جبل طارق.
وحسب عدد من المؤرخين، فإن حصار المولى إسماعيل لمدينة سبتة استمر إلى غاية 1724م، أي 30 سنة من الحصار المستمر، ولا يُعرف أي حصار في التاريخ دام هذه المدة الطويلة، إلا أن المدينة تمنّعت على القوات المغربية بسبب حصونها الصعبة وبسبب الامدادات التي كانت تصل إليها من إسبانيا.
لكن وفق المؤرخين، هناك عوامل أخرى ساعدت على إفشال محاولة المولى إسماعيل لتحرير سبتة، من أبرزها أن المولى إسماعيل كان مشغولا بحروب أخرى في مناطق أخرى بالمغرب من أجل بسط سيطرته على كافة رقعة البلاد، إضافة إلى أن الجيوش المغربية التي كانت تُحاصر سبتة، كانت قد وصلت إلى مرحلة من الإنهاك بعد حروب طويلة ومستمرة لتحرير طنجة وأصيلة والعرائش.
كما تتحدث مصادر تاريخية أخرى، عن رغبة بعض القيّاد في الجيش المغربي في إبقاء الوضع في حالة حصار دون تحرير المدينة، خشية تنقلهم إلى مناطق أخرى للقتال بأمر من المولى إسماعيل الذي لم يكن يعرف فترات الراحة، حتى وُصف بالسلطان الذي حكم المغرب فوق جواده بسبب حروبه الكثيرة التي كان لها فضل توحيد المغرب وتحرير جل المناطق التي كانت محتلة من طرف قوى أوروبية.
اليوم، عندما يقول بعض المسؤولين أو الخبراء الإسبان، بأن المغرب لن يتوقف عن محاولات استرجاع سبتة ومليلية، فهم يدركون أن هذه الحقيقة تجري في دماء المغاربة ومتوارثة أبا عن جد، وبالتالي مهما طال الزمن فإنهما ستعودان إلى المغرب مثل ارتباطهما الترابي به.