الحكومة تمرر قانون التعليم العالي وسط اتهامات بفتح الباب أمام خوصصة ناعمة وتقويض استقلالية الجامعة العمومية

 الحكومة تمرر قانون التعليم العالي وسط اتهامات بفتح الباب أمام خوصصة ناعمة وتقويض استقلالية الجامعة العمومية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 23 دجنبر 2025 - 22:43

صادق مجلس النواب بالأغلبية، في ساعة متأخرة من ليلة أمس الإثنين على مشروع قانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، واضعا بذلك حدا لمسار تشريعي مشحون بالاصطفاف السياسي والتوتر الأكاديمي ومرسِّخا خيارا حكوميا مرّ بالقوة العددية رغم اعتراضات واسعة داخل الجامعة وخارجها، فاتحا مرحلة جديدة من الصدام حول مستقبل الجامعة العمومية ووظيفتها الاجتماعية.

وحظي النص بموافقة 100 نائب مقابل معارضة 40 نائبا، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت في مشهد يعكس حجم الانقسام الذي رافق هذا المشروع منذ إحالته على المؤسسة التشريعية بين من يراه ضرورة إصلاحية مؤجلة منذ ربع قرن ومن يعتبره مدخلا مقلقا لإعادة رسم حدود الجامعة العمومية ووظيفتها الاجتماعية.

وخلال الجلسة التشريعية، التي امتدت إلى وقت متأخر، دافعت الحكومة بقوة عن المشروع مؤكدة أنه لا يمس بمجانية التعليم العالي ولا باستقلالية الجامعة، وهما النقطتان اللتان شكّلتا جوهر الاعتراضات البرلمانية والنقابية والطلابية.

وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار شدد على أن النص الجديد يأتي في سياق دينامية وطنية أوسع، تتقاطع فيها التحولات التي تعرفها البلاد مع المتغيرات الدولية ومتطلبات التنافسية العالمية، في عالم يشهد بحسب تعبيره "إكراهات متزايدة وتحوّلات عميقة تمس موقع المعرفة والبحث العلمي في التنمية".

وأوضح الوزير أن مرور خمسة وعشرين سنة على اعتماد القانون رقم 01.00 المنظم للتعليم العالي يجعل من إعادة النظر فيه أمرا ضروريا، ليس فقط لمواكبة التحولات بل لمعالجة أعطاب تراكمت داخل المنظومة الجامعية سواء على مستوى الحكامة أو التمويل أو البحث العلمي أو ملاءمة التكوين مع حاجيات المجتمع والاقتصاد.

 وأضاف أن هذه المراجعة لم تتم بمعزل عن المرجعيات المؤطرة، بل استندت وفق قوله إلى التوجيهات والخطابات الملكية ومقتضيات دستور 2011 وأحكام القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين إضافة إلى آراء وتوصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

وفي عرض مرتكزات المشروع، حرص الوزير على التأكيد على أن الطالب يوجد في صلب المنظومة الجديدة، وأن استقلالية الجامعة تشكل مبدأ أساسيا لم يتم التفريط فيه، بل جرى، حسب تعبيره، ترسيخه وتعزيزه واعتبر أن النص يندرج في إطار استمرارية السياسات العمومية مع استحضار المعايير والمقومات الدولية التي أصبحت تؤطر أنظمة التعليم العالي في العالم، سواء من حيث الحكامة أو الجودة أو ربط البحث العلمي بالابتكار.

غير أن النقاش البرلماني لم ينحصر في العرض الحكومي، إذ ظل شبح "الخوصصة" حاضرا بقوة في مداخلات المعارضة، التي عبّرت عن تخوفها من أن يفتح المشروع الباب أمام إعادة تعريف دور الدولة في تمويل وتدبير الجامعة العمومية، خصوصا من خلال توسيع إمكانيات الشراكة مع القطاع الخاص، وإحداث هياكل جديدة اعتبرها معارضو النص مساسا غير مباشر باستقلالية القرار الجامعي.

هذه المخاوف قابلتها الحكومة بنفي قاطع، حيث شدد الوزير على أن المشروع "ليس آنيا ولا فئويا" بل هو مشروع مجتمعي موجه للأجيال القادمة، مؤكدا أنه "لا تراجع عن مجانية التعليم" باعتبار أن القانون الإطار حسم هذا المبدأ بشكل واضح، وأن النص الجديد لم يتنصل منه بأي شكل من الأشكال.

وفي معرض رده على الجدل المتعلق بالحكامة، أكد الوزير أن المشروع حافظ بشكل كامل على اختصاصات مجلس الجامعة وصلاحياته التقريرية، نافيا وجود أي تداخل مع مجلس الأمناء الجهوي الذي قال إنه يضطلع بدور استراتيجي وتأطيري فقط خاصة في ما يتعلق بتعزيز التجذر الترابي للجامعة وربطها بمحيطها الجهوي والتنموي واعتبر أن هذا التوجه لا ينتقص من استقلالية الجامعة، بل يسعى إلى إعادة تموقعها داخل محيطها الاقتصادي والاجتماعي.

وفي ما يخص الاتهامات المرتبطة بخوصصة التعليم العالي، شدد الوزير على أن المشروع لم يُخوصص الجامعة العمومية "إطلاقا" بل قام بحسب تعبيره، بمأسسة وتنظيم التعليم العالي وضبطه بشكل أدق في إطار الشراكة والتكامل مع القطاع العام، وضمن وحدة المرفق العمومي وهو تأكيد لم يُنهِ، مع ذلك حالة الشك لدى جزء من الفاعلين الجامعيين، الذين يرون أن الخوصصة قد لا تأتي دائما بصيغ مباشرة، بل عبر مسارات تدريجية تتعلق بالتمويل والحوكمة وربط البحث العلمي بمنطق السوق.

كما أبرز الوزير أن المشروع يؤسس لمنظومة وطنية مندمجة للبحث العلمي والابتكار تتوفر على آليات تمويل واضحة ومهيكلة، وهي عناصر لم يكن يتضمنها القانون السابق، معتبرا أن هذا التحول ضروري لرفع مردودية البحث العلمي وتعزيز حضوره في التنمية.

وأكد في السياق ذاته أن النص لم يمس بمكتسبات الموارد البشرية داخل الجامعة، بل عمل على تعزيزها وتنويعها، سواء عبر إحداث فئات جديدة أو تحسين شروط العمل والتأطير.

ويكرس المشروع وفق العرض الحكومي، مبدأ التخطيط الاستراتيجي بما يضمن استمرارية السياسات العمومية في مجال التعليم العالي، ويعزز العدالة المجالية، ويدفع، قدر الإمكان، في اتجاه المناصفة.

غير أن تمرير النص بالأغلبية، رغم هذه التأكيدات لا يبدو أنه أنهى الجدل، بقدر ما نقل النقاش إلى مرحلة جديدة، عنوانها الأساسي طريقة تنزيل هذا القانون على أرض الواقع، وما إذا كانت ستترجم الوعود الحكومية المتعلقة بالمجانية والاستقلالية إلى ممارسات فعلية، أم أن المخاوف التي عبّرت عنها المعارضة ستجد لها موطئ قدم في التطبيق

وفي هذا الإطار، وحه الخبير في سياسات التعليم العالي ونقد السياسات العمومية نوفل كديرة اتهاما مباشرا لأداء الحكومة في هذا الملف، حيث اعتبر أن ما قامت به الحكومة ليس إصلاحا متوافقا عليه بل فرض رؤية أحادية تحت غطاء التحديث.

وأوضح كديرة في حديثه لـ "الصحيفة" أن الخطير في مشروع قانون 59.24 ليس ما تقوله الحكومة عنه اليوم بل ما يتيحه غدا موردا: "فحين تُمرَّر نصوص تعيد تعريف تمويل الجامعة وتُدخل منطق الشراكة والنجاعة دون تحصين اجتماعي ودستوري صريح فإننا نكون أمام تفكيك بطيء للجامعة العمومية لا أمام تطويرها."

ونبه المتحدث، إلى أن الحكومة اختارت تمرير القانون بالأغلبية العددية بدل بناء شرعية معرفية وتشاركية، وهو ما يكشف استخفافا واضحا بنبض الجامعة وباعتراضات أساتذتها وطلبتها.

وأضاف بنبرة أكثر صرامة: "الحديث عن عدم المساس بالمجانية أصبح خطابا استهلاكيا لا يقنع أحدا داخل الحرم الجامعي فالمجانية لا تُقاس بالشعارات بل بميزانيات واضحة وبسياسات دعم وبضمان حق الولوج المتكافئ '' معتبرا أن " ما يجري اليوم هو نقل تدريجي لعبء تمويل التعليم العالي من الدولة إلى الأسر والطلبة عبر مسارات غير مباشرة، والحكومة تعلم ذلك جيدا لذلك فإن تمرير هذا القانون لا يعكس شجاعة الإصلاح، بل عجزا عن مواجهة الأزمة الحقيقية للجامعة العمومية".

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...