الحوار الوطني في موريتانيا.. بين رهانات التوافق وهواجس الإقصاء

 الحوار الوطني في موريتانيا.. بين رهانات التوافق وهواجس الإقصاء
نواكشوط – محمد سيدي عبدالله
الخميس 19 يونيو 2025 - 17:34

تشهد الساحة السياسية الموريتانية حراكاً متسارعاً استعداداً لانطلاق الحوار الوطني المرتقب، وسط تأكيدات من مختلف الأطراف السياسية على أهمية أن يكون الحوار جاداً، شاملاً ومتزناً، وقادراً على إنتاج توافقات وطنية تخرج البلد من أزماته وتعزز مساره الديمقراطي.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات لتهيئة المناخ السياسي وتطبيعه قبل إطلاق مسار الحوار، تتعالى داخل أوساط المعارضة أصواتٌ قلقة من التداعيات المحتملة لقانون الأحزاب المعدّل، والذي تخشى بعض التشكيلات السياسية أن يؤثر سلباً على التجربة الديمقراطية في البلاد.

وفي نفس السياق، سلّم المنسق العام للحوار الوطني، موسى فال، وثيقة الرؤية السياسية لأحزاب المعارضة بشأن مسار الحوار المرتقب، وذلك خلال لقاء جمعه بزعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، التي تضم الأحزاب الممثلة في البرلمان، في خطوة عُدّت مؤشراً على تقدم ملموس في المشاورات التمهيدية.

وخلال اللقاء، أكد زعيم المؤسسة، حمادي ولد سيدي المختار، أن "مؤسسة المعارضة ستكون شريكاً أساسياً وأصيلاً في هذا الحوار"، مشدداً على ضرورة أن "لا تُفرض فيه الهيمنة من أي جهة، وأن يُفتح المجال أمام الجميع لطرح آرائهم بحرية واتزان".

وأضاف أن الهدف من مشاركة المعارضة هو "الخروج بالبلد من أزماته الاجتماعية والاقتصادية"، داعياً إلى "حوار لا يُقصي أحداً، ولا يستثني أي موضوع يهم المواطنين". واعتبر أن "مؤسسة المعارضة، بصفتها ممثلة قانونياً لكافة أطراف المعارضة، ستكون منخرطة بقوة في هذا الحوار"، محذّراً من أن "وحدة موريتانيا قد تكون مهددة ما لم يُبادر الجميع إلى حوار صريح وشامل يقدم حلولاً حقيقية للإشكالات الكبرى". وأكد أن المؤسسة "ستدافع عن توافق يؤمّن البلد من البلابل والقلاقل، ويعيد الثقة إلى العملية السياسية".

بموازاة ذلك، نظم المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية "مبدأ" ندوة فكرية بعنوان "الحوار الوطني.. الرؤية والرهانات"، بمشاركة عدد من الساسة والمفكرين والبرلمانيين.

وفي مداخلته، أعرب نور الدين محمدو، رئيس حزب "موريتانيا إلى الأمام" (قيد الترخيص)، عن تشكيكه في نوايا الحوارات السابقة، معتبراً إياها "إما تغطية لأزمات سياسية أو محكومة بأجندات مسبقة"، مطالباً بحوار يؤسس لما سماها "جمهورية ثالثة"، يُعاد فيها الاعتبار لفصل السلطات، ولدور البرلمان والقضاء والصحافة كمؤسسات مستقلة.

أما رئيس حزب "جبهة المواطنة والعدالة" محمد جميل منصور، فقد عبّر عن أمله في أن يختلف الحوار المرتقب عن سابقاته، مشدداً على أن "الحاجة إليه ليست فقط بسبب الأزمات، بل أيضاً لتطوير الديمقراطية وتكريس التعددية، وتحرير الدولة من القبضة الفردية".

من جهتها، رأت النائب البرلمانية خديجة وان أن "الحوار يجب أن يُفهم على أنه علامة نضج سياسي وليس دليلاً على أزمة"، معتبرة أنه "خيار حضاري ونهج تتبناه الأمم المتقدمة"، ودعت إلى مشاركة شاملة في ما وصفته بـ"لحظة مفصلية في تاريخ البلد".

وفي سياق التحضير، قدّمت الشبكة الموريتانية لمراكز الدراسات مقترحاً تأطيرياً للحوار، تضمن أهدافاً كبرى من بينها: بناء عقد اجتماعي جديد، وترسيخ دولة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التماسك الوطني. كما اقترحت أن تُشرف على الحوار هيئة وطنية مستقلة متعددة التخصصات، أو هيئة ثلاثية تضم السياسيين والخبراء، مع توزيع مواضيع الحوار على ورشات متخصصة تتناول: الإصلاح الدستوري، المنظومة الانتخابية، الحريات، الحوكمة، العدالة الانتقالية، الهوية، العيش المشترك، والتنمية المستدامة.

ودعت الشبكة كذلك إلى إطلاق منصة رقمية تفاعلية لضمان مشاركة المواطنين، وتأسيس مجلس وطني لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، مصحوب بأجندة تنفيذ واضحة وتقارير دورية علنية.

وفي موقف آخر، قال محمد الأمين شعيب، القيادي في حزب "تواصل"، إن اللجنة المكلفة ستعمل على إعداد مقترحات تتضمن رؤية موحدة للمعارضة، مع صياغة أرضية مشتركة لبرنامج عمل سياسي، تمهيداً لتحديد الموقف النهائي من الحوار. وأضاف، في مقابلة متلفزة سابقة، أن حزبه يطمح إلى حوار يختلف عن التجارب الماضية، داعياً الحكومة وكافة الأطراف السياسية إلى "جهود جادة وصادقة" لضمان نجاح المسار.

وكان رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قد أعلن، خلال مأدبة إفطار رمضانية بالقصر الرئاسي في مارس الماضي، عن إطلاق التحضير لحوار وطني شامل، داعياً إلى تقديم تصورات وآليات تحضير تضمن مشاركة الجميع، ومعالجة نهائية لملفات وطنية جوهرية ما تزال عالقة.

وفي وقت سابق، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، الحسين ولد مدو، أن الرئيس غزواني يهدف من خلال الحوار المرتقب إلى "تعزيز التوافق الوطني ومعالجة القضايا السياسية"، وفق ما نقلته الوكالة الرسمية. وأضاف أن "التجارب السابقة أظهرت أن الإلحاح والتسرع قد يؤثران سلباً على نجاح الحوارات"، مشيراً إلى ضرورة مراعاة المستجدات السياسية لضمان حوار شامل ومستدام.

وفي ظل هذا الحراك السياسي والفكري والمؤسسي، يرى مراقبون أن موريتانيا تقف أمام فرصة "حقيقية"س لإعادة التأسيس الوطني، شريطة توفر الإرادة السياسية الصادقة والابتعاد عن منطق الإقصاء والمحاباة. وبينما يترقب الجميع انطلاق الجلسات الرسمية، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى جدية الأطراف، وقدرتها على التوافق، وإجماعها على مخرجات تُنقذ البلد من أزماته، وتعيد بناء جسور الثقة بين الحاكم والمحكوم.

وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة تقديم الرؤى والاقتراحات، تتجه الأنظار إلى المرحلة المقبلة من الحوار، والتي يُنتظر أن ترسم ملامح جديدة لمستقبل النظام السياسي والمؤسسي في البلاد. ويبقى نجاح هذا المسار مرهوناً بمدى صدق الإرادة السياسية، ووضوح أهداف الحوار، وجدية التعاطي مع المطالب الوطنية نحو دولة تتسع للجميع.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...