الفصلُ بين الدّينِ والعِلْم!

 الفصلُ بين الدّينِ والعِلْم!
أحمد إفزارن
الأثنين 19 غشت 2019 - 6:29

حتى لا يَختلطَ الرُّوحِي بالمُختَبَرِي..
عَدَمُ الخلطِ بين العِلْمِ والدّين!
"وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" - قرآن

  • الفصلُ بين العِلمِ والدّين..
    وأيضًا، بين الدّولةِ والدّين..
    وبينَ السّياسةِ والدّين..
    وبين التّدبِيرِ العَقلِي والتّفسيراتِ الرّوحية..
    العِلمُ يسِيرُ في اتّجاهٍ مُستَقبَلِي، والخِطابُ الدّينِي لم يتَحرّر من تأويلاتِ الماضي..
    ووَصلَ الاختلافُ إلى تَصادُمٍ بين المَسارِ العِلمي والمَسارِ الدّيني..
    ولفَهمِ هذا الإشكال، وفكّ رُموزِه: ضرورةُ إعادةِ فتحِ بابِ الاجتِهاد..
    وتمكينِ العَقلِ من اكتشافِ تَوافُقٍ للأدوَار، بين الدّينِ والعِلم..
    وهذا تعقيدٌ لا تَفُكّه تأويلاتٌ بشَريةٌ لكلامِ الله..
    وهو يَعنِي كلَّ الأديانِ السّماوية..
    كلّها تعاني تنافُرًا بين استنتاجاتِ "رجال الدين"، يهودًا ومَسِيحِيّين ومُسلِمين، وبين اكتشافاتِ العُلماء، من مُختلفِ أرجاءِ العالَم، في كلّ التّخصّصات..
    وأمثلةُ التّنافُر الشّكلِي كثيرة، منها ما هو في العُمقِ التاريخي البَشري..
    ونَموذجٌ لهذا، يُستَقَى من التاريخ: قصةُ نبيّ الله، إبراهيم عليه السّلام..
    القرآنُ يقولُ فيه: "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ"..
  • هو سَمّى المُسلمِينَ مُسلِمين..
    وفي نفس الوقت، هو أبو اليهُود والمَسِيحيّين..
    هو أبو الأديانِ السّماويةِ الثلاثة..
    ولكن إبراهيم، عليه السلام، لم يكُن مَوجُودًا في حياةِ أيّ من هذه الأديانِ السماوية..
    كان موجودا منذُ حوالي 20 قرنًا، قبل الميلاد..
    فكيفَ يكُون إبراهيمُ مُسلِما قبل الإسلام؟
    ومُسلِما قبل اليهودية؟
    وقبلَ المسيحيّة؟
    هذا لُغزٌ لا مَنطقَ له، إلاّ إذا كان الإسلامُ المقصُودُ له مَفهومٌ آخر، ربّما هو حُسنُ الخُلُق، واعتِبارُ كلّ الأديانِ في كوكبِ الأرض، وهي كثيرة، ذاتَ رسالةٍ واحِدة، هي أنها مُختلِفةٌ في الزّمان والمَكان، ومُتّفِقةٌ في كونِها رسالةً واحدة، من إلهٍ واحد، ومُوجّهة إلى كلّ البشر..
    أما أن نَجتمعَ في حِوارِِ الأديان، فقد يظهرُ من يقول: "أنا غيرُ مَعنِيّ بحوارٍ يَتمّ تحت غطاءٍ إسلامي"..
    وفي هذه الحالة: أحسنُ أن يكُون الحوارُ تحتَ الصّفةِ الإنسانية، وبين مُتَعَبّدِين تَجمَعُهم الروحُ الإنسانية..
    وتبقَى الأديانُ كُلّها خطاباتٍ روحيّة، مُوجّهة إلى الناسِ كافّة..
    والإنسانيّةُ تَجمعُنا جميعا..
    والكُتُبُ السّماوية مُوجّهةٌ لكلّ الناس..
    ويجبُ البحثُ في ما يَجمَعُها، من حيثُ العُمقُ الإنساني، لا في ما يُفرّقُها..
    وهذا يَتطلّبُ البحثَ عن كلّ الأديان، الموجودة حتى الآن، وتوظيف الدراساتِ الإنسانية، في الجامعاتِ وغيرِها، في سياقِ مُقاربةِ الأديان، من أجل اكتشافِ ما يَجمَعُ ويُوحّدُ المُعتقَدات..
    إنّ المُعتقَداتِ غَيبِيّات.. وألغازٌ روحية..
    دورُها يَختلفُ عن الدّورِ العِلمِي..
    ولا يَجوزُ إخراجُ العِلمِ عن مَداره العَمَلِي، المُختبَري، المَرصَدِي…
    ضرورةُ إبقاءِ العِلمِ في مجالهِ البحثِي الاستكشافي، كي يَستطيعَ شرحَ أسرارِ الحياةِ والكَون..
    وإبقاءِ الدّينِ في مجاله، لكي يَستَلهِم توجيهاتٍ روحيةً ذاتَ أبعادٍ أخلاقيةٍ ممّا اكتَشَفَتهُ العلوم..
  • مُجالان مُختلفان..
    الدّينُ يَستخدمُ ألغازا، وحِكايات، وقَصصًا من تاريخِ الأوّلين، لتقريبِ واقعٍ تُراثِي، من حياةِ الناس، وجَعلِها تَفهَم وتُدرِكُ وتَستَوعبُ أكثر دُروسَ وعِبَرَ ومَعانِي أحداثِ وأساطيرِ الماضي السّحيق..
    ألغازٌ ومَجازاتٌ وقِراءاتٌ غَيبيّةٌ تَجعلُ من كُتُبِ السماءِ نُصوصًا تحُثّ على الحِكمةِ والأخلاقِ والمَوعِظة..
    والخِلافُ ما زال قائما.. وارِدًا.. وقد يَحتَدّ أكثر، بين أتباعِ الدّين والعِلم، عندما لا يكُونُ التّفسيرُ واحدًا..
    عندَها يَحصُل المَشهدُ الذي عاشَهُ غالِيليُو، مُكتشِفُ الجاذبِيّة، عندما سألهُ بعضُ "رجالِ الدين" - باسمِ الدّين - عمّا كان عليه الكونُ في السابق، فأجابَهم: "اخبِرُونا عن الكِيفيّة التي سنَطْلُعُ بها إلى السّماء، ونحنُ نُخبِرُكُم عن حالِ السّماء"..
    وهذه المَقولةُ تختَزِلُ مُهمّةَ العِلم، وهي اكتشافُ خبَايَا الحياة..
    ولكنّ شَرحَ النّصوصِ السّماوية بكيفيةٍ حَرْفِيّة، هذا يقُودُ حتمًا إلى ما نحنُ فيه من خَلَلٍ في مُسايَرةِ الدّينِ للعِلم..
    ويقودُ أيضًا إلى إشكاليةٍ في "حوارِ الأديان"..
    فرغمَ المَجهوداتِ المشكُورة من قِبلِ الجِهاتِ التي تقودُ هذا الحِوار، وتُعِدّ له، وتُشارِكُ فيه، فإنه يَجِدُ أمامَه عراقيلَ منها كونُ تفاسِيرِ الكُتُبِ السماوية، بأديانِها المَحصُورةِ في ثلاثة، لا تَصِلُ إلى اتّفاقٍ مُشترَك على المُستوى الشعبي، اعتبارا لكونِ الفهمِ السياسي ليس دائما نفسَ الفهمِ الاجتماعي..
    والنصُوصُ تسِيرُ في اتّجاهاتٍ لا تتّفقُ عليها مُختلفُ التّوجّهاتِ العِلمية، أي العقلُ والعِلم، ومنها التاريخُ البشري المُشتَرَك..
    فالكتُبُ السّماويةُ المَعنيّة، وهي الثلاثة، لم تكُن موجُودةً أثناءَ انقراضِ الدّيناصُور من الكُرة الأرضية، قبلَ حوالي 65 مليون سنة..
    ولذلك، لا وجُودَ لذِكرِ الديناصُور في أيّ من الكتُب السماويةِ الثّلاثة..
    وهذا لا يعنِي أن الدّيناصور لم يكُن موجودا..
    كلّ عُلماءِ الأركيولوجيا يزُورُون المَتاحِفَ العالَميّة، ويرَون بأنفُسِهم وجودَ الديناصور في التاريخِ البَشري..
    ولا أحد من عُلماء الفلك يقُولُ اليومَ إنّ السماءَ مَحصُورةٌ في 7 سماوات.. أو هي مخلوقةٌ في 6 أيام..
    لا يقُولُ العِلمُ بهذا، رغمَ أنه مذكورٌ في القرآن… وقد يكونُ لهُ تفسيرٌ آخرُ لا يَعرفُه الشّارِحُون المُفسّرُون المُؤوّلُون..
  • "لا يَعلمُ تأويلَه إلا الله" - قرآن..
    والكونُ فيه ما لا يُحصَى من المَجرّات، وفي كُلّ مَجرّة ما لا يُحصَى من الشموسِ والأقمارِ والكواكِب…
    وهذه المَجرّاتُ وغيرُها ليست موجودة - بتفصِيل - في الكتُب السماوية..
    والسّببُ واحد، هو أن القرآنَ والإنجيلَ والتّوراةَ ليست كُتُبًا عِلميّة..
    ولا ذِكرَ فيها للانفجار العظيم: "البِيغ بَانغ" الذي أدّى إلى ميلادِ الكون، قبل حوالي 14 مليار سنة ضوئية..
    الكتُبُ السّماويةُ ليست كُتُبا عِلمية..
    ليست مَوسُوعاتٍ للعُلُوم..
    والدّورُ الدّيني يَختلفُ عن الدورِ العِلمي..
    والنّصُوصُ الدّينيةُ تُخالِفُ الاستنتاجاتِ العِلمية.. سواءٌ في نشأةِ الكون، أو تَطوّرِ كائناتِ الحياة، العِملاقة منها والمِجهَريّة..
    تُخالِفُها في هذا، وفي العلُوم الطبيعية، والفيزياء والكيمياء، والتكنولوجيا، والنّانو، وغيرِها…
    العلومُ تتَطوّر يومًا بعد يوم، والكتُبُ السماوية، التي ما زالت موجُودة، هي باقيةٌ كما كانت، على نصّها القديمِ المنشُور.. ومَن يؤوّلونَها لا يُقنِعُون كلّ الناس، لسببٍ واحد، هو أنّ تأويلاتِهم بعِيدةٌ عن العقلِ والعِلم..
    وكثيرةٌ هي أوجُهُ الاختلافِ بين التأويلاتِ الدينِيّة والاكتشافاتِ العِلميّة..
    المُشكلُ مُشكلُ التّأويل..
    وبتعبيرٍ آخر: سُوءِ التّأويل..
  • و"لا يَعلَمُ تأويلَه إلا الله" - قُرآن..
    وحتى لا يُساءَ للدّين، من خلالِ سوءِ فهمِه، يَجِبُ فصلُ الدّين عن العِلم..
    وفي هذه الحالةِ أيضا، الاحتِكامُ إلى المنطقِ العِلماني..
    العِلمانيةُ لا تعنِي فقط فصلَ السياسةِ عن الدّين، أو الدولةِ عن الدّين، بل أيضا فصلَ العِلْمِ عن الدّين..
    حتى لا يختلطَ العِلمُ بالدّين..
    ويَتَهوّرَ مَنطقُ العيشِ والتّعايُش!
    [email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...