القرار الدستوري رقم 22/179

 القرار الدستوري رقم 22/179
عبدالحق بلفقيه
الأثنين 23 ماي 2022 - 16:17

القرار 22/179 : المحكمة الدستورية لامست الصواب في الحكم وافتقرت للتعليل المستفيض 

توطئة لابد منها

أخذت "الزوبعة السياسية" النصيب الأكبر في النقاش الأخير حول القرار الدستوري رقم 22/179  مقارنة مع النقاش الدستوري والقانوني وخصوصا السابقة القضائية في هذا المجال، في هذا الصدد، ارتأينا أن ننطلق في المحور الأول من هذه القراءة بمراجعة بعض القواعد المرجعية التي أسست لها السابقة القضائية في مجال المنازعة الانتخابية والتي تعتبر، في اعتقادنا، مفتاحا رئيسيا لقراءة القرار الدستوري الأخير رقم 22/179 المتعلق بإلغاء المقاعد الانتخابية بالدائرة المحلية الحسيمة؛ وفي محور ثاني نناقش أهم حيثيات وبناءات القرار .

المحور الأول: مراجعة بعض القواعد المؤسسة كمنطلق رئيسي لقراءة هذا القرار

  • القاعدة الأولى: التشريع اللائحي الاستثنائي هو الأصل في تنظيم إجراءات تنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء في هذه المرحلة

إذا كانت الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب تنص على أنه: "تعقد الاجتماعات الانتخابية وفق الشروط المحددة في التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية"؛ وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، تنص على أنه: "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم "؛ وحيث إن مقتضيات هذه المادة، بوصفها نصا تشريعيا خاصا، نافذا خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، وما تتخذه الحكومة، استنادا لهذه المقتضيات من أعمال، وبالنظر للظرف الخاص المتمثل في ضرورة مواجهة تفشي جائحة كورونا كوفيد-19 حفاظا على الصحة والسلامة العامتين، يسري مفعولها، تبعا لذلك، على الاجتماعات العمومية المنظمة خلال فترة الحملة الانتخابية، استثناء من التشريع الجاري به العمل في شأن التجمعات العمومية الذي تحيل عليه الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛ ... وفي هذا السياق؛ وإنفاذا لمقتضيات المرسوم بقانون المشار إليه أصدرت وزارة الداخلية في 23 و24 أغسطس 2021 دوريتين موجهتين إلى السادة الولاة والعمال، تضمنتا إجراءات تتعلق بتنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء، ..

وبالتالي، فالأصل في الإطار القانوني المعتمد في هذه الحالة هو التشريع اللائحي الاستثنائي المتعلق بحالة الطوارئ؛ وبالتالي كان على المطعون في انتخابهم الاعتماد على هذه النصوص التنظيمية الاستثنائية المتعلقة بتنظيم إجراءات الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء، وليس المادة 31 من الفقرة الثانية من المادة 31 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

  • القاعدة الثانية: المسألة تتعلق بالأساس بالمعاينة الواقعية بمعنى معاينة "وضعية قانونية " ب"وضعية غير قانونية"

وإن كنا نتفق مع صواب الحكم والقرار الدستوري رقم 179.22 إلى أننا نعتقد أن المحكمة الدستورية ودون الرجوع إلى مسألة "الاطمئنان" و"السلطة التقديرية"، كان يمكن لها أن تقف عند هذا الحد وتوضحه وتنهي الأمر. فالأمر يتعلق ببساطة، بوضعية المطعون في انتخابهم ك"وضعية غير قانونية" لأنهم اعتمدوا في تقديرهم على حقهم في عقد الجموع العامة والمسيرات بموجب المادة 31 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، في مقابل "وضعية قانونية" التي مثلها الطاعن في احترامه للنصوص التنظيمية، كاستثناء للتشريع الجاري في حالة الطوارئ. وبالتالي أصبحنا أمام وضعية قانونية مقابل وضعية غير قانونية، وهذا كافي في رأيينا لإلغاء النتيجة؛ ولتوضح المسألة، ماذا لو أجريت مثلا الحملة الانتخابية خارج الاجل أو قبل الأولان، نفس الأمر، نكون أمام وضعيات غير قانونية، وهو الأمر نفسه في رأيينا. 

  • القاعدة الثالثة: حول ضرورة "اطمئنان" القاضي الدستوري لتشكيل "قناعته" في "وسيلة الإثبات"

ذهبت المحكمة الدستورية في تعليلها وبناءاتها إلى مسألة السلطة التقديرية في تشكيل قناعتها بوسائل الإثبات. ولملامسة معنى هذه القاعدة نرجع إلى السابقة القضائية في هذا المجال؛ حيث نجد أنه بموجب قرارها رقم 58/17 اعتبرت المحكمة الدستورية أن "... لكي تصير وسيلة الإثبات مرجحة يجب أن تصب على معاينة وقائع قائمة، وأن تعكس في مضمونها ما يطمئن إليها القاضي الانتخابي لتشكيل قناعته، وأن تعزز مضمونها بالوثائق المرفقة التي تعضده ...". والقصد هنا، أن "وسيلة الإثبات المرجحة" من قبل القاضي الدستوري يجب أن تنصب على وقائع معينة وقائمة فعليا (القرار الدستوري رقم 739/09)، وأن الإفادات المدلى بها قد لا تقوم بمفردها دليلا على ثبوت الادعاء، بمعنى أن وسيلة الإثبات كيفما كانت لا يمكن الاعتماد عليها تدعيم دقيق للوقائع وبه تعتبر "غير كافية" ولا تصبح لوحدها "حجة للإثبات". بهذا الخصوص، لا يكفي الإشارة إلى وسيلة الإثبات بقدر ما يهم ضرورة تبيان مدى تأثير الادعاءات المضمنة مع ضرورة احترام العلاقة بين الوسائل المثارة والوثائق المشكلة لعناصر الإثبات.

لكن الإشكال، وهنا نختلف مع المحكمة الدستورية في اختيارها أسلوب التعليل، الذي تطرحه مسألة "التقدير القضائي"        أو السلطة التقديرية والاطمئنان صعبة بل تفتح بابا يصعب ضبطه، وهو ما قد يجعل المحكمة الدستورية تسقط في عدم الانسجام مع السابقة القضائية، وهنا يحضر النقاش حول القرار رقم 170.22 الذي رفضت بموجبه المحكمة الدستورية عريضة الطعن التي تقدم بها محمد بنصاط بصفته مترشحا طالبا فيها إلغاء انتخاب وحيد حكيم عضوا بمجلس النواب، وعللت المحكمة رفضها إسقاط نتيجة الاقتراع، بأنه ” لئن رتبت مقتضيات المرسوم بقانون، لاسيما المادتان الرابعة والرابعة المكررة منه، جزاءات على مخالفة الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية، فليس للمحكمة الدستورية أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة تلك الأحكام بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، ما لم يقترن ذلك بمناورة تدليسية، أو ترتب عن ارتكاب المخالفة إخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين..".

  • القاعدة الرابعة: الحالة الاستثنائية أصبحت المعيار والمقياس لتحديد تكافؤ الفرص والمساواة بين المترشحين في هذه الانتخابات

تقف السلطة التقديرية و الاطمئنان في تشكيل قناعة لدى القاضي الدستوري في ترتيب الجزاءات الانتخابية بخصوص التحقق  من فعلية وسائل الإثبات وواقعيتها على مسألتين: أولا؛ أن ترتبط المخالفات بمناورة تدليسية كمبدأ يمس بشفافية الاقتراع وبالتالي بعدم قدرة الناخبين على "التمييز"، وأيضا "إمكانية التأثير على إمكانية التصويت عن بينة ويقين على المرشحين الذين وقع اختيارهم عليهم". ثانيا؛ إذا كان ارتكاب المخالفة يخل بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين...".

وفي الحالة المدروسة، في منطق عمل المحكمة الدستورية تم استبعاد الحالة العادية في تنظيم الاجتماعات الانتخابية، وأصبحت الحالة الاستثنائية في تنظيم إجراءات تنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء هي المقياس والمعيار والمحدد من التحقق والتأكد وبالتالي من تشكيل قناعة ثابتة وبه تحديد السلطة التقديرية في ترتيب الجزاء.

  • القاعدة الخامسة: المادة 37 (ف.2) من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية تؤسس لمنطق "السلطة التقديرية" في التعاطي مع وسائل الإثبات

إذا كانت المادة 38 (ف.2) تنص انه «... للمحكمة أن تقضي، دون إجراء تحقیق سابق، بعدم قبول العرائض، أو رفضها إذا كانت تتضمن مأخذ يظهر جليا أنه لم يكن لها تأثير في نتائج الانتخاب ». وقد سبق للمجلس الدستوري أن صرح بالرفض دون إجراء أي تحقيق (مثلا في القرارات 887/12 و 859/ 12 و 864/12). فإنه وخلافا للمادة 38 (ف.2)، تتجلى السلطة التقديرية للقاضي الدستوري بخصوص هذه المادة في إمكانية إجراء تحقيق في الموضوع وتكلف أحدا أو أكثر من أعضائها بتلقي تصريحات الشهود بعد أدائهم اليمين بين يديها، طبقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية".

  • القاعدة السادسة: عدم اللجوء إلى الإلغاء بسبب الفارق الضئيل في الأصوات وعدم إمكانية تصحيح النتيجة

مرد المحاججة بهذه القاعدة أن فارق الأصوات لم يكن كبيرا بين الرابع الخامس (فالفرق حسب علمنا يقارب 365 صوت)، لكن الإشكال أن الأمر لا يتعلق فقط بالرتبة الرابعة فقط، ولكن أيضا بباقي الترتيب، وبالتالي طبيعي أن لا تذهب المحكمة الدستورية لهذا الجانب لأن المسألة هنا تتعلق بالأساس بصحة وسلامة الاقتراع ككل الأمر الذي يشمل كل المطعون في انتخابهم.

المحور الثاني: التعليق على حيثيات القرار 22/179

أصدرت المحكمة الدستورية ملف عدد: 196/21 قرار رقم: 179/22 بعد إطلاعها على العريضة المودعة بكتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية بالحسيمة في 6 أكتوبر 2021 والمسجلة بالأمانة العامة للمحكمة الدستورية، والتي تقدم بها السيد عبد الحق أمغار -بصفته مترشحا- طالبا فيها إلغاء انتخاب السادة نور الدين مضيان وبوطاهر البوطاهري ومحمد الحموتي ومحمد الأعرج أعضاء بمجلس النواب، إثر الاقتراع الذي أجري في 8 سبتمبر 2021 بالدائرة الانتخابية المحلية "الحسيمة" ( إقليم الحسيمة ) وأعلن على إثره انتخابهم أعضاء بمجلس النواب؛  كان أهم نتائجه ما يلي: 

  • إقراره بالمخالفة القانونية في حق كل من السيدين نورالدين مضيان ومحمد الأعرج والتي تشكل إخلالا ثابتا بينا بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، مما يتعين التصريح معه بإلغاء انتخابهم بمجلس النواب؛
  • السيد بوطاهر البوطاهري في خطأ عدم الرد على عريضة الطعن الموجه لها من طرف المحكمة الدستورية ولم يدل بأي مذكرة جوابية، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية بمثابة إقرار ضمني من طرفه بما تضمنته العريضة المذكورة من مأخذ؛ أما السيد محمد الحموتي، أنه وقع في خطأ الإدلاء بمذكرة جوابية خارج الأجل القانوني استبعدتها  المحكمة الدستورية، واعتبرت أن المأخذ قائما في حقه؛ مما يتعين التصريح معه بإلغاء انتخابهم بمجلس النواب؛
  • النقطة الأولى: لا نقاش بخصوص حالتي السيدين بوطاهر البوطاهري ومحمد الحموتي

دأبت السابقة القضائية على إلغاء الحالات المتعلقة بالمناشير والملصقات بصورة واحدة، فالأمر سهل لإثبات المناورة التدليسية في هذا المجال، فهذا هذا النمط من الاقتراع يستوجب، بالنظر لطبيعته ومراعاة لشفافيته وصدقيته، أن يتعرف الناخبون على صور جميع المترشحين والبيانات المتعلقة بهم، مادامت أصواتهم تحتسب لفائدة اللائحة في كليتها؛".

بل سقط أيضا السيد بوطاهر البوطاهري في خطأ عدم الرد على عريضة الطعن الموجه لها من طرف المحكمة الدستورية ولم يدل بأي مذكرة جوابية، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية بمثابة إقرار ضمني من طرفه بما تضمنته العريضة المذكورة من مأخذ؛ ومن جانبه وقع السيد محمد الحموتي، أيضا في خطأ الإدلاء بمذكرة جوابية خارج الأجل القانوني استبعدتها  المحكمة الدستورية، واعتبرت أن المأخذ قائما في حقه؛ مما يتعين التصريح معه بإلغاء انتخابهم بمجلس النواب؛...

  • النقطة الثانية: بخصوص الطعن الموجه ضد السيدين نور الدين مضيان ومحمد الأعرج
  • أولا؛ الطاعن السيد "عبدالحق أمغار" اعتبر في وضعية قانونية بموجب التشريع الاستثنائي

أقدم الطاعن السيد "عبدالحق أمغار" خلال الحملة الانتخابية، على نشر إعلان بصفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يدعو فيه أعضاء الحزب الذي ترشح باسمه إلى "تعليق كافة الأنشطة الدعائية العمومية تجنبا لتفشي وباء كوفيد-19"؛  وذلك تماشيا مع النصوص التنظيمية، كاستثناء للتشريع الجاري، وبالتالي اعتبر في وضعية قانونية. وهذا مهم جدا بهذا الخصوص، لأن المحكمة تسهر على سلامة وصحة العملية الانتخابية من الناحية القانونية بالدرجة الأولى.

  • وسائل الإثبات التي قدمها الطاعن السيد "عبدالحق أمغار" وسائل تقوم على معاينة وقائع قائمة

بمراجعة وسائل الإثبات التي قدمها الطاعن "عبدالحق أمغار" نجد أنه اسنتد في عريضته على مجموعة من الوثائق والمستندات من قبيل : 

  • وثائق إثبات مضمنة في مفتاح ذاكرة خارجية تضمنت "صورا فوتوغرافية" ومستخرجات واقعة ومثبتة نشرت على حساب المطعون في انتخابهم تظهر مشاركتهم في تجمعات ومسيرات انتخابية متعددة، انتفى فيها أي مظهر من مظاهر التقيد بالضوابط المذكرة،
  • شريط فيديو يظهر فيه المطعون في انتخابه الرابع متصدرا لموكب انتخابي لم يتم فيه كذلك التقييد بالضوابط الاحترازية؛ 
  • صور المطعون في انتخابهما السيدين بوطاهر البوطاهري ومحمد الحموتي؛ صور منفردة دون باقي المترشحين في لوائحهما الانتخابية؛ 

هذه الوثائق والمستندات تثبت عدم التزام الطرف الآخر، المطعون في انتخابهم، بالقانون (النصوص التنظيمية الاستثنائية)، وهو ما يعد أو اعتبرته المحكمة الدستورية ضمنيا إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص في الحملة الانتخابية... 

  • حول اطمئنان المحكمة الدستورية وتشكيل قناعتها في وسائل الإثبات التي قدمها الطاعن 

صحيح يبقى للمحكمة الدستورية السلطة التقديرية في التوفيق بين "حرية الإثبات" ومسألة "التقدير القضائي"، لكن عموما ومما أسس له القاضي الدستوري المغربي، كما أشرنا أعلاه، أنه "لكي تصير وسيلة الإثبات مرجحة يجب أن تصب على معاينة وقائع قائمة، وأن تعكس في مضمونها ما يطمئن إليها القاضي الانتخابي لتشكيل قناعته، وأن تعزز مضمونها بالوثائق المرفقة التي تعضده"،

وفي هذا الصدد، ذهب تعليل المحكمة الدستورية إلى اعتبار أن "... الضوابط المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية كانت سارية المفعول بسائر أرجاء التراب الوطني إبان الحملة ملزمة لسائر المشاركين في أنشطة الحملات الانتخابية برسم الاقتراع موضوع الطعن..."

ومن جهته أقدم الطاعن السيد "عبدالحق أمغار" خلال الحملة الانتخابية، كما أشرنا سابقا، على نشر إعلان بصفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يدعو فيه أعضاء الحزب الذي ترشح باسمه إلى "تعليق كافة الأنشطة الدعائية العمومية تجنبا لتفشي وباء كوفيد-19"؛ كان هذا الأمر حاسما في ضرورة لجوء المحكمة الدستورية لاستنطاق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وهنا اعتبرت أن الوثائق والمستندات التي "... تظهر مشاركة  السيدين  نور الدين مضيان ومحمد الأعرج  في تجمعات ومسيرات انتخابية متعددة، ينتفى فيها أي مظهر من مظاهر التقيد بالضوابط المذكورة؛..."؛ وأيضا، شريط فيديو يظهر فيه المطعون في انتخابه الرابع متصدرا لموكب انتخابي لم يتم فيه كذلك، التقيد بالضوابط الاحترازية المشار إليها؛..."

وهو ما جعل المحكمة الدستورية تشكل، في رأينا، قناعة في هذه الوسائل، وأن تعكس في مضمونها ما تطمئن إليه بخصوص ارتكاب مخالفة ثابتة تشكل إخلالا بيناً بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، مما يتعين معه التصريح بإلغاء انتخاب السيدين نور الدين مضيان ومحمد الأعرج عضوين بمجلس النواب؛ ... لكن في رأينا كان الأمر يحتاج أكثر للتعليل وتوضيح هذه النقطة، خصوصا وأنه لا ينسجم في منطوقه مع القرار رقم 22/170 الذي سبقه بقليل.

  • حول السلطة التقديرية للمحكمة الدستورية في ترتيب الجزاء الانتخابي

ذهبت المحكمة الدستورية بموجب قرارها رقم 170.22 إلى اعتبار أنه ليس " للمحكمة الدستورية أن ترتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة تلك الأحكام بمناسبة الاجتماعات العمومية المنظمة خلال الحملة الانتخابية، ما لم يقترن ذلك بمناورة تدليسية، أو ترتب عن ارتكاب المخالفة إخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وهو أمر تستقل المحكمة بتقديره، ...". بمعنى أن ترتيب الجزاء في هذه الحالة كان بناء على الحالة الثانية المتعلقة  بانتهاك والإخلال بالمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين.

وهنا تساءل البعض عن عدم ترتيب الجزاء الانتخابي وإلغاء نتائج الاقتراع خصوصا والحالة تتشابه، من حيث الطعن خرق حالة الطوارئ، لكن السلطة التقديرية للقاضي الدستوري ذهبت في مسلك آخر والسبب أن "الوسائل الإثبات الذي قدمها الطاعن لم تكن مقنعة للقاضي، بمعنى أن المآخذ المتعلقة بالحملة الانتخابية، كانت غير قائمة على أساس صحيح من وجه، وغير مؤثرة من وجه آخر؛ فالطاعن، بموجب القرار 170.22، جاء ادعاؤه عاما مما يكون معه غير جدير بالاعتبار؛ بل حتى خصم الأصوات لم يكن له تأثير على النتيجة العامة للاقتراع، إذ سيبقى المعني بالأمر فائزا... 

لكنها عكس ذلك لم توضح بجلاء أسس هذه القناعة بأن ادعاءات الطاعن هنا كانت عامة وغير جديرة بالاعتبار. هذا القرار أسقطنا في إشكالية فهم هذه السلطة التقديرية للقاضي الدستوري ومتى يستعملها وعلى أي أساس حقيقي يشكل هذه القناعة أو الاطمئنان. ...ولهذا كان توجهنا منذ البداية الاقتصار على التعليل القائل ب مواجهة "وضعية قانونية " بوضعية غير قانونية" دون اللجوء لمسألة السلطة التقديرية في ترتيب الجزاءات الانتخابية.

هذا ويبقى رأينا قابل للصواب والخطأ في التقدير والتحليل وهو مفتوح بذلك للنقاش، فدافعنا الأساسي من هذه القراءة المساهمة في تطوير مؤسسة القضاء الدستوري في المغرب.

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية - جامعة سيدي محمد بن عبدالله، فاس

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...