المجلس الوطني لحقوق الإنسان يطالب بكشف نتائج التحقيق علنا في انهيار بنايتن ووفاة 22 شخصا

 المجلس الوطني لحقوق الإنسان يطالب بكشف نتائج التحقيق علنا في انهيار بنايتن ووفاة 22 شخصا
الصحيفة من الرباط
الخميس 11 دجنبر 2025 - 22:50

دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في أول رد مؤسساتي رسمي على فاجعة فاس إلى نشر نتائج التحقيق القضائي حول انهيار بنايتين سكنيتين بحي المسيرة ببنسودة، والذي خلّف 22 قتيلا و16 مصابا، مشددا على ضرورة ترتيب المسؤوليات تكريسا لربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحذرا من أن تكرار مثل هذه الانهيارات يمس مباشرة بالحق في السكن اللائق ويقتضي اعتماد استراتيجية وطنية شاملة للوقاية والمراقبة وحماية الأرواح.

وكانت مدينة فاس، قد استفاقت صبيحة أمس الأربعاء 10 على واحدة من أكثر الكوارث العمرانية مأساوية في ذاكرتها الحديثة، بعدما انهارت بنايتان سكنيتان في حي المسيرة بمنطقة بنسودة مخلفتين حصيلة ثقيلة من الضحايا بلغت 22 قتيلا، بينهم نساء وأطفال، و16 جريحا في وضعيات متفاوتة الخطورة وهي فاجعة أنهت بتحول مأساوي احتفالا بسيطا لـ"عقيقة" إلى ليلة داكنة طغى عليها الغبار والصراخ وركض السكان في الأزقة الضيقة بحثا عن ضوء أو ناجين محتملين بين الأنقاض.

ومع أن السلطات القضائية سارعت إلى الإعلان عن فتح بحث فوري تحت إشراف النيابة العامة المختصة لتحديد الأسباب الحقيقية وراء الانهيار، فإن الحدث فجّر من جديد نقاشا وطنيا عميقا حول الحق في السكن اللائق وسلامة المواطنات والمواطنين، بعدما بات تكرار حوادث الانهيار في عدد من المدن مساسا صارخا بالمقتضيات الدستورية والدولية التي تمنح لكل فرد حق العيش في مسكن آمن وكريم.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بصفته مؤسسة دستورية تتابع بقلق تنامي مؤشرات الهشاشة العمرانية، دعا إلى نشر نتائج التحقيق القضائي فور اكتماله، وترتيب المسؤوليات بشكل واضح تكريسا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

المجلس شدد في بلاغ رسمي، على أن تكرار انهيار البنايات يشكل انتهاكا مباشرا للحق في السكن اللائق كما تعرفه المعايير الدولية، واعتبر أن المغرب بات في حاجة إلى استراتيجية وطنية شمولية تقوم على الاستباق والمراقبة المنتظمة والصارمة وتطوير آليات الرصد والتنبؤ، بدل التعامل مع الظاهرة كأحداث معزولة.

ولفت المجلس إلى أن تعزيز ولوج المواطنات والمواطنين إلى السكن اللائق يدخل في صميم الالتزامات الدستورية للمملكة وفي صلب ما أقره العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن كونه أحد محاور النموذج التنموي الجديد كما ذكّر بأن المغرب، خلال آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) التزم بتعزيز السياسات العمومية في مجال السكن وتسريع معالجة أوضاع السكن غير اللائق، وتأهيل الأحياء الهشة وضمان حماية خاصة للفئات الأكثر هشاشة.

ضمن هذا الإطار، دعا المجلس إلى تنسيق مؤسساتي أكبر بين القطاعات الحكومية والإدارة الترابية والمجالس المنتخبة، حتى تصبح سلامة السكن وكرامة المواطن في صلب السياسات العمومية، وليس مجرد بند ملحق بها.

كما طالب بالإسراع في تنفيذ برامج تأهيل المباني المتدهورة، خصوصا في المدن العتيقة والمناطق التاريخية، وضمان انخراط فعلي للجماعات الترابية، واحترام معايير السلامة أثناء عمليات الترميم والهدم وإعادة الإسكان.

المجلس دعا أيضا إلى التطبيق الصارم لقانون التعمير وقواعد البناء والتجهيز، ومن ضمنها إلزامية رخص البناء والمراقبة التقنية وجودة التصميم الهندسي معتبرا أن احترام المساطر ليس ترفا إداريا بل شرطا لحماية الأرواح.

واقترح وضع آلية مشتركة ودائمة للتدخل السريع بمجرد ظهور تشققات أو مؤشرات ضعف بنيوي، بما يسمح باتخاذ قرارات استباقية تمنع تكرار المآسي.

وفي المقابل، لم تُعف المؤسسة الحقوقية المواطنين من مسؤوليتهم المجتمعية فدعتهم إلى الالتزام بتوجيهات السلطات المختصة خاصة المتعلقة بإخلاء المباني الآيلة للسقوط، والتبليغ عن أي تشققات أو تهديدات محتملة، والانخراط في برامج إعادة الإيواء بدل انتظار وقوع الكارثة.

كما جدد المجلس دعوته لاعتماد سياسة عمومية مستدامة لإعادة إيواء الأسر القاطنة في المباني المهددة بالسقوط، تقوم على توفير بدائل سكنية لائقة ومتكاملة تراعي الكرامة والعدالة المجالية، وتتجاوز الحلول الظرفية التي غالبا ما تظل معلقة بين الوعود والواقع.

وكشف بلاغ وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بفاس، أن الانهيار شمل بنايتين متجاورتين، الأولى كانت فارغة من السكان، بينما كانت الثانية مكتظة بالضيوف الذين حضروا حفل "عقيقة" في تفصيل يفسر ارتفاع عدد الضحايا فيما الحادث وقع حوالي الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة ليلا، وشوهدت فرق الإنقاذ وهي تكافح لساعات وسط الأنقاض لإجلاء الضحايا والبحث عن ناجين محتملين.

أما السلطات المحلية لعمالة فاس، فأفادت بأن البنايات المنهارة شُيدت عام 2006 ضمن برنامج "فاس بدون صفيح" وبأسلوب البناء الذاتي الذي ألقيت مسؤوليته على الأسر، في سياق زمني اتسم بارتفاع الطلب على السكن وتعقيد المراقبة التقنية.

ومع أن التحقيق القضائي مستمر، فإن السلطات أطلقت بشكل موازٍ تحقيقات إدارية وخبرة تقنية عهد بها إلى مكتب دراسات متخصص، بهدف تحديد الأسباب التقنية موضوعيا، والوقوف على الاختلالات المحتملة في المساطر والضوابط التنظيمية المعمول بها.

وبين الحقيقة التقنية والمسؤولية القانونية، تمثل فاجعة فاس فصلا مؤلما في نقاش أكبر حول السياسات السكنية في المغرب، حيث تتجاور أحياء جديدة بواجهات أنيقة مع بنايات هشة وعمارات شُيدت في فترات توسع عمراني سريع لم تُواكبه آليات مراقبة فعّالة.

وفي هذا الإطار، قال الخبير في السياسات العمرانية محمد الطالبي في تصريح لـ"الصحيفة"، إن فاجعة فاس "تكشف مجددا هشاشة المنظومة العمرانية في عدد من المدن، ليس فقط على مستوى مراقبة البناء، بل على مستوى غياب نظام إنذار مبكر قادر على رصد مؤشرات الخطر قبل وقوع الكارثة".

وأوضحح الخبير أن تكرار هذه الحوادث "يعني أن المغرب لا يعاني من مشكل تقني فقط، بل من ضعف في الحكامة الترابية وتشتت مسؤوليات المتدخلين"، مشيرا إلى أن أي إصلاح حقيقي "يبدأ بإعادة بناء منظومة مراقبة مستقلة، ورفع كفاءة الجماعات الترابية، وربط الرخص بمراقبة ميدانية فعلية لا ورقية".

واعتبر الطالبي أن دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان "تضع الدولة أمام اختبار سياسي قبل أن يكون تقنيا"، لأن "الحق في السكن اللائق لن يتحقق ما لم تُعتمد مقاربة وطنية صارمة تجعل السلامة أولوية لا تقبل التأجيل أو المساومة".

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...