المغرب يمر لدبلوماسية "السرعة القصوى" داخل الاتحاد الأوروبي.. هل تنجح الرباط في دفع بروكسيل لدعم مغربية الصحراء قبل انتهاء مُهلة "محكم العدل"؟
عندما أعلنت البرتغال، في 22 يوليوز الجاري، عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، باعتباره "الأساس البنَّاء والأكثر جدية ومصداقية من أجل تسوية هذا النزاع"، تُرجم ذلك إلى أن المغرب خطى خطوة أخرى، في سياق تحركاته المتسارعة داخل الاتحاد الأوروبي، من أجل ضمان دعم واضح وعلني لطرحه، من طرف جواره الشمالي.
وحين انضمت البرتغال إلى قائمة بلدان الاتحاد الأوروبي التي أصدرت موقفا متقدمًا من مغربية الصحراء، كان ذلك يعني أن جيران المغرب الشماليين، الذين تربطهم به علاقات اقتصادية قوية قائمة على المصالح المتبادلة، جميعهم، يقفون في صف الرباط بشكل غير مسبوق، والحديث هنا ليس عن مدريد ولشبونة فقط، بل عن المملكة المتحدة أيضا، التي تجاور المغرب انطلاقا من إقليم جبل طارق التابع للتاج البريطاني.
وبالعودة إلى قائمة رحلات وزير الشؤون الخارجية المغربي خلال سنة 2025، يمكن استنتاج أن هذا العام هو عام العمل الدبلوماسي مع قارة أوروبا عموما ومع بلدان الاتحاد الأوروبي على الأخص، فالرباط اختارت أن تُركز شمالا أكثر من أي وقت مضى، بالتزامن مع اقتراب موعد الحسم في مستقبل العلاقات التجارية مع بروكسيل المحدد في أكتوبر المقبل.
الأمر يتعلق بالمهلة التي أعطتها محكمة العدل الأوروبية في اللوكسمبورغ، بتاريخ 4 أكتوبر 2024، ضمن قرارها بإلغاء 3 اتفاقيات تجارية تتعلق بالفلاحة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي، لكونها تشمل أقاليم الصحراء "المتنازع عليها"، إذ سمحت باستمرارها لسنة واحدة قبل أن يصبح القرار نافذا.
بالنسبة للرباط، كان الأمر واضحا منذ البداية، وفق ما صرح به بوريطة في مناسبات مختلفة، فـ"المشكلة" موجودة لدى الأوروبيين لا المغاربة، والاتفاقيات المُبرمة مع بروكسيل ستشمل كل الأراضي التابعة للسيادة الوطنية للمملكة، وبالتالي فإن الرباط لن توافق على أي شراكة تجارية لا تشمل أقاليم الصحراء.
في 28 نونبر 2024، وبعد أسابيع قليلة على القرار القضائي الأوروبي، حل المفوض الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أوليفر فارهيلي، لمناقشة مستقبل الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وأمام وسائل الإعلام قال بوريطة، على مسمع من ضيفه الأوروبي، إن هذه الشراكة "تُثبتها الأفعال لا الأقوال".
ودعا بوريطة الاتحاد الأوروبي إلى "تثبيت الشراكة مع المغرب والدفاع عنها ضد الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي"، وفي إشارة إلى أن الكرة الآن في ملعب بروكسيل، أورد أن المملكة "تتابع كيف سيتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذه الاستفزازات، من خلال التدابير والسياسات التي سيتخذها للتعامل مع هذا الواقع".
ومع ذلك، فإن الرباط، التي أضحت تجد صوتا قويا يدعم سيادتها على الصحراء داخل الاتحاد الأوروبي، منذ أواخر يوليوز 2024، حين أعلنت فرنسا، عبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن "حاضر ومستقبل المنطقة يندرجان تحت السيادة المغربية"، والمُساندة أيضا من إسبانيا ذات المصلحة الأكبر في استمرار الاتفاقيات التجارية، اختارت نهجا آخر في التعامل مع الأمور.
هذا النهج يتمثل في التركيز على الاتحاد الأوروبي كـ"دول" لا فقط ككيان واحد، وفي سنة 2025 اتضح ذلك بشكل كبير، ففي أبريل 2025 حل بوريطة بكل من إستونيا وسلوفينيا وكرواتيا، التي عبرت عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء في إعلانات مشتركة، وانضمت إليها سلوفاكيا في شهر ماي، وهي كلها دول ذات عضوية كاملة في الاتحاد.
في أبريل الماضي أيضا، حل بوريطة بإسبانيا للاجتماع بنظيره خوسي مانويل ألباريس، وهناك تحدث عن موقف مدريد الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، إذ أورد أن الأمر يتعلق بـ"دينامية دولية"، وأضاف أن 22 دولة من دول الاتحاد الأوروبي "تعبر عن دعمها" للمبادرة المغربية، إلى جانب أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي.
وخلال الندوة الصحفية التي جمعته بألباريس، أورد بوريطة أيضا أن ما تقوله إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي ليس "دعم الحكم الذاتي فقط للحفاظ على الوضع الراهن، أو إعطاء المغرب راحة دبلوماسية"، بل الهدف هو "الوصول إلى حل لهذه المشكلة"، والظاهر من خلال هذا الكلام ومن تصريحات أجرى، هو أن الرباط أضحت تتوقع من بروكسيل أيضا التحلي بالحسم نفسه في القضايا السياسية كما الاقتصادية.
هذا الحسم، الذي إن لم يحدث، فإن ما تعمل عليه الرباط هو أن تكون دول الاتحاد الأوروبي هي الطرف المتضرر منه، وهو أمر يفسر إحدى الأبعاد الاستراتيجية لإعلان المملكة المتحدة دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، في بداية يونيو الماضي، ليس فقط لأن الأمر يتعلق بعضو جديد دائم في مجلس الأمن، بل أيضا لأن الحكومة البريطانية أعلنت قبل ذلك أنها ستسمح لشركاتها بالاستثمار في المنطقة.
وليس البريطانيون وحدهم الذين بإمكانهم الاستفادة من "الفراغ" الأوروبي، فروسيا أيضا أعلنت رسميا عن أنها تتفاوض مع المغرب للاستفادة بشكل أكبر من اتفاقية الصيد البحري، التي تمتد من البوغاز شمالا إلى الكويرة جنوبا، إذ وفق ما نشرته وكالة "إنترفاكس" الروسية في أبريل الماضي، فإن حكومة موسكو تسعى لتوقيع اتفاق جديد يسمح لها بصيد 100 ألف طن من الأسماك سنويا، في الوقت الذي دخلت فيه أكثر من 120 سفينة صيد إسبانية حالة عطالة إجبارية نتيجة عدم قدرة بروكسيل على حسم قرارها إلى الآن.