المغرب يمنح امتيازات اقتصادية لمجموعة"ستيلانتيس" لضخ 1.4 مليار دولار في مصنعها بالقنيطرة من أجل تسريع تحولها لتصنيع السيارات الكهربائية

 المغرب يمنح امتيازات اقتصادية لمجموعة"ستيلانتيس" لضخ 1.4 مليار دولار في مصنعها بالقنيطرة من أجل تسريع تحولها لتصنيع السيارات الكهربائية
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 15 غشت 2025 - 17:45

 كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، أن مجموعة ستيلانتيس أحد أكبر عمالقة صناعة السيارات في العالم، أطلقت منتصف يوليوز 2025 أشغال توسعة غير مسبوقة لمجمعها الصناعي بمدينة القنيطرة بالمغرب، في خطوة استراتيجية كبرى تحمل في طياتها أبعادا اقتصادية وصناعية وجيوسياسية، ومن شأنها إبعاد جنوب أفريقيا عن مضمار التنافس في القطاع.

المشروع، الذي تبلغ قيمته الاستثمارية 1.4 مليار دولار، لا يقتصر على مجرد زيادة في الطاقة الإنتاجية، بل يمثل رهانا طموحا لمضاعفة قدرة المصنع على تجميع المحركات ثلاث مرات وتعزيز حصته في سوق السيارات الكهربائية، في وقت تتزايد فيه حدة المنافسة بين المغرب وجنوب إفريقيا على زعامة صناعة السيارات بالقارة السمراء، وهي المنافسة التي أخذت أبعادا جديدة مع التحولات العالمية في قطاع النقل.

وتشير المجلة إلى أن هذا المشروع حظي بدعم واسع من السلطات المغربية، التي وفرت له حزمة من الحوافز النوعية، شملت إعفاءات ضريبية، وتخصيص قطعة أرضية مجانية لإقامة الوحدات الجديدة، بالإضافة إلى برامج دعم متخصصة في التكوين المهني لتأهيل اليد العاملة المحلية على أحدث التقنيات الصناعية، وتعتبر هذه الخطوة جزءا من استراتيجية المغرب لدمج مصنع القنيطرة في سلاسل القيمة العالمية لمجموعة ستيلانتيس، بما يتيح له التحول إلى قاعدة إنتاجية متكاملة، قادرة على خدمة أسواق متعددة في وقت قياسي.

ويأتي ذلك في سياق خطة وطنية لرفع الإنتاج السنوي من السيارات من 700 ألف وحدة في 2024 إلى مليون وحدة بحلول 2025، وهو هدف يضع المغرب في مصاف أكبر المنتجين العالميين خارج القارة الأوروبية.

ويرى خبراء الصناعة أن توسعة المنطقة الصناعية بالقنيطرة وتعزيز حضور مجموعة ستيلانتيس سيؤديان إلى إحداث نقلة نوعية في صناعة السيارات بالمملكة، ليس فقط من حيث حجم الإنتاج، بل أيضا من حيث تنويع العلامات التجارية الموجهة للتصدير، إذ تضم محفظة ستيلانتيس علامات عالمية مثل بيجو وستروين وأوبل وفيات، ما يمنح المغرب قدرة أكبر على النفاذ إلى أسواق جديدة وتوسيع حصته في الأسواق التقليدية، كما أن هذا التنوع في الإنتاج يعزز مرونة الصناعة المغربية وقدرتها على التكيف مع الطلب العالمي المتغير، سواء تعلق الأمر بالسيارات التقليدية أو الكهربائية.

وفي المقابل، سلطت "جون أفريك" الضوء على وضعية جنوب إفريقيا، التي ورغم حفاظها في عام 2024 على موقعها كأكبر مركز لإنتاج واستهلاك السيارات في إفريقيا، إلا أنها تواجه سلسلة من التحديات المعقدة بعدما أدى التوسع القوي للواردات الصينية إلى تراجع مبيعات سبعة من كبار مصنعي المعدات المحليين، بينهم مرسيدس بنز وبي إم دبليو، في السوق الداخلية.

وزاد من تعقيد الوضع القرار الأمريكي بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة اعتبارا من 3 أبريل 2025، وهو ما تسبب في توقف صادرات مرسيدس بنز وبي إم دبليو إلى الولايات المتحدة، ثاني أكبر شريك تجاري لجنوب إفريقيا، لتخسر البلاد فجأة أحد أهم أسواقها الخارجية.

وترى المجلة أن التحدي الأكبر الذي يهدد مستقبل صناعة السيارات في جنوب إفريقيا هو التحول السريع نحو السيارات الكهربائية على المستوى العالمي، إذ تواجه خطر فقدان 75% من صادراتها إذا لم تدخل بقوة في إنتاج هذا النوع من المركبات، خاصة مع قرار الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حظر سيارات محركات الاحتراق الداخلي ابتداءً من عام 2035 وهذه الضغوط تضع الصناعة الجنوب إفريقية أمام ضرورة عاجلة لإعادة هيكلة بنيتها الإنتاجية وتوجيه استثمارات ضخمة نحو تطوير قدراتها في مجال السيارات الكهربائية.

في المقابل، يبدو المغرب أكثر استعدادا لركوب موجة الانتقال الطاقي، حيث يطمح إلى إنتاج 100 ألف سيارة كهربائية سنويا بعد أن سجلت مبيعاته من هذه الفئة نموا لافتا بنسبة 52% على أساس سنوي في 2024.

وتدعم هذه الطفرة خطة حكومية لزيادة البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية من 1000 محطة حاليًا إلى 3500 محطة بحلول عام 2026، وهو استثمار يعتبره المراقبون ضروريا لضمان نجاح التحول إلى السيارات النظيفة، كما يعزز جاذبية المغرب كمركز إقليمي لإنتاج وتصدير المركبات الكهربائية.

وتضيف "جون أفريك" أن هذه الدينامية بين المغرب وجنوب إفريقيا تنعكس أيضا على مستوى التوجهات الاستراتيجية في القارة، حيث يترقب البلدان الفرص التي تتيحها منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي يمكن أن تفتح أسواقًا أوسع أمام صادرات السيارات. غير أن هذه الاستفادة تبقى مشروطة بوضع قواعد منشأ واضحة وشفافة تضمن المنافسة العادلة بين المنتجين.

وفي هذا السياق، يراهن المغرب على اندماجه القوي مع أوروبا من حيث المعايير والجودة وسلاسل التوريد، بينما تميل جنوب إفريقيا إلى تعزيز حضورها داخل السوق الإفريقية، التي تمثل ثاني أكبر سوق إقليمية لها.

ويرى محللون أن دخول ستيلانتيس في مرحلة توسعة كبرى بالقنيطرة لا يمثل مجرد خطوة صناعية، بل يعكس رؤية استراتيجية أوسع للمغرب في استغلال موقعه الجغرافي كبوابة بين أوروبا وإفريقيا، وتوظيف استقراره السياسي وبنيته التحتية المتطورة لجذب المزيد من الاستثمارات الصناعية عالية القيمة.

 وفي المقابل، فإن استمرار الضغوط الاقتصادية على جنوب إفريقيا، وتباطؤ استجابتها لمتطلبات التحول التكنولوجي، قد يمنح المغرب فرصة تاريخية لتعزيز موقعه الريادي في صناعة السيارات على مستوى القارة، وربما التفوق على منافسه التقليدي في هذا المجال خلال السنوات القليلة المقبلة.

إضافة إلى البعد الصناعي المباشر، يرى محللون اقتصاديون أن توسعة مصنع ستيلانتيس في القنيطرة تحمل دلالات جيو–اقتصادية أوسع، إذ تتقاطع مع مسار إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية بعد جائحة كوفيد-19، ومع رغبة أوروبا في تنويع مصادر الإمداد وتقليل الاعتماد على آسيا.

وفي هذا السياق، يبرز المغرب كحلقة وصل مثالية بين السوق الأوروبية وأسواق إفريقيا جنوب الصحراء، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، واتفاقياته التجارية الواسعة، واستقراره السياسي الذي يجعله بيئة مفضلة للاستثمار طويل الأمد. هذه العوامل، إلى جانب البنية التحتية المتطورة للموانئ والطرق والسكك الحديدية، تمنح الرباط أوراق قوة تجعلها مرشحة لقيادة محور صناعي مغربي–أوروبي قادر على منافسة المراكز الصناعية التقليدية في آسيا وأمريكا اللاتينية.

في المقابل، يظل المشهد الإفريقي أمام معادلة معقدةـ فبينما يسرّع المغرب من وتيرة الانتقال الطاقي وإدماج التكنولوجيا الحديثة في إنتاجه، تجد جنوب إفريقيا نفسها مطالبة بإصلاحات هيكلية عاجلة للحفاظ على موقعها، وسط منافسة آسيوية متنامية وضغوط من شركائها التجاريين الكبار، وإذا ما نجح المغرب في استغلال الفرص التي تتيحها المرحلة الراهنة، فإن السنوات المقبلة قد تشهد تحولا جذريا في ميزان القوى الصناعي بالقارة، مع صعود الرباط إلى موقع اللاعب المرجعي في صناعة السيارات، ليس فقط كمورد للأسواق الأوروبية، بل كمحرك رئيسي لقطاع السيارات في إفريقيا بأسرها.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...