بعد أن زار بركة وقيادات من الاستقلال قبر علال الفاسي.. على من يقرؤون الفاتحة.. على المُؤسس أم على الحزب؟
ظهر نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، أمس السبت، رفقة مجموعة من قيادات الحزب وهو يتلو الفاتحة ترحما على الزعيم التاريخي للاستقلاليين علال الفاسي بضريحه في مدينة الرباط بحضور نجله عبد الواحد الفاسي، قبل أن يعرج على قبر المقاوم علال بن عبد الله الذي استُشهد خلال محاولة اغتيال محمد بن عرفة، الذي نصبه الاحتلال الفرنسي سلطانا على المغرب إثر إبعاد محمد الخامس عن العرش ونفيه إلى جزيرة كورسيكا.
وحاول بركة استعادة بعض من ذاكرة حزبه الذي كان جزءا من الحركة الوطنية المطالبة باستقلال المغرب، بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب التي اندلعت يوم 20 غشت 1953، لكن المثير للانتباه أنه كان يقف على قبري الفاسي وبن عبد الله رفقة المقربين له من حزب الاستقلال، ودون مناوئيه من أعيان الجنوب، وتحديدا حمدي ولد الرشيد وأنصاره، ليبدو الرجل الذي قاد الاستقلال إلى الرتبة الثالثة في انتخابات 2021، وكأنه يقف على قبر حزبه ويقرأ الفاتحة على روح "الوحدة" داخله.
ولا يعيش حزب الاستقلال أفضل أيامه داخليا، كما لا يبدو تأثيره على الساحة السياسية الوطنية ملموسا، فالحزب الذي اختار لفريقه النيابي اسم "الوحدة والتعادلية"، يبدو بعيدا عن هاتين الصفتين، وهو الذي يعيش معارك حرب طاحنة تريد أن تطيح ببركة من موقع الأمين العام، وهي رغبة استبدت بأعيان الصحراء الذين يرون أن مركز ثقل الحزب انقل من فاس إلى العيون، وأن كفة "الميزان" تميل للجنوب على حساب مواقعه التقليدية التاريخية.
وفي الوقت الذي أتمت فيه نتائج الانتخابات العامة التشريعية والجهوية والجماعية حولا كاملا، وهي التي أعطت لبركة وزارة التجهيز والماء، ونور الدين مضيان متزعم استقلاليي الريف، رئيس الفريق النيابي، ثم النعم ميارة صهر ولد الرشيد، رئاسة مجلس المستشارين، يبدو حزب الاستقلال مشتتا داخليا أكثر من أي وقت مضى، بسبب التعديلات التي يريد أنصار ولد الرشيد إدخالها على النظام الداخلي، بما يحول الأمين العام واللجنة التنفيذية والمجلس الوطني إلى "دمى" بين أيديهم.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فحزب الاستقلال في عهد بركة تحول إلى ضلع ثالث في مثلث الحكومة، لكن أهميته أدنى من حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، ففي الوقت الذي يحضر فيه الأول كزعيم للأغلبية بقيادة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والثاني كنِدٍّ سياسي له يملك صوتا مسموعا يمثله أمينه العام ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، لا يكاد يبدو أي أثر سياسي لحزب الاستقلال حتى في القضايا الكبرى التي يعيشها المغرب، وآخرها، بل وأهمها، أزمة ارتفاع الأسعار وحملة المطالبة برحيل أخنوش.
وكان ذلك جليا حتى في لحظة تقاسم الحقائب الوزارية، حين اكتفى الاستقلاليون بـ4 حقائب في مفاوضات أشرف عليها بركة بنفسه، لكن ما أغضب البيت الداخلي لحزب الميزان كانت هي الأسماء التي جرى توزيرها، فباستثناء الأمين العام، لم يكن للباقين أي حضور في دواليب الممارسة السياسية، بمن في ذلك وزير النقل واللوجيستيك محمد عبد الجليل، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور، ووزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار، لدرجة أن الكثير من المتتبعين للشأن السياسي يعتبرون أن "الاستقلال" أضحى مجرد عباءة سياسية للوزراء التكنوقراطيين.
ووسط كل ذلك أضحى صوت الاستقلاليين خافتا في اللحظات الحاسمة، مع أمينٍ عام يواجهُ أزمتي عطش، الأولى تلك التي يرغب المغرب في تفاديها بسبب الجفاف، والثانية ناجمة عن رغبة خصومه في إزاحته عن موقعه متعطشين لأدوار أكبر يعتقدون أنها لم تخلق للأمين العام الحالي الذي يؤثر السلامة والصمت دون رد فعل رغم الاعتقاد السائد بأنه يقود الحزب إلى حتفه ببطء.