بعد قتل قيادي من البوليساريو بصاروخ من طائرة مُسيّرة.. هل بدأت الجبهة تدرك أنّ أيّ حرب مع المملكة "انتحار حقيقي"

 بعد قتل قيادي من البوليساريو بصاروخ من طائرة مُسيّرة.. هل بدأت الجبهة تدرك أنّ أيّ حرب مع المملكة "انتحار حقيقي"
الصحيفة - وسام الناصيري
الأثنين 12 أبريل 2021 - 12:00

طيلة أزيد من 47 سنة من الصراع الذي كان مسلحا في الكثير من السنوات بين المغرب وجبهة البوليساريو الإنفصالية المدعومة من الجزائر، دخلت الجبهة في حروب كثيرة ضد المملكة المغربية، مدعومة من "ثوار الفكر الماركسي" أواسط القرن الماضي مثل معمر القذافي، وفيديل كاسترو، وهوغو تشافيز، والهواري بومدين.

وطيلة هذه العقود اقتنعت - تدريجيا - العديد من الدول خصوصا بعد انهيار المعسكر الشرقي أن الحركات الانفصالية هي وليدة زمن ولّى، وورقة ظلت العديد من الدول الغربية تلعب بها وفق مصالحها الجيوسياسية، وهو ما جعل جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الجنوب المغربي لإنشاء دولة، تدخل طيلة ثلاثة عقود في حرب ضد المغرب بدعم مطلق للجزائر، حيث جعل النظام العسكري الجزائري من الجبهة آلية لخوض حرب اسنزاف غير مباشرة ضد المملكة في صراع تاريخي على الزعامة في المنطقة.

وطيلة هذه العقود التي أصبحت فيها الجزائر حاضنة رسمية لجبهة البوليساريو ماليا وديبلوماسيا، بعد أن بنى النظام في قصر المرادية "الكثير من الأوهام" لتحقيق "دولة صحراوية" جنوب المغرب وتقزيم حجم المملكة التاريخي، وتحقيق زعامة مفترضة للمنطقة.

ولم يتأكد الانهيار التام لهذه الأوهام إلا الأسبوع الماضي، بعد مقتل الداه البندير الذي كان قيد حياته يحمل صفة قائد ما يسمى بـ"الدرك" التابع لجبهة البوليساريو، بعد قصفه رفقة بعض أعضاء الجبهة بصاروخ من طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة الملكية.

هذا التغير النوعي في طبيعة الصراع، يبدو أن الجزائر وقيادات الجبهة لم تكن تضعه ضمن حسابتها التكتيتكة، ولم تدرك أن موازين القوى العسكرية قد تغيرت بشكل كبير ولم تعد صالحة للمقارنة. هذا المعطى يبدو أنه غاب سواء عن النظام الجزائري أو عن الجبهة الانفصالية، حيث بقي الخطاب هو نفسه دون تطور قياسا بالوقائق على الأرض حيث الجبهة مازالت تتحدث عن "الأقصاف" وعن "الحرب الشاملة" وعن "تخندقات العدو" وعن "الخسائر الكبيرة" وعن حرب وهمية ضد الجيش المغربي، قبل أن يتضح أن وسائلها بدائية جدا، وموازين القوى العسكرية تغيرت بشكل مهول، وأن الجيش المغربي الذي واجه البوليساريو في السبعينات والثمانينات ليس هو الجيش المغربي سنة 2021.

وكل هذه المعطيات أدركها النظام الجزائري كما أدركتها قيادات جبهة البوليسايو بشكل متأخر وترجمها تسجيل مسرب للقيادي في الجبهة الإنفصالية المصطفى البشير مصطفى حينما أكد أن "مقتل القيادي الميداني الداه البندير نفذه الجيش المغربي بواسطة طائرة مسيرة يصعب للرادارات التقليدية تعقبها"، وهو ما جعل عناصر الجبهة، عمليا، خارج أي حرب مفترضة مع الجيش الملكي النظامي، بحكم فوارق الامكانيات، مما يجعل أي عملية عسكرية لعناصر البوليساريو قرب الجدار الأمني بمثابة انتحار محقق.

وطيلة العقود الماضية، ظل الجيش المغربي يطور من امكانياته العسكرية ويتسلح بآخر ما أفرزته تقنيات الحروب الحديثة، وهو ما جعله يبرم العديد من الصفقات التي تخص اقتناء "الطائرات المسيرة" الإسرائيلية، والأمريكية والصينية الصنع، حيث أصبح يتوفر علي سرب كامل من هذه الطائرات المختصة في الرصد والاستطلاع والتجسس والتي يتوفر بعضها على تسليح كامل للقيام بمهمات معقدة والعودة إلى قواعدها بدون خسائر بشرية في حرب "نظيفة" تدار من قاعدة بنكرير نواحي مدينة مراكش.

وأدرك المغرب أن حروب المستقبل سيربحها من يستطيع أن "يسيطر على السماء"، وهو ما جعله يبرم العديد من الصفقات لتدعيم سلاح الجو بطائرات مسيرة للتجسس والاستطلاع وبعضها مزود بصواريخ موجهة بدقة عالية لقنص الأهداف الأرضية.

وعليه، وقع المغرب مع إسرائيل على صفقة تسلح حصل بموجبها على 3 طائرات "درون" بدون طيار، تُستخدم في الاستطلاع الجوي لرصد المناطق المستطلعة وجمع المعطيات حولها.

وفي شتنبر 2019 كشف تقرير لمركز دراسات الطائرات الموجهة عن بعد "Drone Center" أن المعلومات حول السرب المغربي من هذه القطع العسكرية الجوية قليل جدا، لكنه تحدث عن أن الرباط وقعت، أيضا، مع باريس في 2014 اتفاقية لاقتناء 3 قطع من طائرات IAI Heron، وهي طائرات "درونز" من الجيل الرابع تصنعها شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية وتُستخدم من طرف العديد من الجيوش القوية في العالم مثل الجيش الفرنسي والأمريكي والكندي والألماني والتركي والهندي، بالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي.

كما كشفت تقارير إعلامية أن القوات المسلحة الملكية المغربية تتوفر أيضا على طائرات مسيرة موجهة عن بعد من نوع MQ-9-Reaper، والملقبة بـ"قاتل السماوات"، وهي عبارة عن "درون" عملاقة يصل طولها إلى 11 مترا وعرضها عبر الأجنة إلى 20 مترا، ويصل إجمالي وزنها إلى طنين، كما تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات.

ووفق تلك التقارير، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تملك 93 نسخة من مثل هذه الطائرات التي تصنع بالمصانع العسكرية لمؤسسة "General Atomics Aeronautical Systems"، متخصصة في تصنيع "الدرونز" وأنظمة الرادار وتطبيقات الملاحة الجوية المدنية والعسكرية، غير أن دولا أخرى في العالم تملك مثلها جميعها تصنف في خانة حلفاء واشنطن، مثل المملكة المغربية.

وتتميز هذه الطائرة بقدرات عالية، إذ تبلغ سرعتها 370 كيلومترا في الساعة، ويمكنها التحليق على علو يزيد عن 15 ألف متر، وفي نطاق واسع يصل إلى 1850 كيلومترا، وتستخدم ذخائر هجومية موجهة بالليزر من طراز "Unit-12 Paveway II" و"GBU-38"، كما تحمل 4 صواريخ أرض جو من نوع "AGM-114 Hellfire".

في سياق مرتبط، كشفت تقارير متخصصة عن توفر المغرب على أسطول من طائرات "هيرميز 900" الإسرائيلية المسيرة ذات القدرات الاستخباراتية العالية والتي يمكنها أيضا المشاركة في مهام قتالية، وهي نفسها الطائرة التي استخدمها جيش أذربيجان خلال حربه الأخيرة مع أرمينيا في إقليم "ناغورني كارباخ" ذي النزعة الانفصالية، والذي انتهى بانتصارها واستعادة السيطرة على المنطقة.

وطائرة "هيرميز" تتميز بخصائص تقنية عالية، إذ يمكنها أن تطير على علو 9000 متر بسرعة تصل إلى 250 كيلومتر في الساعة ويمكنها مواصلة التحليق بشكل مستقل لمدة 30 ساعة كاملة، ويمكنها أن تحمل ما يصل إلى 350 كيلوغراما، وحسب معطيات الشركة المصنعة، فإن الطائرة تحمل مستشعرات "كهربائية بصية" وأخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء، كما تحمل على متنها محددات للأهداف الأرضية المتحركة ورادارات ونظام اتصالات واستخبارات.

هذا في الوقت الذي وافق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض على بيع المغرب ثلاث طائرات مسيرة من آخر جيل، وأكدتها إدارة بايدن حسب ما نشرته وكالة رويترز، حيث من المنتظر أن يحصل المغرب علي هذه الطائرات خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وحسب المعطيات التي حصل عليها موقع "الصحيفة" فإن الجيش المغربي يضع قاعدة "بن كرير" قرب مدينة مراكش مركزا لعمليات طائراته المسيرة، حيث تقوم "الدونات المغربية" بالعديد من العمليات الاستطلاعية خلف الجدار الأمني في الصحراء المغربية، قبل عودتها لقاعدة بن كرير، والمرة الوحيدة التي استعملت طائرة مسيرة في عملية قتالية كان الأسبوع الماضي، حيث نفذت إحدى هذه الطائرات قصفا جويا أودى بحياة الداه البندير أحد قيادات الصف الأول لجبهة البوليساريو رفقة بعض معاونيه الذين كانوا ينوون القيام بعملية عسكرية قرب الجدار الأمني المغربي.

استعمال المغرب لطائرة مسيرة لقصف انفصاليين حاولوا استهداف الجيش المغربي، يعتبر عملية نوعية، وتغييرا كبيرا في التعامل مع مناوشات عناصر الجبهة خلف الجدار، كما أنه تحذير صارم من أن أي اقتراب من الجدار الأمني هو عبار عن انتحار حقيقي.

ويبدو أن جبهة البوليساريو وحتى الجزائر تفاجأت من استعمال المغرب لطائرة مسيرة في تأمين حدوده، حيث بدأت القوات المسلحة الملكية، فعليا، في خوض "حروب المستقبل" التي تدار بالطائرات المسيرة وتسيّد السماء، وهو ما أصبح واقعا فعليا بالنسبة للجيش المغربي الذي يدير سرب الطائرات المسيرة التي يمتلكها من إحدى البنايات في قاعدة بنكرير العسكرية، من خلال استخدام آخر تقنيات الحروب من أقمار اصطناعية للتجسس والتصوير على الأرض وتوظيف معطيات قمريين اصطناعيين إثنين أحدهم متخصص في التجسس ورصد كل صغيرة وكبيرة على الأرض بدقة عالية جدا، قبل اتخاذ القرار العسكري الحاسم.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...