بين رؤية محمد السادس وإستراتيجية لقجع.. صحيفة فرنسية تتعقبُ تحوُّلَ كرة القدم لـ "قوة ناعمة" للمغرب في إفريقيا والعالم
المغرب لا ينظر إلى استضافته لكأس إفريقيا للأمم 2025 ولا لاستعداده لتنظيم مونديال 2030 باعتبارهما حدثين رياضيين معزولين بل كجزء من سياسة دولة واضحة توظف كرة القدم كأداة قوة ناعمة لتعزيز الحضور الدبلوماسي وترسيخ صورة بلد صاعد في القارة الإفريقية والعالم، وفق تصور صحيفة "ويست فرانس" التي ربطت التطور الرياضي الذي عرفته المملكة خلال العقد الأخير برؤية سياسية ملكية طويلة النفس، ترى في كرة القدم وسيلة لإبراز النفوذ، بناء التحالفات، وإعادة تقديم "القوة المغربية" على المستويين القاري والدولي.
وأوردت الصحيفة الفرنسية ذائعة الصيت، في تقرير تحليلي عنونته بـ "كيف يستخدم المغرب كرة القدم كقوة ناعمة؟" أن كرة القدم امتداد لسياسة ملكية متدرجة أكثر من كورنها مسار تقني لتطوير لعبة جماهيرية، مشيرة إلى أن المغرب، الذي يستضيف كأس إفريقيا للأمم 2025 ويستعد لاحتضان مونديال 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، لا يظهر فقط كبلد نجح في كسب ثقة الاتحاد الإفريقي والفيفا من حيث القدرة التنظيمية بل نجح دبلوماسيا بشكل لافت فهو قبل ذلك واحد من أكثر البلدان الإفريقية وعيا بأهمية كرة القدم كأداة للتأثير الرمزي والسياسي باعتبارها وسيلة لإبراز الحضور على الخارطة القارية ولمنافسة جيرانه ولإعادة إنتاج صورة ذاتية جديدة عن "المملكة الشريفة" في الداخل والخارج.
ومنذ تولي فوزي لقجع رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سنة 2014، انخرط المغرب في مسار متدرج لإعادة بناء بنيته الكروية بما فيها استثمارات في الملاعب والمراكز الرياضية، إعادة هيكلة المنتخبات، توسيع شبكة التكوين، وحضور متزايد داخل دوائر القرار في الاتحاد الإفريقي لكن "ويست فرانس" تشدد على أن هذا التحول ليس مسارا تقنيا معزولا بقدر ما هو جزء من "سياسة ملكية حقيقية" كما ينقل التقرير عن أحد المتخصصين انطلقت قبل حوالي عقد من الزمن وجعلت من كرة القدم رافعة مركزية في مشروع القوة الناعمة للمغرب.
من هذا المنظور، لا يستهدف المغرب مجرد تحسين مردودية منتخبه الأول أو أنديته في المسابقات القارية، بل تثبيت نفسه كقوة رياضية مرجعية في شمال إفريقيا والقارة ككل وهنا تحضر المنافسة غير المعلنة مع الجزائر كما يلمّح إليها المقال الفرنسي من خلال بلدان تتواجه دبلوماسيا في ملفات استراتيجية وتجعل من الكرة امتدادا لهذا التنافس الرمزي سواء في سباق تنظيم التظاهرات أو في حضورها في أجهزة الكاف أو في سرديات ''من الأقوى كرويا في المنطقة''.
لكن النفوذ الذي يتحدث عنه الخبراء لا يمر عبر المواجهة المباشرة لوحدها بل أيضا عبر سياسة تراكمية هادئة تقوم على خمس محاولات لاستضافة كأس العالم انتهت بالحصول على تنظيم 2030 في صيغة مشتركة واحتضان "الكان" بصيغة موسعة تضع المملكة في قلب الخريطة الكروية الإفريقية وتحويل البنيات التحتية الرياضية إلى واجهة لعرض "المغرب الجديد" من خلال ملاعب حديثة، طرق وسكك، فنادق وقدرة لوجستية تستجيب لمعايير كبرى المسابقات العالمية.
في قلب هذه السياسة، تضع "ويست فرانس" الملك محمد السادس بوصفه مهندس الرؤية إلى جانب فوزي لقجع كوجه تنفيذي تقني وباعتباره سياسي المنظومة الكروية فالتقرير يربط بوضوح بين الطابع الملكي للخيار الرياضي وبين الاستخدام السياسي المنظم لصور الانتصار من خلال مشاهد مونديال 2022 هي بالنسبة للصحيفة الفرنسية لحظة إبهار كروي استثمار وسياسي مكثف.
وأورد التقرير أن "استقبال الملك للاعبين رفقة أمهاتهم ومشاهد الفرح الجماعي في الشوارع والتحول المفاجئ لصورة المغرب عالميا وهو أول بلد إفريقي يصل إلى نصف النهائي"، كلها عناصر تقرأها الصحيفة كجزء من "وضع الأمة على المسرح" عبر كرة القدم، وإعادة تقديم المغرب كقصة نجاح صاعدة في قارة تبحث عن رموز إيجابية.
ويذهب أحد الخبراء الذين استجوبتهم الصحيفة إلى حد القول إن كرة القدم تحولت إلى ''لغة سياسية كاملة الأركان'' في المغرب فهي أداة لتوحيد الجبهة الداخلية حول رمز ملكي يجسد طموح بلدٍ يريد أن يثبت أنه قادر على الانتصار في ميادين غير تقليدية كما هي وسيلة لإعادة تقديم الشباب المغربي بوصفه فاعلا منتصرا لا مجرد ضحية لأزمات البطالة والهجرة والحيف الاجتماعي.
وتذكر الصحيفة في هذا السياق، الأداء البارز للمنتخب الوطني في كأس العالم بقطر، وتتويج لاعبين مغاربة بجائزتي الكرة الذهبية الإفريقية، بوصفهما جزءا من رأسمال رمزي جديد تستثمره المملكة بعناية.
البعد القاري حاضر بقوة في المقال فالمغرب كما تشرحه الصحيفة الفرنسية يستخدم الكرة لتثبيت صورته أمام الرأي العام الغربي والشركاء الأوروبيين وأيضا للتأثير داخل إفريقيا من خلال دعم اتحادات كروية، استقبال معسكرات تحضيرية، تنظيم مسابقات، نسج علاقات شخصية ومؤسساتية داخل الكاف وهي كلها كلها أدوات لنسج شبكة نفوذ ناعمة تُكمّل مسارات دبلوماسية واقتصادية أخرى بما فيها استثمارات في البنيات التحتية، شراكات في الطاقة والفلاحة، وعودة مدروسة إلى الاتحاد الإفريقي.
وبهذا المعنى، يتحول "الملعب" إلى فضاء تفاوض سياسي صامت سيما وأن اختيار المغرب لاستضافة المسابقات القارية، وتزايد وزن ممثليه في الأجهزة الرياضية، لا ينفصل عن رهانات أوسع تتعلق بقضية الصحراء المغربية وبالرغبة في كسب حلفاء ومواقف داخل القارة.
الصحيفة الفرنسية، لا تقول ذلك بشكل مباشر لكنها تفتح الباب للتأويل حين تشير إلى أن كرة القدم تُستخدم لإثبات الوجود "خاصة على المستوى القاري" وأنها جزء من استراتيجية لإبراز المغرب كقوة قادرة على تنظيم، تمويل، وتأمين الأحداث الكبرى.
في المقابل، لا تغفل "ويست فرانس" عن الإشارة إلى أن هذه القوة الناعمة تظل رهينة باستمرارية المشروع واستقراره فهل يمكن بناء سياسة دولة على قاعدة نتائج رياضية بطبيعتها متقلبة؟ هنا يظهر صوت حذر لدى بعض الخبراء، الذين ينبهون إلى مخاطر اختزال صورة بلدٍ كامل في نجاح منتخب أو جيل ذهبي وإلى ضرورة ربط السياسة الرياضية بإصلاحات أعمق تمس الحوكمة، تمويل الأندية، تكوين الأطر، ودمقرطة الولوج إلى الممارسة الكروية خارج النخبة.
ومع ذلك، يبقى الانطباع العام الذي ينقله التقرير الفرنسي هو أن المغرب نجح في ظرف عقد تقريبا، في أن يتحول من بلد يُنظر إليه كمرشح مزمن لاحتضان البطولات دون أن يحظى بها إلى فاعل مركزي في جغرافيا كرة القدم العالمية من تنظيم "الكان" إلى المشاركة في تنظيم المونديال مرورا بإنجاز 2022 وبروز لاعبين مغاربة على منصات الجوائز الإفريقية والعالمية.
ويقدم هذا التناول الصحافي صورة بلدٍ يدير كرة القدم كسياسة عمومية كاملة تُدمج فيها الاعتبارات الجيوسياسية، والصورة الدولية، وتماسك الجبهة الداخلية، وسباق النفوذ داخل القارة الإفريقية فكرة القدم هنا هي أحد أذرع القوة الناعمة للمملكة تُستثمر بدقة في زمن أصبح فيه تأثير الصورة والرمز لا يقل أهمية عن صفقات السلاح والاتفاقيات الاقتصادية.




