بَغداد: العرب مُقبلون على "التدمير الذاتي".. وإسلاميو الجزائر يتربصون بالسلطة

 بَغداد: العرب مُقبلون على "التدمير الذاتي".. وإسلاميو الجزائر يتربصون بالسلطة
حوار - هشام الطرشي
الخميس 23 ماي 2019 - 20:45

منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن نيته الترشح لعهدة خامسة في العاشر من فبراير الماضي، والجزائر تعرف مسيرات واحتجاجات وغليان شعبي لم تشهده بلاد المليون شهيد من قبل.

ردود فعل لم يكا ممكنا لأي طرف في الجزائر التكهن بمآلاتها، لكن الثابت أن مخلفات ذلك الإعلان لا تزال تداعياته مستمرة إلى اليوم. ولعل أبرز تمظهراتها الاحتجاجات التي لم تعد العهدة الخامسة سقفا لها، بل حلقت عاليا في سماء الحرية والديمقراطية لتلامس مطلب إسقاط النظام ومحاكمة كل المفسدين.
في هذا الحوار يُشرّح الدكتور محمد بغداد وهو إعلامي وباحث أكاديمي جزائري، الوضع الراهن للحراك الشعبي في الجزائر، وسياق تحريك المتابعات القضائية في حق عدد من النافذين في عالمي المال والسياسة.

- هل لك أن تضعنا في سياق الوضع الراهن للحراك في الجزائر، مُكوناته السياسية، مطالبه وغاياته؟

من السابق لأوانه تحديد صورة دقيقة لظاهرة "الحراك الشعبي" في الجزائر كونه لم يصل إلى تلك المرحلة من الدراسة والتأمل والتمحيص، ولم يخضع لعمليات التحليل وجمع المعطيات الكافية التي تحدد هويته وطبيعته.

ولهذا يكون من المغامرة المسارعة إلى تقديم قراءة لظاهرة "الحراك الشعبي"، إلا أن التقديرات الأولية تجعله يندرج في مسار ظاهرة "الربيع العربي".

الحراك في الجزائر بدأ مع مرض رئيس الجمهورية، وزاد من تفاعلاته نتائج إدارة الفترة الرئاسية (2014-2019)، والتي كان من نتائجها الظاهرية هذا الحراك الذي ما يزال في بدايته، وهو قابل للتطور وأخذ أبعاد تتجاوز المحددات السياسية الأولية المتمثلة في إدخال تعديلات على النظام السياسي.

- كيف تقرؤون اعتقال شخصيات نافذة وفتح التحقيق معها؟

إن موضوع الاعتقالات للشخصيات السياسية النافذة في النظام السياسي، معروفة ومتداولة منذ بداية "الربيع العربي" وفي كل البلدان التى عرفت هذه الظاهرة، وإن تباينت مستوياتها ودلالتها ومساراتها، وكذلك نتائجها، إلا أن الاعتقالات في الجزائر ما تزال في بدايتها وهي في مرحلة التحقيق القضائي الأولي، وهي المرحلة التي ستتطلب وقتا طويلا، بحكم طبيعة الاجراءات القانونية والقضائية المعروفة، وستواجه الكثير من التحديات، في مقدمتها حالة عدم الإقتناع بجدواها وتوقيتها من طرف المزاج العام، الذي يعتبره الجزء الطاغي فيه أنها ليست من الأولويات في الوقت الحالي، إلا أنها تمكنت من إحداث الكثير من تعديل ميزان القوى في ظاهرة "الحراك الشعبي". 

ومن منظور المتابعة الإعلامية لملفات الفساد التى تم فتح التحقيق بخصوصها، تعتبرها بعض الجهات نتيجة أولية للضغط الشعبي، الذي نتج عن الحراك، وتعتبر خطوات استباقية من طرف القيادات الحالية لإثبات حسن نواياها، في السير نحو تمهيد الأرضية المناسبة لما يأتي بعدها من خطوات، والأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة والرهانات.

- من خلال قراءة المعطيات على أرض الواقع، هل تجدون حراك الجزائر أقرب للسيناريو المصري أم للسيناريو التونسي؟

إن ظاهرة "الربيع العربي" تعرف حالة من التطور الذاتي والجماعي من حيث التشابه في عدد من المعطيات والتباعد في الكثير من الأوجه بحكم خصوصية البلدان التى تظهر فيها. فلحد الآن النماذج السابقة لظاهرة "الربيع العربي" في الدول التي عرفتها تجعل منها تغيرات غير هيكلية وغير عميقة لبنية النظام السياسي العربي في نسقه الكلي.

كما أن النتائج الأولية التى ظهرت، أصابت الشعور الجمعي بإحباط كبير وألحقت به ضربات مؤلمة وكبدته خسائر جسيمة، مما جعل منها حالات أقرب إلى الانتحار الذاتي، دون أن تتمكن الأصوات المبشرة بالجوانب المشرقة من نتائجها.
ولكن الثابت من الأمور أن ظاهرة "الربيع العربي" سواء تشابهت أو تناقضت في نماذجها لم تصل إلى تلك المستويات التى يتطلع إليها المواطن العربي، حيث ألحقت بالمنطقة كوارث لا يمكن وصف القدرة التي يمكن أن تتحملها المنطقة. وفي كل الأحوال فإن المنطقة العربية مقبلة على حالة من الدمار الذاتي لا يصل التصور إلى تجاوزها إلا بعد قرون من الزمن، ونظرا للظروف الدولية والإقليمية فإن ظاهرة "الربيع العربي" لم تستفد من مساهمة النخب والمؤسسات في التخفيف من آثارها التاريخية المؤلمة.

كما أن هناك عائق آخر يواجه ظاهرة "الربيع العربي" في تحقيق الأهداف الكبرى المُعلَنة، والمتمثل في عدم توفر القدر المناسب من استيعاب التجارب وقراءة الظواهر بطريقة جيدة وعميقة، تمكن بعض الشعوب العربية ونخبها من تجاوز عقبات وهفوات وأخطاء من سبق الانخراط في ظاهرة "الربيع العربي"، مما يجعل من فهم هذه الظاهرة لا يزال بعيدا في الوقت الراهن، خاصة وأن النخب لا تمتلك القدر الكافي من الخبرات والقدرات التي تجعلها في مستوى تجنب مخاطرها.

- التاريخ الحديث للجزائر يقر بوجود بنية تنظيمية قوية للتيارات الإسلامية، ما هو موقعها في هذا الحراك وما مدى تأثيرها فيه وتوجيهه؟

التيارات الإسلامية متجذرة في النسيج العميق للمجتمعات العربية والإسلامية بمستويات مختلفة وتجليات متباينة، وإن كانت التيارات الإسلامية لها خصوصية في منطقة المغرب العربي من أبرزها الضعف في مهارات الممارسة السياسية، نتيجة الاندماج الكثيف للمعاني الاجتماعية والسياسية والثقافية. وإن كانت الأجيال الجديدة للتيارات الإسلامية لم تتجاوز عتبات الصراع مع الدولة الوطنية وإرث النزاع مع النخب البرجوازية الحاكمة.
وبخصوص الحراك الشعبي في الجزائر فإن التيارات الإسلامية تمتلك خبرات جيدة في ممارسة الاحتجاج والتمكن من أدواته والتحكم في اتجاهاته وإدارة مستوياته، إلا أنها في هذه الحالة من الاحتجاج (الحراك الشعبي) لم تكن قائدة له لعدة اعتبارات في مقدمتها طبيعة الحراك نفسه الذي رفض القيادة منذ البداية (سواء الذاتية أو الخارجية) مما جعل التيارات الإسلامية تستخدم استراتيجية الاحتواء واستغلال القوة الاحتجاجية في الحراك وتوظيفه لصالحه، عبر أداة الشعبوية الطاغية والرصيد النضالي الاحتجاجي واستغلال الرأسمال الرمزي (مصادمة العدو التاريخي، التعويل على مقارعة الفساد، الاتكاء على محمولات التاريخ) المهيمن على الذهنية الجماعية. 

ولكن التيارات الإسلامية عملت على استثمار تكتيك المراوغة من خلال عدم تقديم نفسها على أنها متسرعة في الوصول إلى السلطة والاستحواذ على الدولة وقطع الطريق على الحراك في تحقيق أهدافه، وهو تكتيك يقوم على فهم جيد للتحولات الدولية والمعطيات الاقليمية، ومحاولة منها للضغط على الطبقة السياسية المترددة في التعاطي مع إفرازات الحراك الشعبي، في انتظار انهاك الجميع للانطلاق نحو الاستحواذ العلني على الفضاء العام، لما تمتلكه من أدوات وخبرات في التحكم في هذا الفضاء العام.

- من المعلوم أن منطقة القبائل لها وضع خاص من داخل الدولة الجزائرية، ما هو وضع الحراك في المنطقة، وما مدى تأثير الشخصيات المنحدرة منها في رسم معالم السياسة الداخلية والخارجية للجزائر في المرحلة المقبلة؟

من المميزات الأساسية والخصائص الذاتية للمجتمع الجزائري، وبنظرة إلى مساره التاريخي يتجلى لنا أن المجتمع الجزائري غير متورط في أتون الأثنية ومشاكلها المؤلمة، وقد عبرت الكثير من المحطات التاريخية الصعبة أن تأثير التنوع بمختلف أشكاله ومستويات تعبيره غير مؤثر في السياق العام ولا يتجاوز التنوع الثقافي العادي الذي يميز كل مجتمع.
والمتتبع لظاهرة "الحراك الشعبي" في حالته الأولية، يجد أن المزاج الكلي اتخذ طابعا عاما وكليا بمستوى وطني، دون التورط في الإثنية أو الجهوية، كون الحالة النفسية والتعبيرات المصرح بها لم تتجاوز مستوى الطموحات الجماعية المرغوب فيها لتحقيق الكرامة والمساواة والعدالة، والرغبة في الوصول إلى حالة من الاستقرار الاجتماعي والأمن الاقتصادي.

غير أن توازن القوى السياسية في التمثيل الانتخابي أو الوصول إلى السلطة والتحكم في مفاصيلها فهو مرهون بالعديد من المعطيات البعيدة عن المكونات الاجتماعية أو الثقافية للمجتمع الجزائري.
إلا أن هناك ميولات مهمة ومتسرعة في مؤسسات الإعلام الغربي، تفضل أن تراهن على مثل هذه التباينات في البنية الاجتماعية والهيكلية الثقافية للمجتمعات العربية والإسلامية، طبعا لتحقيق أهداف استعمارية للنمظومة الغربية في المنطقة العربية.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...