تقرير حقوقي: تدفّق 6000 مهاجر غير نظامي من الجزائر إلى المغرب عبر الحدود "المُغلقة"..  وإيداع 4380 إفريقيا طلب لجوء إلى المغرب خلال سنة واحدة

 تقرير حقوقي: تدفّق 6000 مهاجر غير نظامي من الجزائر إلى المغرب عبر الحدود "المُغلقة"..  وإيداع 4380 إفريقيا طلب لجوء إلى المغرب خلال سنة واحدة
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 12 دجنبر 2025 - 9:00

في السنوات الأخيرة، لم تعد الحدود الشرقية للمغرب مجرد خط جغرافي يفصل بين دولتين بينهما قطيعة دبلوماسية وسياسية، بل تحوّلت إلى طريق عبور بشري كثيف يعكس تحولات عميقة في خريطة الهجرة بالمنطقة المغاربية.

وخلال سنة واحدة فقط، أحصت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدفّق ما يقارب 6000 مهاجر غالبيتهم دُفعوا دفعا من الجزائر نحو التراب المغربي.

ووفق شهادات وملاحظات ميدانية متقاطعة، يكشف المشهد  انتقال المغرب من بلد عبور إلى بلاد استقبال قسري لآلاف الأفراد الهاربين من الحروب والانهيارات السياسية في الساحل والقرن الإفريقي، وفي خلفية هذا المشهد، ترتسم صورة أكثر تعقيدا لبلد يجد نفسه مضطرا لإدارة إحدى أكبر موجات الهجرة غير النظامية القادمة من دولة جارة، في غياب تنسيق إقليمي، وفي ظل هشاشة قانونية وإنسانية يعيشها القادمون عبر الحدود.

وفي هذا الإطار، كشفت المنظمة المغربية لحقوق الانسان في تقريرها لعام 2025 الذي قُدّم في ندوة بالرباط عن دينامية جديدة في تحرك المهاجرين عبر الحدود الشرقية، فهي وحدها استقبلت 5000 مهاجر، وقدّرت العدد الإجمالي الواصل إلى المغرب عبر الجزائر بـ 6000 مهاجر وطالب لجوء، ينحدر أغلبهم من السودان ودول الساحل.

ويشير التقرير إلى أنّ هذا التدفق لم يكن مجرد حركة فردية متناثرة، بل موجة منظّمة تتحرك في اتجاه واحد عبر مسارات يعرفها الجميع شرق البلاد، حيث تُرك المهاجرون أحيانا في مناطق حدودية قاسية، قبل أن يجري إنقاذهم أو وصولهم إلى مراكز الاستقبال في وجدة والناظور وطنجة والدار البيضاء والرباط وأكادير.

وتُبرز المنظمة في تقريرها أن السودانيين وحدهم يشكلون أكثر من 75% من مجموع الوافدين، وهي ظاهرة مرتبطة مباشرة بانهيار الوضع السياسي والعسكري في السودان، ومعه ازدياد قوافل المهاجرين الذين يعبرون الجزائر نحو المغرب.

وتشمل هذه التدفقات فئات شديدة الهشاشة10% من النساء و 35% من الأطفال غير المرفقين، ما يجعل المغرب في مواجهة تحدّ إنساني معقّد، يتجاوز إمكانيات الجمعيات ويحمّل المؤسسات عبئا متناميا في ظل غياب إطار قانوني مُحْدَث للجوء والهجرة.

التقرير يشدد على أن المغرب بات "قبلة" لهذه التدفقات خلال السنوات الأخيرة لكن الكلمة هنا لا تعني رغبة من المهاجرين بقدر ما تعكس انسداد المسارات التي اعتادوا سلوكها نحو أوروبا عبر ليبيا أو تونس أو مباشرة عبر الجزائر.

ومع ذلك، تتسم وضعية هؤلاء بقدر كبير من الهشاشة، خاصة طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين المنتشرين عبر مدن عديدة  كما تُبرز المنظمة، عيش الآلاف منهم بين الخفاء والعمل غير المهيكل، وبين التنقل المستمر خوفا من الاعتقال أو الطرد.

ولأن وضعية الهشاشة تدفع غالبا نحو الاستغلال، يكشف التقرير أن آلافا من هؤلاء المهاجرين يعملون اليوم في أصعب القطاعات على غرار الزراعة بسوس ماسة وبركان، وفي أوراش البناء داخل مدن أخرى وفي الاقتصاد غير المهيكل،
إلى جانب العمل المنزلي، حيث يغيب أي شكل من أشكال الحماية القانونية.

وترى المنظمة أن ضمان حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية ضرورة ملحة، ليس فقط لاعتبارات إنسانية، ولكن لكون المغرب أصبح معنيا بما يكفي بواقعهم كي لا يتجاهل شروط عيشهم.

وفي إطار شراكتها مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أعلنت المنظمة إحالة 4380 طلب لجوء خلال السنة نفسها، ينتمي أصحابها إلى طيف واسع من الجنسيات بما فيها الكاميرون، غينيا، نيجيريا، بوركينافاسو، مالي، الصومال، إثيوبيا، إريتريا، إفريقيا الوسطى، تشاد، جنوب السودان، والسودان وهذا الرقم وحده يعكس التحول العميق في دور المغرب داخل منظومة اللجوء الدولية، فهو لم يعد نقطة عبور، بل أصبح بلد استقبال اضطراري، يستقبل طلبات لجوء أكثر مما كان يواجهه قبل عشر سنوات.

وتعرض المنظمة في تقريرها حالات تدخلها لحماية المهاجرين وطالبي اللجوء من النقل القسري نحو الحدود، خاصة عندما يُوقَفون دون وثائقهم الخاصة باللجوء، فقد تمكنت من التدخل لفائدة عشرات الأشخاص ممن جرى الإفراج عنهم وعدم ترحيلهم نحو الحدود، إضافة إلى تدخلات أخرى لفائدة 49 لاجئا وطالب لجوء في الرباط لمنع نقلهم إلى جهات أخرى داخل المغرب. هذا النوع من التدخلات يسلّط الضوء على تحديات تطبيق القانون في غياب إطار تشريعي شامل للجوء.

ولا تكتفي المنظمة بالتدخلات الإنسانية، بل تعمل على دعم طالبي اللجوء للحصول على بطائق اللجوء المسلّمة من مكتب عديمي الجنسية واللاجئين وخلال السنة المذكورة، رافقت حوالي 1190 شخصا للحصول على هذه البطاقات الأساسية، التي تتيح لهم تسوية وضعيتهم الإدارية والحصول على سند الإقامة.

هذا العمل، رغم أهميته يكشف حجم الفراغ المؤسساتي الذي تشتغل ضمنه المنظمات الحقوقية حين تكون الدولة بطيئة في تحديث ترسانتها القانونية.

وفي الجانب القانوني، يقدم التقرير مجموعة من التوصيات الجريئة أولها إلغاء تجريم الهجرة غير النظامية وتجريم الإقامة غير الشرعية، وهي خطوة تُعتبر ثورية في السياق المغاربي، لكنها منسجمة مع المقاربة الحقوقية التي تركز على المعالجة وليس العقاب و كما توصي المنظمة بتعزيز حماية الفئات الهشة القاصرين غير المرفقين، النساء ضحايا العنف أو الاتجار بالبشر، ضحايا الاستغلال، وكل من يحتاج إلى حماية دولية.

وتدعو المنظمة إلى إنشاء آليات للدعم القانوني والطبي والنفسي في المناطق الحدودية، حيث تتكدس الحالات الأكثر هشاشة، وإلى اعتماد مقاربة "تأنسن الحدود" بدل تحويلها إلى فضاء للطرد العشوائي أو الإعادة القسرية كما تطالب بإنشاء آلية وطنية لتتبع حالات الاختفاء والغرق في صفوف المهاجرين، وهو مطلب يهدف إلى معالجة واحدة من أكثر الصفحات ظلمة في الهجرة غير النظامية نحو أوروبا.

ولا يغفل التقرير الإطار التشريعي المتقادم، إذ يوصي بتسريع إصدار مشروع القانون 66.17 الخاص باللجوء وشروط منحه، وتحيين القانون 03/02 وملاءمته مع الاتفاقيات الدولية، وتعديل مدونة الشغل لضمان حقوق العمال الأجانب، بمن فيهم القادمون من الهجرة غير النظامية.

وتذهب المنظمة أبعد من ذلك بدعوتها إلى إصدار قانون شامل لمناهضة التمييز والكراهية والعنصرية، في وقت تتزايد فيه خطابات العداء للمهاجرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتختتم المنظمة مطالبها بدعوة المغرب إلى المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، من بينها بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين، واتفاقية 1961 حول الحد من انعدام الجنسية، والاتفاقية رقم 143 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بالعمال المهاجرين.

ويرى الخبير في السياسات المغاربية والهجرة العابرة للحدود،  يونس الرامي أن ما يجري على الحدود الشرقية "لم يعد يمكن وصفه بتدفّق طبيعي للمهاجرين".

وأوضح الرامي في تصريحه لـ "الصحيفة"، أننا "أمام ما يشبه الترحيل الخارجي للمهاجرين من الجزائر نحو المغرب" معتبرا أن الأرقام تكشف مسارا واحدا هو أن آلاف الأشخاص يُدفعون دفعا نحو التراب المغربي عبر نقاط تعرفها السلطات الجزائرية جيدا زهذا ليس خطأ جغرافيا وإنما قرار سياسي بصيغة غير معلنة."

ويضيف الرامي بلهجة أكثر مباشرة:"الجزائر تُغلق أبوابها جنوبا وشرقا، وتفتحها فقط في اتجاه واحد الغرب وهي طريقة لتفريغ أحقادها السياسية و الضغط الداخلي عبر نقل المشكلة إلى الجار وهذا يضع المغرب أمام مسؤوليات لم يوقّع عليها ويخلق اختلالا أخلاقيا في تقاسم الأعباء داخل المنطقة."

ويتابع موضحا العمق الجيوسياسي للمسألة: "عندما تستقبل دولة واحدة وحدها 6000 مهاجر في سنة، معظمهم عبر حدود غير مراقبة من الجانب الآخر فنحن لا نتحدث عن هجرة فوضوية، بل عن هندسة صامتة لإعادة توجيه التحركات البشرية وهذا نوع من الضغط السياسي في قالب إنساني."

ويختم الخبير تصريحه بتحذير واضح "إذا استمر هذا الوضع، فإن المغرب سيتحوّل بحكم الأمر الواقع إلى منطقة امتصاص لتداعيات انهيار شرق الساحل وتفكك الحدود الجزائرية ولا يمكن لأي دولة أن تواجه هذا وحدها دون إطار إقليمي يفرض المسؤوليات ويمنع تسييس المأساة الإنسانية."

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...