تقرير وطني صادم عن التعليم الأولي بالمغرب:: تعميم يصل إلى 70.4% لكن بجودة مقلقة ,مكتسبات لا تتجاوز 62 بالمئة

 تقرير وطني صادم عن التعليم الأولي بالمغرب:: تعميم يصل إلى 70.4% لكن بجودة مقلقة ,مكتسبات لا تتجاوز 62 بالمئة
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 26 دجنبر 2025 - 20:49

حذّر تقرير رسمي صادر عن الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين، من استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية المؤثرة بشكل مباشر في المكتسبات التعلمية للأطفال بعدما لم تتجاوز في المتوسط 62 نقطة من أصل 100 مع هشاشة في بيئات التعلم وضعف واضح في القراءة المبكرة ومحدودية الممارسات البيداغوجية التفاعلية، وتفاوتات في تأهيل وأجور المربيات، بما يجعل مرحلة ما قبل التمدرس ورشا هيكليا لم يكتمل بعد رغم ما تحقق من مكاسب كمّية واضحة.

وأبرز هشام آيت منصور مدير الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في لقاء مع الصحافة عشية اليوم الخميس أن التعليم الأولي بالمغرب خلال السنوات الأخيرة عرف تحولات عميقة تعكس رهانات دولة تراهن على السنوات المبكرة باعتبارها إحدى بوابات العدالة التعليمية والاستثمار في رأس المال البشري.

وأوضح آيت منصور، أن التقرير التقييمي الموسع الذي أنجزته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بشراكة مع منظمة اليونيسف، يقدّم قراءة دقيقة في واقع هذا الورش الوطني، مستندا إلى تحليل متعدد الأبعاد يشمل الولوج، بيئات التعلم، الممارسات التربوية، الموارد البشرية، ومكتسبات الأطفال في نهاية مرحلة التعليم الأولي، مع مقارنة الواقع العملي بالتصورات الاستراتيجية والسياسات العمومية.

التقرير ينطلق من تشخيص بنيوي يضع التعليم الأولي داخل سياق تحولات سياسية ومؤسساتية كبرى شهدها المغرب، من الرؤية الاستراتيجية 2015–2030 والقانون الإطار 51.17، مرورا بالبرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي لسنة 2018، وصولا إلى رهانات الجهوية المتقدمة وتوسيع أدوار الجماعات الترابية ويؤكد التقييم أن المرحلة الحالية ليست مجرد توسيع للعرض، بل انتقال نحو لحظة مفصلية عنوانها الجودة إلى جانب التعميم.

على مستوى التعميم، سجل التقرير قفزة واضحة في نسب الولوج خلال الفترة 2015–2025، حيث ارتفعت نسبة الأطفال في سن 4–5 سنوات المستفيدين من التعليم الأولي من 50.2% إلى 70.4% غير أن ما يلفت الانتباه أكثر هو التحول اللافت في المجال القروي الذي انتقلت نسبة التمدرس فيه من 36.3% إلى 75.6%، متجاوزا لأول مرة الوسط الحضري الذي بلغ 66.8% كما تحقق تقدم مهم في تكافؤ الفرص بين الجنسين، إذ بلغت النسبة 71.1% لدى الفتيات و69.8% لدى الفتيان خلال الموسم 2024–2025، وهو معطى يؤكد أن الفتيات المستفيدات بدأن يفوقن الذكور في هذه المرحلة العمرية.

هذا التطور في الولوج، ارتبط بتوسع غير مسبوق في العرض العمومي إذ ارتفع عدد وحدات التعليم الأولي العمومي من 6185 وحدة سنة 2018–2019 إلى 23182 وحدة سنة 2024–2025.

في المقابل، تراجعت بقوة وحدات التعليم غير المهيكل من 18882 إلى 4946 وحدة ما يعكس انتقالا تدريجيا نحو تنظيم القطاع وتأطيره وتوازيا مع ذلك، ارتفعت الميزانية العمومية للتعليم الأولي من 1.13 مليار درهم سنة 2019 إلى حوالي 3 مليارات درهم سنة 2025، مع تحول في طبيعة الإنفاق من الاستثمار نحو التسيير بما يترجم مرحلة الانتقال من البناء إلى التشغيل والتجويد.

غير أن السؤال الجوهري الذي حاول التقرير الإجابة عنه هو ماذا تحقق فعليا على مستوى مكتسبات الأطفال؟، وفي هذا الاطار سجل المعدل العام للمكتسبات في نهاية التعليم الأولي بلغ 62 نقطة من أصل 100، فيما استطاع أكثر من 75% من الأطفال تجاوز العتبة المتوسطة المحددة في 50 نقطة.

ولا تُظهر النتائج فروقا ذات دلالة إحصائية بين الجنسين (63 نقطة للفتيات مقابل 62 للفتيان)، لكن الفوارق المجالية لا تزال حاضرة بقوة، إذ تم تسجيل 66 نقطة في الوسط الحضري مقابل 58 نقطة في الوسط القروي، مع تسجيل أن 86% من أطفال المدن يتجاوزون العتبة المتوسطة، مقابل 64% فقط في القرى.

كما يكشف التقرير، تفاوتات واضحة حسب نوع العرض التربوي فالتعليم الخصوصي الذي يحتضن 23% من الأطفال يحقق أفضل النتائج بـ71 نقطة، يليه التعليم غير المهيكل بـ67 نقطة، ثم التعليم المبني على الشراكة بـ61 نقطة بينما يسجل التعليم العمومي أدنى معدل بـ57 نقطة، رغم أنه مع الشراكات يحتضن تقريبا ثلثي الأطفال المغاربة.

وعلى مستوى مجالات التعلم، يتفوق الأطفال في النمو الاجتماعي–العاطفي بـ68 نقطة، يليه ما قبل الرياضيات بـ65 نقطة، ثم الوظائف التنفيذية بحوالي 60 نقطة، فيما يظل مجال القراءة والكتابة المبكرة الحلقة الأضعف بـ56 نقطة، مع صعوبات واضحة في التعرف على أشكال الحروف وأسمائها.

في موازاة ذلك، يعيد التقرير جزءا من تفسير النتائج إلى الخصائص الاجتماعية للأسر إذ إن 53% من أولياء الأمور خصوصا الأمهات لا يتجاوز مستواهم الدراسي الابتدائي، و28% منهم غير متمدرسين كما يعيش 36% من الأسر بدخل شهري يقل عن 2500 درهم، و33.5% بين 2500 و5000 درهم، بينما لا تتجاوز نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها 5000 درهم 30%.

وأورد التقرير الذي تتوفر عليه "الصحيفة" أنه على مستوى الثقافة القرائية المنزلية، لا يتوفر 32% من الأطفال على أي كتاب داخل البيت وترتفع النسبة في القرى إلى 53%، فيما لم يُقرأ لـ58% من الأطفال أي كتاب داخل الأسرة.

داخل المؤسسات، تبدو الصورة مركبة، ذلك أن 86% من الأطفال يلجون مؤسسات مرتبطة بشبكة ماء صالح للشرب، لكن فقط 31% منهم يستفيدون من مرافق صحية تستوفي المعايير كما أن 38% فقط يتعلمون داخل مؤسسات تحرص على غسل الأيدي بالصابون قبل الوجبات بشكل منتظم في المقابل، يظل إدماج الأطفال في وضعية إعاقة محدودا جدا، إذ لا تتجاوز نسبتهم 1.2% من مجموع الأطفال وفق المعطيات المدلى بها من طرف مسؤولي الوحدات.

ظروف الموارد البشرية تشكل بدورها أحد مفاتيح الفهم، فالمربيات والمربون أغلبهم شباب غالبيتهم نساء، وكثير منهم بخبرة محدودة خاصة في التعليم العمومي والشراكات إذ أن 49% من الأطفال يؤطرهم مربون لا تتجاوز خبرتهم خمس سنوات وترتفع النسبة في الوسط القروي إلى 70%.

أما على مستوى الأجور، فيتولى تأطير 25% من الأطفال مربون يتقاضون أقل من 2000 درهم في حين يستفيد 42% من أطفال آخرين من تأطير مربين تفوق أجورهم 3000 درهم وتبرز كذلك إشكالية تأخر صرف الأجور خاصة في التعليم غير المهيكل بنسبة 23% كما أن كثافة الأقسام تبقى مرتفعة حيث يوجد 56% من أطفال العمومي و37% من أطفال القرى في أقسام تضم أكثر من 20 طفلا لكل مربية.

أما على مستوى الممارسات التربوية داخل الأقسام، فيكشف التقرير استمرار محدودية اعتماد أساليب حديثة داعمة للتعلم ففي ما قبل الرياضيات، لم يستفد 29% من الأطفال من أي نشاط خلال فترة الملاحظة، ولم تتجاوز نسبة الأنشطة التفاعلية القائمة على الاستكشاف 25% وفي القراءة والكتابة المبكرة تهيمن الأنشطة التقليدية المبنية على ترديد الحروف ونسخها بينما تكاد القراءة من كتب الأطفال تكون غائبة إذ لم يستفد منها 86% من الأطفال رغم أن غياب الكتب داخل الفصول لا يفسر ذلك إلا جزئيا بما أن 7% فقط من الفصول خالية من الكتب كما أن أنشطة التعبير الشفوي محدودة، حيث لم يستفد 26% من الأطفال من أي نشاط، ولا تتجاوز نسبة من يشاركون في ممارسات تشجع الحوار 29%.

وكشف التقرير كذلك أن المهارات الحركية الدقيقة، لا تزال غير متوازنة 26% من الأطفال لا يستفيدون من أي نشاط لتنميتها، مقابل 46% يشاركون في أنشطة ملائمة أما اللعب الحر، الذي يعد عنصرا أساسيا في بيداغوجيا الطفولة المبكرة، فلا يزال ضعيف الحضور، خاصة في التعليم غير المهيكل حيث 93% من الأطفال لا يستفيدون منه.

في المقابل، تشمل أنشطة الموسيقى والحركة 62% من الأطفال مع تفاوتات بين الأنماط التعليمية وعلى مستوى التفاعل التربوي، تسجل غالبية الأقسام حضور استراتيجيات إيجابية، لكن التدخلات اللفظية السلبية ما تزال قائمة لدى 8% من الأطفال، فيما تبقى المشاركة النشطة والتفريد البيداغوجي محدودة ولا يستفيد منهما بانتظام سوى 29%.

استنادا إلى هذا التشخيص، يخلص التقرير إلى مجموعة نتائج أساسية في مقدمتها استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية في الولوج وجودة التعلمات رغم التقدم، تفاوت جودة بيئات التعلم خاصة في المرافق الصحية والموارد البيداغوجية، محدودية الممارسات التربوية التفاعلية خصوصا في اللغة المبكرة، هشاشة إدماج الأطفال في وضعية إعاقة، ثم اختلاف شروط العمل والتأطير المهني بين المربيات والمربين بما يؤثر على الاستقرار وجودة الأداء.

في مواجهة ذلك، اقترح التقرير تحديات مركزية يتعين الاشتغال عليها، بما فيها استمرار الانتقال من منطق التعميم إلى منطق الجودة، تعزيز الإنصاف المجالي عبر تخطيط تربوي يراعي الخصوصيات الترابية، وضبط الحكامة والقيادة المؤسساتية عبر توضيح الأدوار وتنسيق الفاعلين وتتبع التمويل. كما يدعو إلى تعزيز دور الجماعات الترابية في إطار الجهوية المتقدمة، وتقوية مهنية المربيات والمربين عبر تحسين شروط العمل والتكوين الأساس والمستمر، وتطوير الممارسات التربوية خاصة في اللغة والأنشطة التفاعلية واللعب، وتعزيز إدماج الأطفال في وضعية إعاقة، وتقوية العلاقة بين المدرسة والأسرة، ثم تحسين الانتقال بين التعليم الأولي والابتدائي لضمان استمرارية التعلمات.

أما على مستوى المنهجية، فقد اعتمد التقييم مقاربة شمولية قائمة على تحليل الوثائق والمرجعيات القانونية والأدبيات الدولية، مع جمع معطيات ميدانية كمية وكيفية مستندة إلى الإطار الدولي MELQO الذي طورته اليونسكو واليونيسف والبنك الدولي وبروكينغز، بعد تكييفه مع السياق المغربي وشمل البحث الميداني المنجز بين أبريل وماي 2024 ، حوالي 180 وحدة تعليم أولي من مختلف الأنماط، و871 طفلا، و180 من المربيات والمربين، و180 مسؤول مؤسسة، و624 ولي أمر، إضافة إلى 180 جلسة ملاحظة صفية، باستعمال نظام رقمي لضمان دقة البيانات وجودتها.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...