خاص - الائتلاف الوطني السوري لـ "الصحيفة": انتهى زمن معاداة الرباط ووحدتها الترابية.. ولا مكان لأي انفصالي أو مشكك في سيادة المغرب على أراضينا
ثمّن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية القرار المغربي القاضي بإعادة فتح سفارة المملكة في العاصمة السورية دمشق، معتبرا إياه "خطوة محمودة تعيد العلاقات بين بلدين شقيقين إلى مسارها التاريخي الطبيعي والصحيح"، ومعلنا بوضوح أن "زمن الصمت عن معاداة المغرب أو التشكيك في وحدته الترابية قد انتهى بلا رجعة".
هذه الإشادة اللافتة جاءت على لسان نائب رئيس الائتلاف، عبد الحكيم بشار، في تصريح خص به "الصحيفة"، حيث أكد أن هذه الخطوة المغربية تعكس نضجا دبلوماسيا وحسا استراتيجيا، وانخراطا هادئا في إعادة تشكيل المشهد العربي، دون أن تُفرّط الرباط في ثوابتها أو تقايض مبادئها.
فتح السفارة المغربية في دمشق.. من البرود الديبلوماسي إلى الانفتاح العقلاني
قرار الرباط بإعادة فتح سفارتها في دمشق بعد أكثر من عقد على إغلاقها، والذي جاء في مضامين رسالة بعث بها الملك محمد السادس إلى القمة العربية التي احتضنتها العاصمة العراقية بغداد في 17 ماي، وقرأها نيابة عنه وزير الخارجية ناصر بوريطة، لا يُقرأ فقط من زاوية رمزية، بل يحمل دلالات عميقة على مستوى إعادة تموضع السياسة المغربية إزاء الملف السوري، في ضوء تطورات إقليمية متشابكة، من بينها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتصاعد الدعوات إلى تطبيع عربي شامل مع دمشق.
ويأتي هذا التحول المغربي في وقت تبتعد فيه عواصم كثيرة عن منطق القطيعة، وتتجه إلى تبني مقاربات أكثر براغماتية، تراعي الاستقرار الإقليمي ومصالح الدول، وتمنح الأولوية للتوازن بدل التصعيد.
وفي هذا السياق، أوضح عبد الحكيم بشار أن "عودة قنوات التواصل الدبلوماسي بين المغرب وسوريا هو الوضع الطبيعي لعلاقات تضرب بجذورها في التاريخ، وأنه لم يعد هناك أي مبرر للإبقاء على مواقف أو أطراف تكن العداء للمغرب أو تشكك في وحدته الترابية".
رفض قاطع لأي معارضة للمملكة على الأراضي السورية
وجّه عبد الحكيم بشار رسالة مباشرة لكل من "يتوهمون" وفق تعبيره أن سوريا قد تكون ملاذا آمنا للانفصاليين أو مناهضي الوحدة الترابية للمغرب.
وقال عبد الحكيم بشار، في التصريح ذاته الذي خصّ به "الصحيفة": "نحن كسوريين لا يمكننا أن نحتضن على أراضينا أي طرف يعارض المملكة المغربية أو يقف ضد وحدتها الترابية.. هذه صفحة طُويت، ويجب أن يُطوى معها كل خطاب يستهدف الرباط أو يحاول استغلال الحالة السورية للترويج لأجندات انفصالية".
وتابع بشار مؤكدا أن المغرب، ومنذ اندلاع الأزمة السورية، "لم يكن طرفا منحازا أو متدخلا في الشأن الداخلي السوري، بل حافظ على موقف متوازن قائم على التضامن الإنساني والدبلوماسي، دون الانخراط في منطق الاصطفافات أو الحروب بالوكالة".
المغرب.. نموذج للاستقرار والإصلاح في المنطقة
لم يخفِ نائب رئيس الائتلاف السوري إعجابه بالنموذج المغربي، ضمن التصريح ذاته مشددا على أن "المملكة، رغم نظامها الملكي، تُعد واحدة من أكثر الدول العربية تقدما من حيث الممارسة الديمقراطية، وتحقق إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية متواصلة ضمن إطار من الاستقرار السياسي والشرعية المؤسساتية، وهو أمر قل نظيره في المنطقة".
وأضاف أن المغرب يتمتع بموقع خاص في الوجدان العربي، وأن انفتاحه على دمشق اليوم ليس تنازلا، بل تموضع عقلاني لحليف استراتيجي يُمكن لسوريا أن تستفيد من تجربته في بناء التوازنات، وصيانة الأمن، وتدبير التحولات السياسية بسلاسة.
وفي حديثه عن أصول العلاقة بين الرباط ودمشق، أشار عبد الحكيم بشار إلى أن "هذه العلاقة ليست وليدة الظرف أو اللحظة السياسية، بل هي نتاج تراكم تاريخي من التفاعل، والاحترام، والدعم المتبادل في المحافل الدولية، وعلى مستوى العلاقات بين الشعوب".
وأوضح أن المغرب كان دائما حريصا على وحدة سوريا واستقرارها، ولم يستغل الأزمة السورية لتحقيق مكاسب سياسية أو توسعية، كما فعلت بعض القوى الإقليمية، بل ظل وفيًا لمبادئ عدم التدخل، معتبرا أن إعادة فتح السفارة تتويج لهذا النهج، وليست بداية مسار جديد، بل استئناف لمسار لم ينقطع أخلاقيا.
المسؤول السياسي السوري أردف أيضا: "المملكة المغربية، على الرغم من كونها نظاما ملكيا، إلا أنها نموذج في الديمقراطية والتطور والانفتاح، وتمثل حالة استثنائية في العالم العربي من حيث الاستقرار السياسي والمؤسساتي، والحياة المدنية المتقدمة، والإصلاحات التي تمضي بتدرج وثبات".
ونبّه إلى أن التطور الذي يعرفه المغرب في مختلف القطاعات بات مشهودا له ولا ينكره إلا جاحد، لهذا بات من الضروري أيضا الاستفادة من المملكة ومسارها في مختلف المجالات ليس فقط من ناحية التوازن السياسي، لكن أيضا من ناحية ما هو اقتصادي وصناعي واستثماري أيضا.
مرحلة جديدة من الدبلوماسية الهادئة.. وتحجيم لدعاة الانفصال
قرار المغرب استئناف العلاقات مع سوريا يأتي أيضا ضمن سياق وطني داخلي، لا يقبل بوجود أي طرف معادٍ لوحدة أراضيه، ومن هذا المنطلق، شدد بشار على أن هذه العودة هي أيضا رسالة موجهة للداخل السوري، مفادها أن المرحلة الجديدة لا تحتمل المزايدات ولا التساهل مع من يسعى لتوظيف الأراضي السورية كمسرح لتصفية حسابات سياسية أو المس بثوابت الدول العربية الأخرى.
وقال: "أي دعم لأطراف معادية للرباط هو مرفوض من حيث المبدأ، وسوريا الجديدة، التي نأمل أن تكون مستقلة وموحدة، لا يمكن أن تكون منصة لاستهداف دولة شقيقة وقفت معنا في أصعب المحطات".
الرباط تتحرك بثبات.. سيادة وانفتاح دون مقايضة
عودة المغرب إلى دمشق ليست، كما قال بشار، مجرد خطوة دبلوماسية شكلية، بل ترجمة عملية لمقاربة مغربية عُرفت بقدرتها على الربط بين المبادئ والبراغماتية، والاشتغال بمنطق "السيادة مع الانفتاح"، و"التقارب دون تنازل"، بما يضمن الدفاع عن المصالح الوطنية مع الحفاظ على خطوط التواصل مع مختلف الفاعلين الإقليميين.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى الرباط اليوم كأحد العواصم القليلة التي نجحت في الحفاظ على اتزان استراتيجي وسط أزمات المنطقة، دون أن تسقط في الاصطفافات أو التوظيف السياسي للمآسي الإنسانية.
ويعبّر موقف المعارضة السورية، ممثلة في الائتلاف، عن رغبة حقيقية في تجاوز المرحلة الرمادية، وإعادة تموضع سوريا كفاعل مسؤول ومتزن في المنطقة، يرفض توظيف أزمته لاستهداف وحدة غيره.




