دراسات جيولوجية تشير إلى أن حركة الصفائح التكتونية قد تفتح إمكانية "اتحاد جغرافي" على المدى البعيد بين المغرب وإسبانيا عبر اختفاء مضيق جبل طارق
تشير دراسات جيولوجية حديثة إلى أن خريطة العالم التي نعرفها اليوم ليست ثابتة كما تبدو، بل تخضع لتحولات بطيئة وعميقة تقودها حركة الصفائح التكتونية، وهي عمليات تمتد على عشرات الملايين من السنين، حيث يطرح باحثون سيناريو علميا بعيد المدى مفاده أن مضيق جبل طارق، الذي يفصل حاليا بين إسبانيا والمغرب، قد يشهد مستقبلا جيولوجيا مختلفا قد يصل إلى حد اختفائه، ما يعني تقارب أو التحام القارتين الإفريقية والأوراسية.
وبحسب ما أوردته صحيفة Infobae الإسبانية، فإن هذه التحولات المحتملة تستند إلى حقيقة علمية راسخة مفادها أن قشرة الأرض ليست كتلة صلبة مستقرة، بل تتكون من صفائح تكتونية تتحرك باستمرار بسرعات بطيئة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات سنويا، ورغم أن هذه الحركة غير محسوسة في الحياة اليومية، إلا أن تراكم طاقتها هو السبب المباشر في الزلازل والبراكين وأمواج التسونامي، فضلا عن تشكل الجبال وتغير ملامح القارات.
ويؤكد علماء الجيولوجيا، وفق المصدر ذاته، أن ما يحدث اليوم ليس استثناء في تاريخ الأرض، إذ سبق أن عرفت القارات حالة اتحاد كامل قبل نحو 300 مليون سنة فيما يعرف بقارة "بانجيا"، قبل أن تنقسم تدريجيا إلى القارات الحالية، حيث مع استمرار حركة الصفائح، تبقى إمكانية تشكل خرائط جديدة للعالم قائمة، بما في ذلك انغلاق بحار واختفاء مضايق وظهور كتل قارية جديدة.
ويحتل مضيق جبل طارق موقعا جيولوجيا حساسا، كونه يقع على الحد الفاصل بين الصفيحة الإفريقية والصفيحة الأوراسية، وفي هذه المنطقة، المعروفة علميا بقوس جبل طارق، بدأت الصفيحة الإفريقية منذ ملايين السنين بالانغراز أسفل الصفيحة الأوراسية في عملية تسمى "الاندساس".
ورغم أن هذا النشاط عرف تباطؤا ملحوظا خلال الفترات الجيولوجية الأخيرة، ما دفع بعض الباحثين سابقا إلى اعتباره شبه متوقف، فإن دراسات حديثة تشير إلى أن هذا الهدوء قد يكون مجرد مرحلة مؤقتة.
وفي هذا الإطار، خلصت دراسة علمية نُشرت سنة 2024 في مجلة "Geology"، وأشرف عليها الباحث جواو سي دوارتي من جامعة لشبونة البرتغالية، إلى أن عملية الاندساس في قوس جبل طارق لم تنتهِ فعليا، بل يُرجح أن تعاود نشاطها بعد نحو 20 مليون سنة، مع امتدادها تدريجيا في اتجاه المحيط الأطلسي، حيث اعتمد الباحثون في استنتاجاتهم على نماذج ومحاكاة ثلاثية الأبعاد، أظهرت أن الأقواس الجيولوجية المتوقفة يمكن أن تُستأنف حركتها عند بلوغ مستوى معين من الضغط والتوتر داخل الغلاف الصخري.
وفي حال تحقق هذا السيناريو على المدى البعيد جدا، فإن مضيق جبل طارق قد يختفي، ويتحول البحر الأبيض المتوسط إلى حوض مائي شبه مغلق، بينما تلتئم القارتان الإفريقية والأوراسية في كتلة جغرافية واحدة، غير أن الباحثين يؤكدون أن هذا الاحتمال يظل مرتبطا بتطور مسارات الصفائح التكتونية، التي قد تعرف بدورها تغيرات غير متوقعة.
وأصافت الصحيفة الاسبانية، أنه رغم الطابع البعيد زمنيا لهذه التحولات، يحذر العلماء من أن هدوء المنطقة لا يعني غياب المخاطر بالكامل، إذ تظل المنطقة نشطة من الناحية الزلزالية، كما أظهر زلزال لشبونة المدمر سنة 1755، الذي خلف عشرات الآلاف من الضحايا. ويوضح المختصون أن النظام الجيولوجي في هذه المنطقة يوصف بأنه “كامن” لا “ميت”، أي قابل لإنتاج أحداث قوية رغم فترات السكون الطويلة.
كما تطرقت الدراسة إلى فرضية أوسع تتعلق بإمكانية تشكل ما يشبه "حلقة نار" في المحيط الأطلسي على المدى الجيولوجي البعيد، على غرار حلقة النار المعروفة في المحيط الهادئ، والتي تضم أعلى معدلات النشاط الزلزالي والبركاني في العالم، حيث يُعزى ذلك إلى احتمال تزايد مناطق الاندساس في الأطلسي نتيجة تراكم الضغوط بين الصفائح، ما قد يؤثر مستقبلا على مناطق في جنوب غرب أوروبا، وشمال إفريقيا، وبعض الجزر الأطلسية.
ومع ذلك، يشدد العلماء على أن هذه التحولات تجري على مقياس زمني يتجاوز الإدراك البشري، ولا تشكل تهديدا مباشرا للأجيال الحالية أو القادمة، فالأرض، بحسب الباحثين، ستواصل تغيرها وتطورها الطبيعي لملايين السنين، بينما يظل الواقع الجغرافي الحالي لإسبانيا والمغرب مستقرا، وإن كان الفاصل بينهما يضيق، نظريا، بمعدل سنوي لا يتجاوز سنتيمترا واحدا.




