روتايو يعود إلى الواجهة مُطالبا بإنهاء "العلاقة غير المتوازنة" بين فرنسا والجزائر بعد تثبيت الحكم على الصحافي غليز بسبع سنوات
هاجم برونو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي السابق، ورئيس حزب الجمهوريين في فرنسا، السلطات الجزائرية مجددا عقب تثبيت الحكم بسجن الصحافي الفرنسي كريستوف غليز لمدة سبع سنوات، معتبرا أن الملف يعبّر، وفق تصوره، عن خلل عميق في طبيعة العلاقة بين باريس والجزائر، وعن تهاون فرنسي لم يعد مقبولا.
وفي تصريح صحافي، أكد روتايو أن الحكم الصادر في حق غليز يكشف، في تقديره، ضرورة أن تتوقف فرنسا عن التعامل مع ما يعتبره إهانة مباشرة لبلاده، حيث رأى أن الأزمة الحالية تعيد فتح أسئلة عميقة حول أسس العلاقة بين باريس والجزائر، موضحاً أن فرنسا لا تنتظر الكثير من الجزائر، بينما تنتظر هذه الأخيرة، في المقابل، كل شيء من باريس، وهو ما يراه اختلالا ينبغي تصحيحه.
وتوقف روتايو عند ظروف متابعة غليز، مستحضرا ما قاله شقيق الصحافي قبل أيام عن وقوع الأسرة في الفخ، حيث أشار إلى أن العائلة التزمت الصمت منذ الأيام الأولى ولم تتجه نحو الاحتجاج أو تشكيل لجان دعم، غير أن ذلك لم يحقق أي نتيجة ملموسة في نظره، وهو ما يعزز قناعته بأن باريس لم تمارس الضغط الضروري للتأثير في مجريات القضية.
وعن الجدل المرتبط بإمكانية تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإهانة في هذا الملف، شدد روتايو على أن من يتعرض للإهانة، في رأيه، ليست مؤسسة الرئاسة بل الدولة الفرنسية بأكملها، معتبرا أن طريقة التعامل مع الجزائر خلال السنوات الأخيرة طبعتها تنازلات متراكمة، في وقت يرى فيه أن الظروف الراهنة تفرض مراجعة هذا النهج حفاظاً على مكانة فرنسا وصورتها في الخارج.
ولدى حديثه عن تصريحات الكاتب بوعلام صنصال التي ألمح فيها إلى أن خطه المتشدد ربما أعاق الإفراج عنه، أوضح روتايو أن الكاتب ينتقي كلماته بطبيعة الحال، كما أبرز أنه التقى به مطولا ولم يوجّه له أي لوم، قبل أن يضيف أن العلاقة غير المتوازنة مع الجزائر يجب أن تطوى، وأن على باريس أن تعتمد مبدأ المعاملة بالمثل كلما امتنعت الجزائر عن تنفيذ التزاماتها.
وثبتت محكمة الاستئناف بتيزي وزو، قبل أيام، الحكم القاضي بسجن كريستوف غليز سبع سنوات، بعد أيام قليلة من مؤشرات انفراج بين البلدين، سواء من خلال تصريحات رسمية فرنسية دعت إلى طي صفحة الخلافات، أو بقرار العفو الرئاسي الذي استفاد منه الكاتب الفرنسي- الجزائري بوعلام صنصال.
وفي أول رد رسمي، عبّرت وزارة الخارجية الفرنسية عن "أسفها العميق" لتثبيت الحكم، إذ أكد المتحدث باسمها أن باريس "تأسف بشدة" لهذا القرار، مجدداً مطالبة بلاده بالإفراج عن غليز، ومعبّراً عن أمل فرنسا في "مآل إيجابي يتيح له العودة سريعاً إلى عائلته"، حيث يعكس هذا الموقف حجم القلق المتزايد داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية الفرنسية من تأثير القضية على مسار التقارب الذي بدأ بالكاد يتشكل بين باريس والجزائر خلال الأيام الأخيرة.
وتعود تفاصيل القضية إلى 28 ماي 2024، حين تم توقيف غليز أثناء تغطيته لأنشطة نادي شبيبة القبائل، قبل أن توجه إليه السلطات تهماً ثقيلة تتعلق بـ"الترويج للإرهاب» وحيازة منشورات تعتبرها «مضرة بالمصلحة الوطنية".
وأثار هذا المسار القضائي استياءً واسعا في فرنسا، ودفع منظمات حقوقية دولية، أبرزها مراسلون بلا حدود، إلى وصف متابعة غليز بأنها جزء من تضييق ممنهج على الصحافة، معتبرة أن طبيعة العمل الصحافي في منطقة القبائل تفرض التعامل مع مصادر متعددة.
ومن جانبه، شدّد محامي غليز على أن موكله صحافي رياضي استقصائي لم يكن يحمل سوى قلم وكُرة، وأن البناء القانوني للتهم لا يستدعي حكماً بهذه القسوة، أما الأسرة، فعبّرت قبل أسابيع عبر مقال صحافي في فرنسا عن أملها في أن تسهم التغيرات السياسية بين باريس والجزائر في فتح باب للحل، خصوصاً بعد الإفراج عن صنصال، الذي اعتُبر حينها مؤشراً إيجابياً في مسار تهدئة هش سرعان ما تلاشى.
ومع تثبيت الحكم، يعود ملف حرية الصحافة ليحتل صدارة التوتر بين البلدين، في سياق ثنائي يشهد تعثرا منذ اعتراف الحكومة الفرنسية بسيادة المغرب على الصحراء، وما أعقبه من سلسلة توترات شملت تشديد منح التأشيرات، وطرد دبلوماسيين، وإلغاء زيارات رفيعة المستوى.




