سفينة "كروزنشتيرن" الروسية تصل إلى المغرب برسائل دبلوماسية.. ومصدر مسؤول لـ"الصحيفة": النشاط يجري وفق تنسيقٍ مسبق مع المصالح المختصة وبرنامجٍ محدد سلفًا

 سفينة "كروزنشتيرن" الروسية تصل إلى المغرب برسائل دبلوماسية.. ومصدر مسؤول لـ"الصحيفة": النشاط يجري وفق تنسيقٍ مسبق مع المصالح المختصة وبرنامجٍ محدد سلفًا
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 8 يوليوز 2025 - 16:20

حط المركب الشراعي الروسي الشهير "كروزنشتيرن" رحاله بميناء الدار البيضاء الأسبوع الماضي، في أول توقف له بالمغرب منذ أكثر من عقد من الزمن، ضمن  الزيارة التي كشفت عنها وكالة الصيد البحري الروسية "روسريبولوفستفو" والأكاديمية البلطيقية لأسطول الصيد البحري عبر بيان رسمي تناقلته وكالة الأنباء الروسية.

وتأتي هذه الزيارة ضمن مسار طويل لما يعرف بـ"البعثة الإفريقية الكبرى"، التي تنظمها روسيا احتفالا بالذكرى الثمانين للانتصار في الحرب الوطنية العظمى، وفي سياق يتقاطع فيه البعد التدريبي للرحلة مع أهداف سياسية واستراتيجية أوسع.

ويُعد المركب "كروزنشتيرن"، أحد أكبر المراكب الشراعية في العالم وأكثرها شهرة، إذ انطلق من روسيا في رحلة بحرية عبر المحيط الهندي ثم المحيط الأطلسي، توقف خلالها في عدد من الموانئ الإفريقية، من بينها بورت لويس في جزيرة موريشيوس، وكيب تاون في جنوب إفريقيا، وأكادير في المغرب، قبل أن يصل إلى الدار البيضاء.

ويحمل المركب على متنه ما يقارب 140 متدربا من خمس مؤسسات جامعية روسية تابعة لوكالة الصيد البحري، هؤلاء الطلبة يخضعون لتكوين ميداني في إطار دمج الجيل الجديد من الضباط البحريين، ضمن تقليد تدريبي يمزج بين الانضباط الأكاديمي والاحتكاك العملي بالبحار.

بيان الأكاديمية البلطيقية، أوضح أن زيارة "كروزنشتيرن" للمغرب تهدف إلى تعزيز العلاقات الودية مع المملكة، والترويج للعلم الروسي في الخارج، من خلال فتح المركب للزيارات الرسمية والمدنية، وتنظيم لقاءات استقبال على متنه من المرتقب أن تستقطب نحو 300 زائر مغربي وأجنبي.

وشهد اليوم الأول من الرسو استقبال القنصل العام لروسيا بالدار البيضاء، أوليغ بروخوروف، إلى جانب رئيس مكتب وكالة روسريبولوفستفو بالمغرب، ميخائيل تاراسوف، فيما يرتقب أن يزور المركب السفير الروسي المعتمد بالرباط، فلاديمير بايباكوف، في إشارة إلى الأهمية الدبلوماسية التي توليها موسكو لهذه المحطة المغربية.

زيارة "كروزنشتيرن" ليست مجرد توقف تقني أو تدريب بحري عادي، بل هي، وفق تعبير مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"الصحيفة"، تمثل "رسالة روسية ناعمة"، موجهة إلى شركائها التقليديين والجدد في القارة الإفريقية، ضمن مسعى دؤوب لبناء توازنات جديدة في الجنوب، خاصة بعد أن بات الحضور الروسي في إفريقيا يتخذ منحى تصاعديا، سواء عبر أدوات دبلوماسية أو من خلال أدوات القوة الناعمة التي تشمل التعاون الأكاديمي، العسكري، والتقني.

المصادر ذاتها أوضحت أن المغرب، الذي يحتفظ بعلاقات مرنة ومتوازنة مع موسكو، يبدو ضمن البلدان التي تراهن عليها روسيا للحفاظ على بواباتها المفتوحة في شمال إفريقيا، خصوصا في ظل السياقات الدولية المتوترة عقب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الجيوسياسية.

كما أن تنظيم هذه البعثة البحرية في سياق احتفالات روسيا بانتصارها في الحرب العالمية الثانية، وفق المصادر نفسها، يحمل رسائل رمزية تتجاوز الاحتفاء بالتاريخ، لتؤكد على استمرار إرادة روسيا في تقديم نفسها قوة بحرية ذات امتداد عالمي، لا تزال قادرة على إرسال سفنها في مهمات عابرة للقارات، انطلاقا من أقصى غرب أوروبا حتى السواحل الإفريقية، ومن خلال هذا الحضور، تسعى روسيا أيضا إلى كسر "العزلة الغربية" المفروضة عليها دبلوماسيا، عبر التموقع في فضاءات لا تزال متسمة بالتعددية والانفتاح، كالمجال الإفريقي والمغاربي على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، تمثل زيارة الدار البيضاء لحظة دبلوماسية رمزية، إذ تأتي في لحظة يشهد فيها العالم إعادة تشكيل تحالفات استراتيجية على ضوء الصراع الروسي الغربي، كما تزامنت مع تحركات روسية مماثلة في إفريقيا جنوب الصحراء، في إطار ما بات يعرف بإعادة تموقع موسكو في الجنوب العالمي.

ورغم أن المغرب لا يتقاطع استراتيجيا مع المواقف الروسية في العديد من الملفات، إلا أن الرباط تحرص على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، ضمن منطق التنويع في الشراكات، والحرص على استقلال القرار الدبلوماسي في توازن دقيق بين الحلفاء التقليديين والمصالح الوطنية، وهو تماما ما أكدته مصادر مسؤولة لـ "الصحيفة".

وفي هذا الإطار، صرّح مسؤول في ميناء الدار البيضاء، تحفظ عن ذكر اسمه لاعتبارات مهنية، في اتصال مع "الصحيفة"، أن زيارة المركب الشراعي الروسي "كروزنشتيرن" تمت وفق مساطر بحرية واضحة وتنسيق مسبق مع المصالح المختصة، سواء على مستوى إدارة الميناء أو السلطات البحرية الوطنية، مشيرا إلى أن السفينة أبلغت ببرنامجها وطلبت الإذن بالرسو ضمن الآجال القانونية، وهو ما تم التعامل معه، حسب تعبيره، "باعتباره نشاطا يدخل في إطار العرف الملاحي المتبع في العلاقات البحرية الدولية".

وأوضح المصدر ذاته لـ "الصحيفة"، أن "المغرب، وبصفته بلدا منفتحا على التعاون متعدد الأطراف، يستقبل بشكل دوري سفنا تدريبية تابعة لعدد من الدول، سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الإفريقية، ما دامت هذه الزيارات تندرج في إطار احترام السيادة الوطنية وتخضع للضوابط التنظيمية المنصوص عليها في القوانين البحرية".

وشدد المتحدث نفسه على أن وجود "كروزنشتيرن" في ميناء البيضاء  كما أكادير لا يخرج عن هذا الإطار، بل إنه تم التعامل معه وفق المعايير نفسها المعتمدة في استقبال السفن الزائرة، من حيث إجراءات التفتيش، ومراقبة الأنشطة على متنها، وتحديد نطاق تحركات طاقمها.

وأضاف المسؤول أن السفينة الروسية لم تقم بأي نشاط خارج الطابع التدريبي والبروتوكولي، وأن كل الأنشطة التي أُعلن عنها على متنها، من زيارات واستقبالات، كانت محددة ومؤطرة سلفا، ولم تشمل أية فعاليات خارج المركب أو اتصالات ذات طبيعة سياسية، ولفت إلى أن "السلطات المينائية، وبتنسيق مع الجهات الأمنية، تُتابع عن كثب كل التحركات داخل محيط السفينة، كإجراء احترازي عادي يطبق على كل السفن الأجنبية، بغض النظر عن جنسيتها".

وبخصوص الأبعاد الرمزية للزيارة، أقر المصدر ذاته بأن "الظرفية الإقليمية والدولية قد تُضفي على مثل هذه التحركات بعض القراءات السياسية، خاصة عندما يتعلق الأمر ببلد بحجم روسيا، وفي ظل السياقات المتوترة التي يعرفها العالم"، لكنه شدد في المقابل على أن "المغرب يحرص على التمييز بين الزيارات ذات الطابع العسكري أو الاستراتيجي، وبين الأنشطة التكوينية والدبلوماسية الناعمة، التي تُعامل بمرونة، دون أن يُفهم من ذلك تفريط أو تساهل".

وختم المسؤول تصريحه بالتأكيد على أن ميناء الدار البيضاء يظل "منصة تجارية ودبلوماسية مفتوحة، تستقبل على مدار السنة بعثات بحرية من مختلف الدول، وتُطبق عليها جميعا القواعد نفسها، في احترام تام لسيادة المملكة وتوجهاتها الاستراتيجية"، مضيفا أن "الزيارة الروسية الأخيرة تمّت في هذا الإطار بالضبط، وتم التعامل معها من منطلق تقني–إجرائي صرف، بعيدا عن أي توظيف رمزي أو تأويل سياسي".

أما السفينة نفسها، "كروزنشتيرن"، فهي ليست مجرد وسيلة نقل أو تدريب، فقد بُنيت سنة 1926 في مدينة بريمرهافن بألمانيا، وتعد اليوم واحدة من أكبر وأشهر السفن الشراعية في العالم، وقد دخلت الخدمة في روسيا بعد الحرب العالمية الثانية، واتخذت من مدينة كالينينغراد مقرا لها، تحت إشراف الأكاديمية البلطيقية لأسطول الصيد البحري,

وشاركت السفينة في العديد من الرحلات والمهمات التدريبية، وصارت بمثابة "سفير عائم" لروسيا، تجمع بين الأداء التقني والرمزية الوطنية، ما يضفي على كل زيارة لها بعدا يتجاوز حدود الملاحة إلى فضاء الدلالة والتموقع الجيوسياسي.

ووفق توصيف مصدرنا الدبلوماسي، فزيارة "كروزنشتيرن" إلى المغرب ليست حدثا عابرا، بل هي فصل من فصول سياسة روسية تستثمر في التراكم، وتستند إلى الذاكرة والرمزية والمبادرة، إذ في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى مناطق التوتر الساخنة، تواصل موسكو تحركاتها الهادئة عبر المحيطات، باحثة عن منافذ جديدة للنفوذ، وقنوات مستدامة للحوار مع ضفاف الجنوب وفي هذا المشهد، يظل المغرب "رقما صعبا" في معادلة التوازن، ووجهة لا تغفلها أي قوة تسعى إلى فهم خريطة النفوذ في شمال إفريقيا، أو رسم ملامح الحضور في البحرين الأبيض والأطلسي.

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...