شرشيرة: العرب والمسلمون هم المستهدفون بسياسات الهجرة الجديدة في ألمانيا.. والأوروبيون يريدون إبقاء اللاجئين في المغرب

 شرشيرة: العرب والمسلمون هم المستهدفون بسياسات الهجرة الجديدة في ألمانيا.. والأوروبيون يريدون إبقاء اللاجئين في المغرب
حوار - المهدي هنان
الأحد 12 نونبر 2023 - 9:30

سامي شرشيرة هو باحث وسياسيّ مغربيّ يحمل الجنسية الألمانية، عمل قبل بضع سنوات مستشارا لوزارة الداخلية الألمانية، مكلفّا بملف الهجرة والإسلام والاندماج، يُقيم بمدينة دوسلدورف، حيث يعدّ واحدا من أنشط المغاربة والعرب الذين قادت رياح الحياة سفنهم نحو آفاق بعيدة، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، تمكّنوا من نسج علاقات معقّدةٍ ومتينةٍ مع صناع القرار داخل هذا البلد الأوروبي، ليكونوا صوت من هم على شاكلتهم من القادمين من جنوب الأطلسي.

هاجر شرشيرة، إلى جانب أفراد عائلته الصغيرة وهو ما يزال في سن الـ15 سنة فقط، يعملُ، إلى جانب نشاطه المدني والسياسي في مجال الهجرة، باحثا في جامعة أوسْنَابْرُوكْ بالمدينة التي تحمل نفس الإسم بألمانيا، ويهتم بنفس مجال عمله، إذ نشر العديد من الأبحاث العلمية حول الموضوع، بعضها باللغة العربية، من بينها "الخدماتُ الاجتماعية المحترفَة للجالية المسلمة في ألمانيا"، و"النّبضاتُ الإسلامية للمنظومة الاجتماعية في ألمانيا".

يتحدث شرشيرة، في هذا الحوار، عن تداعيات الحرب بغزة على أوروبا بشكل عام وألمانيا على وجه الخصوص، التي شهدت احتجاجات عارمة داعمة للقضية الفلسطينية بعضها مُنع وبعضها الآخر سُمح به، ويُعطينا صورة عن كيف يمكن أن تؤثّر هذه الأحداث على حياة المغاربة والعرب والمسلمين بهذه البقعةِ الجغرافية، خاصة أنه لأول مرة، حسب ما يشدّد عليه شرشيرة، تخلق هذه الأحداث الأليمة نقاشا حادا داخل المجتمع الألماني حول فلسفة حرية الرأي والتعبير، على اعتبار أن إحدى الولايات بألمانيا قامت بمنع ارتداء الكوفية الفلسطينية، على سبيل المثال، داخل المدارس الحكومية، معتبرةً إياها رمزا لدعم الإرهاب.

ويُفصّل المستشار السابق لوزارة الداخلية الألمانية في كيف يمكن أن تربح حركات اليمين المتطرف بأوروبا نقاطا سياسيّة إضافية عقب هذه الأحداث، وهو ما من شأنه أن يعطيها دفعة جديدة تؤهلها لتصبح، في سنوات قليلة، القوة السياسية الأولى بألمانيا، سيناريو يقول شرشيرة إنه في حال حصوله، سيكون بمثابة الكارثة على المغاربة وعرب ومسلمي ألمانيا، كما يعطينا المتحدث ذاته صورة عامّة عن الخطوط العريضة لسياسة الهجرة الجديدة التي تتّجه الدولُ الأوروبيّة، بقيادةِ ألمانيا، نحو تطبيقها قريبا، وكيف يُمكن أن تنعكس هذه السياسة على معيش الجالية المغربية والمسلمة، وعلى المهاجرين الجدد وطالبي اللجوء الباحثين عن حياةٍ جديدةٍ في إحدى دول القارّة العجوز.

في الجزء الثاني من هذا الحوار المطول، سنفصل خلاله في سياسات الهجرة الجديدة داخل الاتحاد الأوروبي، التي تقود ألمانيا مساعي تنزيلها، كما سنُعرج على العلاقة بين المغرب والبلدان الأوروبية، ومجالات توسيع نقاط الالتقاء فيها وتحجيم نقاط الخلاف.

الجدل الدائر بخصوص القضية الفلسطينية حاليا يأتي بالتزامن مع استعداد دول أوروبا، بقيادة ألمانيا، لتطبيق سياسةٍ جديدةٍ للهجرةِ يتمّ التداول بشأنها منذ سنوات، هل يُمكنك أن تعطينا فكرة عن الخطوط العريضة لهذه السياسة الجديدة المرتقبة؟     

الهدف الأساسي لسياسة الهجرة الجديدة هذه، هو تحقيق توافق أوروبي بشأن تقليص عدد اللاجئين السياسيين الذين سيلتحقون بدول أوروبا مستقبلا، إذ سيتم ما أمكن قبول أقل عدد من طلبات اللجوء، كما سيتم استقبال هؤلاء اللاجئين، وهو أمر لم يحدث من قبل، في مراكز إيواء خارج دول الاتحاد الأوروبي، في دول مثل تونس والمغرب وليبيا وتركيا... إذ ستحاول الدول الأوروبية صناعة حزام حولها من الدول المستعدّة للتعاون بهذا الخصوص، لكي يظل طالبو اللجوء الجدد في هذه المراكز، بعيدا عن أوروبا.

سبق وأن وقع الاتحاد الأوروبي مع تونس اتفاقية لنفس الغرض، لكن الحكومة التونسية تراجعت عنها قبل أسابيع قليلة من الآن، كما أن هناك اتفاقا قريبا مع تركيا، وهناك تفاوض مع المغرب لمعرفة هل هو مستعد لتشييد هذا النوع من المراكز على حدوده مع أوروبا.

فالهدف واضح، وهو أن يظل طالبو اللجوء خارج حدود أوروبا، كما أن هناك تحوّلا سيحصل على مستوى الوقت الذي يقتضيه البث في طلبات اللجوء، إذ سيتم تقليصه، فبعد وصول اللاجئ المفترض إلى واحد من هذه المراكز، سيتم البث في طلبه في أجل بين 3 و6 أشهر، وإذا رُفض طلبه، يُرحّل مباشرة إلى بلده، دون أن يكون قد دخل التراب الأوروبي.

وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن دول الاتحاد ستحاول الاعتراف بعدد من الدول على أنها دول "آمنة" مثل مولدوفا والمغرب وتونس والجزائر وغيرها، أي أنها لا تشكل خطرا على مواطنيها الراغبين في اللجوء إلى أوروبا، وبالتالي، أي طالب لجوء سياسي قادم من هذه الدول سيُرفض طلبه مباشرة وسيرحّل إلى بلاده. 

يأتي ذلك في سياق معاناة ألمانيا من موجة المهاجرين السريين واللاجئين، فخلال شهر شتنبر الماضي فحسب، أحصت السلطات توافد 20 ألف مهاجر غير شرعي إلى أراضيها... 

صحيح، وليس ألمانيا فقط، فحتى بريطانيا مثلا استقبلت عددا كبيرا جدا من طالبي اللجوء، لدرجة أنها خصّصت لهم سفينة متنقلة حتى يظلوا خارج حدود بريطانيا.

إيطاليا هي الأخرى تشهد موجات كبيرة من المهاجرين أو الفارّين من الحروب، وبالنسبة لأوروبا، ففئة قليلة جدا من المهاجرين الواصلين لشواطئها يمثلها الهاربون من حروب أو ما شابه ذلك، فحصة الأسد من الفارّين من الحروب لا يصلون أوروبا أبدا، بل يبقون في الدول المجاورة لبلدانهم.

فإذا ما اطلعنا على ما حصل في الحرب الأهلية السورية، سنجد أن العدد الأكبر من اللاجئين لم ينتهِ بهم المطاف في أوروبا، بل توجّهوا إلى لبنان والأردن وتركيا، فلبنان لوحده استقبل عددا كبيرا منهم، إلى درجة أن عدد اللاجئين الموجودين على أراضيه، سوريين وفلسطينيين وإثيوبيين وسودانيين، وصل إلى ما بين ربع و ثلث سكان لبنان نفسه، كما أن تركيا استقبلت تقريبا 4 ملايين سوري، والأردن حوالي 1,3 مليون، وبالتالي، فمن يصل إلى أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، هي حصة قليلة جدا من العدد الحقيقي لهؤلاء اللاجئين.

ما هي أسبابُ هذه الموجة الجديدة - القديمة للهجرة من الجنوب نحو دول أوروبا؟   

الأسباب هي نفسها دائما، فهناك حروب في بعض المناطق، كسوريا مثلا، التي لم تنته فيها المشاكل، بل تتفاقم أحيانا، خاصة في إدلب وحمص ومناطق الشمال، والناس دائما ما تهرب من هذه المناطق.

هناك دولة لبنان أيضا التي أفلست تقريبا، وتعرف مشاكل اقتصادية لدرجة أنها تعاني حتى لتوفير الماء والكهرباء لمواطنيها.

هناك كذلك الصراع بين الأكراد وبين تركيا في شمال سوريا، وهو ما يُسهم أيضا في وجود عدد من النازحين، وهناك أيضا الكوارث الطبيعية التي تحصل بين الفينة والأخرى، كما حدث في زلزال إندونيسيا وتركيا وغيرها.

فهناك إذن، تداخلُ مجموعة من العوامل منها ما هو بشري كالحروب وغيرها، ومنها ما هو طبيعي، كالكوارث، دون أن ننسى طبعا مخلفات فيروس كورونا، الذي ترك مجموعة من دول العالم تتخبط في مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، فكل هذه الأسباب، مجتمعة، تدفع عددا من الناس لترك دولهم والبحث عن ملاذات جديدة، سواء لوجود كوارث طبيعية أو إنسانية تحول دون عيشهم بشكل آمن في بلدانهم، أو لغياب الفرص الاقتصادية للعيش الكريم.

فبالتالي هذا أمر ليس بجديد، فدائما يبحث الناس عن مستقبل أفضل، إلاّ أن الوضع تفاقم بأوروبا خلال الفترة الأخيرة، ربما لأن الحيز الزمني بين كارثة وأخرى، على الصعيد الدولي، أصبح ضيّقا أكثر من أي وقت مضى: بين زلزال هنا، وفيضان وحرب أهلية وانقلاب عسكري هناك.

بالعودةِ إلى السياسة الجديدة للهجرة، التي تستعدّ دول أوروبا لاعتمادها، كيف يمكن أن تنعكس على حياة المغاربة والعرب والمسلمين بشكل عام، القاطنين أو الراغبين في الاستقرار بالقارة العجوز؟

حينما نتحدث عن سياسة الهجرة الجديدة، فعلينا أن نعلم أن العرب والمسلمين هم الفئة المستهدفة أساسا بها، ولا يجب أن نغفل أن سَطوةَ اليمين المتطرف في أوروبا هي في تزايد مخيف خلال السنوات الماضية، فنحن نرى أن الحركة المتطرفة وصلت إلى السلطة في إيطاليا، وماري لوبان، زعيمة اليمين الفرنسي، لها حظوظ كبيرة، مقارنة مع السنوات الماضية، لكي تنجح في الانتخابات القادمة وتصبح بذلك رئيسة لفرنسا، لدينا أيضا حزب "فوكس" المتطرف في إسبانيا، الذي يحقّق هو الآخر مكاسب سياسية كبيرة، والمُفاجئةُ، أنه لدينا تحالف بين الاشتراكيين وقوى متطرفة يمينية بالدانمارك، وهو أمر لم نشهده من قبل.

فالصورة العامة هي أن الحركات اليمينية المتطرفة بأوروبا تحقق مكاسب سياسية كبيرة ونجاحا تلو الآخر. ومعنى ذلك أن وصولهم لمراكز القرار السياسي أصبح وشيكا، وإذا حصل الأمر، ستكون له تداعيات مباشرة على سياسات هذه الدول إزاء الهجرة.

ففي ألمانيا على سبيل المثال، حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني المتطرف، أصبح القوة السياسية الثانية في البلاد، خلف الحزب المسيحي الديمقراطي، بعد أن كان في المرتبة الرابعة أو الخامسة من قبل، وهذا تحوّل رهيب جداً، خاصّة أن هناك توقّعات لا تستبعد أن يُصبح حزب "البديل" القوة السياسية الأولى في البلاد خلال قادم السنوات، فكل النقاشات التي تدور حول الهجرة هنا، يرخي هذا الحزب المتطرف بظلاله عليها، أما إذا أصبح أكبر قوة سياسية في البلد ونجح في الانتخابات وقام بتشكيل الحكومة، على الرغم من محاولات الأحزاب الديمقراطية للتصدي لهذا الأمر،  فيعني هذا أنه يُمكن أن يغير القوانين لتتوافق مع نظرته السياسية.

وأريد هنا الإشارة إلى أن نانسي فيزر، مرشحة الحزب الاشتراكي بألمانيا، وهي بالمناسبة نفسها وزيرة الداخلية بالحكومة الفيدرالية، خلال الانتخابات الأخيرة بولاية هيسن، التي أجريت منتصف شهر أكتوبر 2023، تبنت مواقف نوعا ما متشددة، وهي مواقف نعرف أنها قريبة لأحزاب مثل حزب البديل ولا تمت بصلة بالحزب الاشتراكي، وكان أملها، من خلال التعبير عن هذه المواقف، أن تكسب أصوات المتعاطفين مع اليمين المتطرف، فكل هذا يبين أن اليمين الراديكاليّ بألمانيا يحقق مكاسب سياسية باستعمال سياسة متطرفة، ضد الإسلام، ضد المهاجرين، ضد الأجانب بشكل عام وضد الثقافة المتنوّعة. 

بما أن نانسي فيزر هي وزيرة بالحكومة الفدرالية، أليس هناك توجس من نقل هذه "المواقف المتشددة" إلى الحكومة؟ 

أكيد طبعا، فهذا أمر وارد، وهناك قضية مشابهة أثارت جدلا هنا في ألمانيا مؤخرا، فالرئيس الجديد للحزب الديمقراطي المسيحي، الذي قادته المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل طيلة 18 سنة، فريدريتش ميرتس، أدلى بتصريح فُهم منهُ أنّهُ فتحٌ للبابِ أمام ائتلاف حكوميّ مع حزب "البديل"، اليميني المتطرف، إذ قال ما معناه إنه يرفض سياسات هذا الحزب، لكن في نهاية المطاف على الأحزاب أن تتعامل مع الواقع وهي مضطرة للتحالف مع بعضها لتسيير شؤون البلاد.

هذا التصريح اعتبرته الصحافة بدون استثناء والطبقة السياسية، أنه تعبير عن النية للتحالف مستقبلا، إلاّ أن رئيس هذا الحزب، الأقوى سياسيا في البلاد، تراجع تحت الضغط الشعبي عن هذا التصريح، لكن التخوف ظل موجودا من إمكانية نجاح هذا الحزب اليميني المتطرف في إقناع الحزب المسيحي الديمقراطي أو حزب كبير آخر مستقبلا، للتحالف وتشكيل حكومة، وإن حصل هذا، فسيكون القرار بيد اليمينيين المتطرفين، وهو ما سينعكس لا محالة على القرارات والقوانين الخاصة بالهجرة.

بالنسبة للمغربِ، فهو في وفاق حاليا مع الجارة الشمالية إسبانيا، كما أن علاقته مع ألمانيا عادت لطبيعتها بعد سوء فهمٍ تم تبديدهُ، هل ينعكس هذا الوضع، إيجابا، على ملف الهجرة بين إفريقيا وأوروبا المارّة عبر المملكة؟

نعم يمكن ذلك، فقبل عام تقريبا كان هناك حديث عن إمكانية تقليص المساعدات المتعلقة بالتنمية البشرية بالنسبة للدول التي ترفض التعاون مع ألمانيا، عن طريق استرجاع مواطني هذه الدول الذين يتم ترحيلهم لسبب أو لآخر، والمغرب ذُكر بالاسم خلال هذا الملفّ، من بين الدول التي تطالبها ألمانيا بالموافقة على استقبال مواطنيها المرحلين من الاتحاد الأوروبي.

فالأوروبيون لهم انتظارات من المغرب بخصوص ملف الهجرة، وهو أن يلعب دور الدركي الذي يمنع مرور المهاجرين السريين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء من المرور صوب الدول الأوروبية.  

وينتظر الأوروبيون من الحكومة المغربية، كذلك، توقيع اتفاقيات ذات طابع مالي، للكشف عن جميع ممتلكات الجالية المغربية المقيمة بالخارج داخل التراب المغربي حتى يمكن ربّما فرضُ ضرائب إضافية على هذه الفئة، فالعديد من الملفات المطروحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بخصوص الهجرة، هي ملفات شائكة، وأتوقع أن المغرب سيرفض الموافقة على بعضها.

المملكة حققت خلال السنوات الأخيرة قفزة في سياستها الخارجية، خاصة في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، كما نجحت في إرساء عدد من الشراكات رابح – رابح، لكن هذه المقاربة لم تنجح مع بعض الدول الأوروبية، فالتحدي المستقبلي في العلاقات الأوروبية - المغربية هو: إلى أي حد ستتفاعل الدول الأوروبية، جميعها، مع سياسة المغرب الجديدة هذه، والتي تضع قضية الصحراء في صلب أي علاقات ثنائية.

وهنا قوسٌ أريد أن أفتحه، فالمغرب في السنوات الأخيرة انفتح على المجتمع المدني في مجال الدفاع عن مغربية الصحراء، بعدما كان الملف رهينا بالجهات الرسمية فقط، وهو أمر جيد، وسياسةٌ استطاعت تعبئة عدد من الكفاءات المغربية في الخارج التي تبقى كنزا ثمينا بالنسبة للمغرب إذا ما عرف كيف يتعامل معها، بحكم أنها تتوفر على علاقات متشعّبة في بلدان المهجر، وهي قريبة لمراكز القرار.

إلا أنني أُسجّل نقصا في علاقة المغرب مع أبنائه بالمهجر على هذا المستوى، يجب الانتباه له، حتى لا تنفُر منه هذه الكفاءات، فحق الجالية في التصويت في الانتخابات، مثلا، بالرغم من حديث الملك محمد السادس في الموضوع، ما يزال مجمّدا.

ودعني أعطيكم مثالا آخر: أرادت أكاديمية المملكة المغربية أن تُرشّح بروفيسورا أو بروفيسورة لتمثل ألمانيا داخل هيئاتها، لكن لم يتم التشاور مع أي أكاديمي مغربي مقيم بألمانيا للقيام بالاختيار الموفق، والنتيجة كانت أن الاختيار وقع على بروفيسورة ألمانية من ولاية هيسّن، وللأسف، هي من أشد المعارضين للإسلام والمسلمين في ألمانيا، فمثل هذه الهفوات تجعل الكفاءات المغربية بالخارج تنفر من فكرة مدّ يد المساعدة.  

حسناً، ماذا عن الملفات التي يبقى المغرب قادرا على أن يكون فيها على وفاق مع الدول الأوروبية؟   

هي كثيرة ومتنوعة، كملف الطاقة المتجددة على سبيل المثال، وتصدير الطاقة الشمسية إلى أوروبا، فالمملكة تتوفر على عدد من المحطات الكبرى على الصعيد الدولي في هذا المجال كـ"نور" 1 و2 بورزازات، وحاليا تتجه الدول الأوروبية صوب الطاقات المتجددة بدل الأخرى التقليدية، إذ تحاول إنتاجها، لكنها لن تكون قادرة على إنتاج كل حاجياتها، وهنا يأتي دور المغرب ليكون الشريك الأول، فهو بذلك حقل اقتصادي من حقول المستقبل، أو ما يسمى بالاقتصاد الأخضر.

هناك أيضا ملف تصنيع السيارات، فالمغرب قبلة مهمة في هذا المجال، وإذا صحت الأخبار عن تصنيع مغاربة للسيارة التي تعمل بالهيدروجين الأخضر، يمكن أن تكون نموذجا للسيارات الصديقة للبيئة وأن تعمم في أوروبا.

وهناك كذلك المجال الأمني، بحيث يلعب المغرب دورا كبيرا في الحماية من التطرف الديني وفي التكوين الديني، ويمكن أن يلعب دورا أكبر مستقبلا، كما أن فترة فيروس كورونا أبانت عن ضعف أوروبي وخصاصٍ في المواد الأساسية والطبية، والدرس الذي خرج به الأوروبيون، أن عليهم العمل على توفير احتياجات جميع المواطنين الأوروبيين من هذه المواد في اللحظات الاستثنائية، حين تتوقف الصادرات على الصعيد الدولي أو تتأثر بشكل مُلفتٍ.

ولهذا يمكن للمغرب أن يكون بديلا للصين ولدول أخرى، في توفير جزء من الحاجيات الأوروبية من هذه المواد، بحكم قربه من هذا التكتل الإقليمي، وبالتالي فهناك عدد كبير من الملفات التي إن استغلها المغرب كما يجب، بالإمكان أن يكون له مستقبل مزهر مع أوروبا. 

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجر العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...