صحيفة إسرائيلية: المغرب يفعّل "قبة الصحراء الحديدية" ويغيّر موازين القوة في شمال إفريقيا مقابل انكفاء جزائري نحو الماضي
لازال السباق نحو التسلح في شمال إفريقيا يشهد تحولات متسارعة، تعكس عمق التباين في الخيارات الاستراتيجية بين دول المنطقة، في وقت تمر فيه التحولات الإقليمية والدولية بمرحلة إعادة تشكل عميقة، تُعاد خلالها صياغة مفاهيم القوة والردع خارج منطق التراكم الكمي التقليدي للسلاح.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة The Times of Israel أن الأيام الأخيرة من سنة 2025 حملت مؤشرات قوية على تغير جوهري في موازين القوة العسكرية جنوب البحر الأبيض المتوسط، تحوّل جرى بعيدا عن الأضواء لكنه يحمل دلالات استراتيجية بعيدة المدى.
ووفق الصحيفة الإسرائيلية، تزامن هذا التحول مع مشهدين متوازيين يعكسان مسارين متناقضين داخل الفضاء المغاربي، ففي الجزائر، انشغل البرلمان بجلسة صاخبة انتهت بالتصويت بالإجماع على قانون يجرّم الحقبة الاستعمارية الفرنسية، في خطوة تعكس استمرار تركيز الخطاب الرسمي على استحضار الذاكرة التاريخية بوصفها ركيزة للشرعية السياسية، وفي المقابل، كانت أنظمة الرصد التقنية تلتقط إشارات تشغيل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة "باراك MX"داخل المجال الترابي المغربي.
وترى الصحيفة الاسرائيلية أن تفعيل هذه المنظومة لا يندرج في خانة التحديث العسكري التقليدي، بل يمثل انتقالا نوعيا في طبيعة الردع الإقليمي، فالمنظومة، القادرة على اعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة على مسافات تصل إلى 150 كيلومترا، تعيد صياغة معادلة السيطرة الجوية، وتمنح المغرب قدرة دفاعية متعددة الطبقات قادرة على التعامل مع التهديدات الحديثة التي باتت سمة النزاعات غير المتكافئة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا التطور يقلّص من فعالية الترسانة الجزائرية المعتمدة أساسا على منظومات روسية من قبيل "إس-300" وطائرات "سوخوي"، والتي شكلت لعقود عنصر الضغط الرئيسي في ميزان الردع الإقليمي، ومع دخول "باراك MX" الخدمة، تؤكد الصحيفة أن التفوق الكمي القائم على العتاد التقليدي بات أقل تأثيرا أمام منظومات تعتمد على التفوق التكنولوجي والتكامل المعلوماتي.
وفي قراءة للسياق الأمني، تربط The Times of Israel هذا التحول بتزايد المخاوف المرتبطة بانتقال تقنيات الطائرات المسيّرة والذخائر إلى جماعات انفصالية، وعلى رأسها جبهة البوليساريو، معتبرة أن تأمين المجال الجوي للأقاليم الجنوبية للمملكة لم يعد خيارا سياديا فقط، بل ضرورة استراتيجية في ظل تغير طبيعة التهديدات.
غير أن الصحيفة تؤكد أن الرهان المغربي لا يتوقف عند بناء منظومة دفاع متقدمة، بل يمتد إلى ترسيخ صناعة عسكرية محلية، فقد كشفت عن تدشين مصنع "BlueBird Aero Systems"للطائرات المسيّرة في إقليم بنسليمان، باعتباره أول منشأة صناعية دفاعية إسرائيلية في شمال إفريقيا، حيث أ هذا المشروع، الذي سيُنتج ذخائر وطائرات مسيرة من طراز "SpyX"، يعكس انتقال المغرب من وضعية المستورد إلى فاعل صناعي وشريك تكنولوجي، في مسار يعزز الاستقلالية الدفاعية على المدى المتوسط والبعيد.
وفي مقارنة مباشرة، ترى الصحيفة الاسرائيلية أن الجزائر ما تزال تعتمد على استيراد العتاد الجاهز من روسيا، في سياق يستنزف الموارد المالية ويحد من نقل التكنولوجيا، مقابل خيار مغربي يقوم على استيراد المعرفة وبناء القدرات الصناعية، بما يسمح باندماج الكفاءات المحلية في سلاسل إنتاج متقدمة.
وتذهب الصحيفة إلى أن التركيز الجزائري على تشريعات الذاكرة التاريخية، وفي مقدمتها قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، يعكس محاولة لإعادة إنتاج خطاب تعبوي داخلي، في وقت تعرف فيه العلاقات مع باريس، الشريك التجاري الأكبر، توترًا متزايدا، حيث أن هذا التوجه يعمّق العزلة الدبلوماسية في لحظة إقليمية تتطلب مرونة وتحالفات فعالة.
وفي منظور أوسع، يعتبر المصدر ذاته أن اتفاقيات أبراهام تجاوزت بعدها الدبلوماسي الرمزي، لتتحول إلى بنية أمنية ملموسة في شمال إفريقيا، فوجود منظومات دفاع جوي إسرائيلية تحمي محيط مضيق جبل طارق، إلى جانب مصانع للطائرات المسيّرة داخل التراب المغربي، يعكس تشكل محور أمني جديد يربط أمن غرب المتوسط بأمن الشرق الأوسط.




