صحيفة "ساحل أنتلجنس": شنقريحة أسس وحدة "KL-7" تضم مُرتزقة وعناصر من الجيش الجزائري للقيام بعمليات تخريب في دول الساحل والمنطقة
في تطور مقلق يُسلط الضوء على الطابع غير المُعلن للسياسات الأمنية الجزائرية في منطقة الساحل، كشفت مصادر من الدرك الوطني الجزائري عن وجود وحدة سرية مكوّنة من مرتزقة أجانب تم إنشاؤها في جنوب البلاد تحت إشراف النظام العسكري، وتحمل الاسم غير الرسمي "KL-7"، توصف بأنها قوة شبه عسكرية/شبحية، متورطة في عمليات تهدف إلى زعزعة استقرار دول الجوار بالتنسيق مع جماعات مسلحة غير حكومية، بعضها مُصنف كتنظيمات إرهابية من قبل المجتمع الدولي.
ونقلت صحيفة "ساحل أنتلجنس" عن عسكري جزائري سابق، أن ولادة هذه الوحدة تعود إلى ما يقرب من عامين، حيث جرى انتقاء أفرادها بدقة من بين عناصر النخبة في القوات الخاصة الجزائرية ومن بين مرتزقة أجانب محترفين. ويقود الوحدة ضابط يُشار إليه بالأحرف "د.م.ل"، ويُعتقد أن عناصر الوحدة تلقوا تدريبات متقدمة في حروب غير متماثلة، عمليات تخريب، وتكتيكات سرية، وما يزيد من غموضها أنها تموَّل من ميزانية الجيش عبر قنوات سرية، مما يُبعدها عن أي رقابة رسمية أو محاسبة مؤسساتية.
وتُعرف هذه القوة داخل الأوساط الاستخباراتية بوصفها بـ"وحدة الطيف" أو "الشبح"، إذ تُشير تقارير إلى ضلوعها في عدد من العمليات العنيفة التي نُسبت زورا إلى جماعات متمردة محلية، من لعل أبرزها وفق ما نقلته المصادر ذاتها تفجيرات استهدفت منشآت مدنية وعسكرية، واغتيالات مركزة لزعماء قبليين ومجتمعيين، مع إشعال صراعات عرقية وقبلية.
وقد تركزت هذه الأنشطة في بلدان الساحل الإفريقي، خاصة مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وامتدت إلى ليبيا ونيجيريا، ما يطرح علامات استفهام حول نطاق التمدد العملياتي لهذه الوحدة الجزائرية.
ويقول محلل عسكري سابق، فضل عدم كشف هويته، للصحيفة إن ما يجري لا يمكن تصنيفه كأنشطة لمتمردين محليين، بل هو "استراتيجية منهجية ومدروسة تهدف إلى إضعاف الحكومات المنافسة"، مشيرا إلى أن الهدف المركزي للنظام الجزائري يتمثل في ضرب الاستقرار الإقليمي والحفاظ على موقع الجزائر كقوة محورية، خصوصا في ظل تراجع وزنها الدبلوماسي مقابل صعود لاعبين آخرين في المنطقة في مقدمتهم المغرب.
الأخطر من كل ذلك، وفق ما كشفته بعض المصادر حول علاقات عمل مباشرة بين وحدة "الطيف" وجماعات جهادية تنشط في الساحل، مثل القاعدة، تنظيم الدولة الإسلامية، وبعض الفصائل الطوارقية الموالية للجزائر.
وهذه العلاقات تتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية، تنفيذ عمليات مشتركة، وتسليم أسلحة متقدمة لهذه الجماعات، وهي المعطيات، التي في حال تأكدها، تعني أن الجزائر لم تعد فقط تُمارس سياسة التدخل غير المباشر، بل تخوض حربا هجينة بالوكالة، وتُوظف الإرهاب كأداة في استراتيجيتها الإقليمية.
وأبرز التقرير ذاته، أن سكان محليون في جنوب الجزائر وشمال مالي تحدثوا عن ظواهر مقلقة، منها اختفاءات غامضة في بعض القرى، وشهادات نازحين يتهمون رجالا "يتحدثون لغات أجنبية" بتنفيذ غارات ليلية على قراهم، فيما يبدو أن هذه الأنشطة جزء من نمط متكرر تتبعه "KL-7" في تحركها عبر الحدود، بما يعكس طبيعة عمليات متنقلة ومؤقتة.
وبحسب عناصر من الدرك الجزائري، يوجد مركز قيادة وتدريب هذه الوحدة السرية في منطقة صحراوية جنوب مدينة تمنراست، ويخضع لاتصال مباشر مع الجنرال سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، أو مع أحد أركان دائرته الأمنية المقربة.
ويُقدّر عدد أفراد الوحدة بما بين 100 و120 عنصرا، يتناوبون على المهام في دورات تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، يتم بعدها سحبهم أو إعادة نشرهم في مناطق أخرى وفقًا للأجندة الاستراتيجية.
وتسريب هذه المعلومات في هذا التوقيت يضع الجزائر في موضع محرج دوليا، خاصة في ظل سعيها للظهور كوسيط إقليمي يدعو إلى الحوار والاستقرار، فبينما تُنكر الجزائر أي تدخل عسكري في دول الجوار، تشير الوقائع إلى تغلغل فعلي وعميق داخل بؤر النزاع، بوسائل غير تقليدية.
وإن كانت هذه التسريبات صحيحة، فإن الجزائر قد تتحول من فاعل دبلوماسي إلى مُهندس لعدم الاستقرار الإقليمي، مما يهدد بإعادة خلط أوراق الأمن في الساحل والصحراء، ويُدخل المنطقة في طور جديد من الفوضى المُمنهجة، سيما وأنه لا يمكن فصل ما تقوم به وحدة "الطيف" الجزائرية عن الرهانات الجيوسياسية الكبرى التي تضع المغرب في صلب استهداف استراتيجي مباشر، فبينما تتحرك الرباط بثبات على المسار الأممي لحل قضية الصحراء المغربية، مدعومةً بمبادرة الحكم الذاتي وبدينامية دبلوماسية تتوسع، يبدو أن الجزائر ترد من الخلف، عبر وكلاء الظل وأذرع غير نظامية، من بينها جبهة البوليساريو التي ما فتئت تتلقى الدعم المالي والعسكري والسياسي من الدولة الجزائرية، فوق الطاولة وتحتها.
وتتقاطع وحدة "الطيف"، سواء في بنيتها العملياتية أو أهدافها، مع العقيدة القديمة الجديدة للنظام الجزائري القائمة على تصدير التوتر، لا فقط إلى دول الساحل، بل إلى الغرب أيضا، وتحديدا إلى المناطق العازلة في الصحراء المغربية، وتثير هذه التقاطعات مخاوف متزايدة من أن تتحول "KL-7" إلى ذراعٍ لوجستية موازية تُغذي البوليساريو بأساليب حرب غير تقليدية، بعيدًا عن الرقابة الأممية.
وإذا كانت الجزائر قد حاولت، لسنوات، إخفاء تورطها المباشر في نزاع الصحراء عبر ورقة "تقرير المصير" ودعم البوليساريو إعلاميا ودبلوماسيا، فإن الوحدات مثل "الطيف" تكشف أن اللعبة تجاوزت الصيغ القانونية إلى واقع عسكري ميداني متشابك، فبنية وحدة KL-7، القائمة على عناصر مدربة على التخريب، والمرتبطة بجماعات غير حكومية، تتطابق مع تكتيكات البوليساريو ما بعد وقف إطلاق النار، حيث تُستخدم الصواريخ قصيرة المدى، والمسيرات، والهجمات الرمزية ضد الجدار الدفاعي المغربي.
وأمام هذا المعطى الجديد، يجد المغرب نفسه في موقع دولة تحارب على جبهتين، الأولى دبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة، والثانية أمنية في عمق الصحراء وعلى حدود الساحل، ومع بروز وحدات مثل "الطيف"، تتعزز فرضية أن الجزائر تنقل الصراع من المؤسسات الدولية إلى الحقول الرمادية للعمليات السرية.
لكن المغرب، الذي بنى درعا استخباراتيا ودبلوماسيا متماسكا، يدرك أن مواجهة هذه الأنماط الجديدة من التهديدات لا تتم فقط عبر الجيوش، بل عبر كسر خطاب الضحية الذي تتغذى منه البوليساريو، وكشف تحالفاتها الميدانية التي تُدار من غرف العمليات في تمنراست وورقلة والرباط القديمة في الجزائر العاصمة.




