صنصال: "الجزائريون لا يعرفون من يحكمهم منذ الأزل".. والنظام "ديكتاتور وحشي" لا يستطيع العيش بدون فرنسا
في اليوم الموالي للحكم الاستئنافي الذي أدان الصحافي الفرنسي كريستوف غليز بسبع سنوات سجنا في الجزائر، خرج الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي نال عفوا رئاسيا الشهر الماضي بعد عام قضاه خلف القضبان، ليقدّم واحدة من أكثر القراءات قسوة وشمولية للنظام السياسي الجزائري وعلاقته المتوترة بفرنسا.
واختار صنصال إذاعة RTL ليكشف من جديد عن رؤيته للنظام الجزائري الذي يسميه "ديكتاتورية وحشية وشريرة وقاسية"، وليعيد طرح الأسئلة الكبرى التي ظلت معلّقة بين البلدين منذ عقود، في لحظة سياسية ودبلوماسية حساسة تضغط فيها باريس من أجل الإفراج عن غليز.
وكان صنصال قد جُرم بخمس سنوات سجنا لأنه تجرأ على مناقشة علنية لمسألة الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهي من أكبر الطابوهات السياسية في الجزائر ومع ذلك، ما إن نال العفو الرئاسي حتى عاد إلى الفضاء الإعلامي، لا ليقدّم رواية شخصية عن سجنه فحسب، بل ليهاجم بنية النظام الذي يديره.
صنصال وفي حديثه عبر RTL، وصف الحكم الصادر بحق كريستوف غليز بأنه "مهزلة قضائية" معتبرا أن القضية ليست سوى عرضٍ لمرض سياسي عميق إذ يقول إن الحكم والقضاء من جهة، والعفو والسلطة السياسية من جهة أخرى يتحركان في مسارين متوازين ومتعارضين في الوقت نفسه ما يعكس غياب "سلطة واحدة" في الجزائر، ويفتح الباب أمام الفوضى والاعتباطية وتضارب مراكز القرار.
ومضى الكاتب إلى أبعد من ذلك حين قال عبر الإذاعة الفرنسية "لا أحد يعرف من يحكم الجزائر منذ الأزل بالنسبة لغالبية الجزائريين، الرئيس ليس إلا دمية" ففي كلمات قليلة، يلخص صنصال ما يراه جوهر الأزمة السياسية في بلده الأم أي تعددية خفية للسلط داخل الدولة، تجعل القرارات غير قابلة للتوقع، وتحوّل السياسة إلى منطقة رمادية حيث لا شيء واضحا، لا حدود السلطة ولا آلياتها ولا مركز ثقلها.
وهذا التشخيص الذي قدّمه صنصال ليس جديدا تماما، لكنه يكتسب الآن وزنا أكبر في ظل السجال الحاد الذي أثاره الحكم على غليز، وفي ظل الانتقادات الفرنسية المتزايدة لظروف عمل الصحافيين في الجزائر غير أن صنصال لم يتوقف عند حدود القضية القضائية فقد أعاد تفكيك العلاقة المعقدة بين فرنسا والجزائر، مقترحا صورة تؤكد التداخل البنيوي بين البلدين رغم العواصف الدبلوماسية المتكررة.
وقال بصراحة غير مألوفة "الجزائر لا يمكنها أن تعيش من دون فرنسا" فبالنسبة له، ليست هذه جملة مبالغ فيها، بل توصيف واقعي لارتباطات اجتماعية واقتصادية وثقافية ضاربة في العمق، ذلك أن هناك كما يذكّر، ستة ملايين جزائري يعيشون في فرنسا وقطع العلاقات أو تخريبها سيكون "تمزيقا فوق جرح لم يلتئم"، لذلك، يعتقد صنصال أن على البلدين "ترميم كل ذلك بسرعة" لأن العناد المتبادل في رأيه، يخدم فقط عزلة السلطة الجزائرية وابتعادها أكثر عن محيطها الإقليمي والدولي.
ويتقاطع هذا الطرح مع النقاش الجاري في باريس حول إمكانية إعادة التفاوض على اتفاق 1968 الخاص بتنقل الأشخاص بين البلدين فبالنسبة لصنصال كل شيء يمكن مناقشته، بشرط أن يتم تجاوز "العقد النفسية" التي تحول دون حوار عقلاني ويضيف أن الجزائر نفسها "مستعدة تماما" لإعادة التفاوض، بل إن الأمر بالنسبة إليه مجرد "إيجاد شرارة" للجلوس إلى الطاولة.
لكن خلف هذه الدعوة إلى الترميم، يقدّم صنصال شهادة قاسية عن واقع السجون الجزائرية التي يعتبرها انعكاسا مباشرا لطبيعة النظام فهو يصف آلة قمعية لا تتوقف بقوله "السلطة الجزائرية تنفّذ مئات، بل آلاف الاعتقالات يوميا في السجن الذي كنت فيه ربما الأكبر في إفريقيا يدخل 400 شخص كل يوم بعضهم يُعتقل لأنه قام بـ"الإعجاب" بنص على الإنترنت" وهذه الصورة التي يقدمها إطار تفسيري لتصاعد الاعتقالات التي طالت صحافيين ونشطاء ومواطنين عاديين منذ نهاية حراك 2019.
وترى منظمات حقوقية أن القانون الجزائري المتعلق بمكافحة الإرهاب يُستخدم لتجريم التعبير الرقمي وحتى الأنشطة السلمية، وهو ما يجعل حكم غليز جزءا من منظومة متكاملة من التضييق على الأصوات المستقلة.
ورغم كل ذلك، يصر صنصال على رفض الصمت موردا: "قيل لي بوضوح إن من مصلحتي أن أصمت لكن يجب التوقف عن إهانة أنفسنا يجب المقاومة" ويُذكّر بأنه يقاوم النظام منذ خمسة وعشرين عاما وأن معركته ليست شخصية ولا محدودة بسجنه أو سجن غليز، بل تتجاوز ذلك إلى ضرورة "تقويم الأنظمة التي أحدثت أذى هائلا منذ ثلاثين أو أربعين أو ستين عاما".
وبالنسبة له، التفكير في المسألة من زاوية الأفراد فقط غير كافٍ، إذ يدعو إلى تجاوز "قضية صنصال" و"قضية كريستوف" والنظر إلى التغيير على المدى الطويل، فيما وعلى الرغم من قسوته في وصف النظام يؤكد صنصال أن الجزائر ما تزال "بلده القلبي" لكنه بلد يصعب العودة إليه فعلى الرغم من حصوله على العفو، اكتشف مؤخرا أن جواز سفره قد جرى تعطيله من قبل السلطات الجزائرية.
ومع ذلك يصر على أنه سيعود "أنا بلا مأوى لن أطلب تأشيرة أنا جزائري، وأدخل بجواز سفري وعندما أصل إلى المطار، فليفعلوا ما يشاؤون" غير أن العودة ليست الآن فصنصال يرى أن سفره في الظرف الراهن سيكون "استفزازا غير ضروري" ولذلك يفضّل الانتظار حتى يهدأ المناخ السياسي، وحتى يُفرج عن كريستوف غليز، وحتى "يدرك النظام أنه يجب أن يتوقف عن سجن الناس" بهذه الكلمات، يربط الكاتب مصيره بمصير بلده وبمصير الصحافي المعتقل، في مشهد يكثّف التوترات العميقة بين القانون والسياسة، وبين السلطة والمجتمع، وبين ذاكرة الاستعمار وإكراهات الحاضر.




