عُيُونُ الشّفافيّة!

 عُيُونُ الشّفافيّة!
أحمد إفزارن
السبت 27 فبراير 2021 - 13:59

الشّفافيّةُ لها عُيُون… وبنَظرةٍ واحِدة، يَنشقُّ أمامَها الأُفُق.. ويَختفِي الغُمُوض.. وتَبرُزُ الحَقائق.. ونَعرِفُ ما وَقَع.. ونستقرئُ الغد.. ونُعايِنُ ما سوفَ يأتِي.. هي ذي الشّفافيّةُ التي نَسعَى - معًا - لتَطويرِها وتَطويعِها، خِدمةً لبَلدِنا، ولآفاقِ بلدِنا، في عَلاقاتِه الدّاخليّة، ومع العالَم.. وما أحوجَنا إلى مَزيدٍ من الرُّؤَى الشّفّافة!

  • بعُيُونِ الشّفافيّةِ نَرَى ما يُرَى.. وما لا يُرَى..
    نَرَى الليلَ والنهارَ وكُلَّ التّكامُلاتِ والتّناقُضات.. والحاضِرينَ والغائبِينَ مَعًا، جالسِينَ على مائدةٍ واحِدة..
    ونَرَى ما بِدَاخِلِ الصّندُوقِ الشّفّاف..
    عُيُونُ تَرَى كلّ شيء..
    وهذه مِنَ الأسرارِ الشّفافَة..
    الشّفافيّةُ حِزامٌ مُجتَمَعِيّ واضِح..
    يَحمِي البِلادَ من أيّ تَجاوُزٍ وأيّ احتِقان..
    ولِكَي نَكُونَ في مُستَوَى طُمُوحاتِ بَلدِنَا، عَليْنا بقِيّمِ الوُضُوحِ والمُراقبَةِ والمُحاسَبةِ ومُكافحَةِ الفَساد..
    والشّفافيّةُ - بهذهِ القِيّم - أساسٌ لبناءِ الثّقةِ بينَ السُّلطاتِ والمُجتَمع.. ولا تَكُونُ إلاّ بعَلاقةٍ مَفتُوحةٍ بين الحَاكمِ والمَحكُوم..
    وعلى مَن يَحكُمُونَ البِلادَ ألاّ يُخفُوا أسرارًا، أو أموالاً، أو مَعلُومات.. وألاّ يُسيؤُوا استِعمالَ مَسؤُولياتِهم..
    ولكن، في أيّ اتّجاهٍ يَستَخدِمُون سُلطَتَهم؟ هل في اتّجاهٍ مَضبُوط؟ أم مُنحَرِف؟
    يُريدُ المُجتمَعُ أن يَتأكّد أنّ مَن يُمَثّلُونهُ في الجَماعاتِ المَحلّيةِ والبرلمانِ والحُكومةِ والأحزابِ وغيرِها، لا يَكذِبُون على بعضِهم وعلى غيرِهِم.. وعلى كلّ الناس..
    ولا يكفِي أن يُقالَ إنهُم شَفّافُون صادِقُون نُزهاء..
    ما الدّليلُ على هذه القَولة؟ أين الدّليل؟
    وأيُّ مُسؤولٍ لا يُقدّمَ الدّليل، هو مُشتَبَهٌ في استِدلالِه.. وأيةُ حُكومةٍ لا تُقدّمُ للنّاسِ إلا الكلامَ المَعسُول، قد تكُونُ - فقطّ - قوّالةً لا فعّالة..
    والتّصرِيحَاتُ الحُكوميّةُ المُنبَنِيّةُ على إقناعاتٍ إيديُولوجيّة أو مُعتقَداتيّة، هي أقربُ إلى العَواطِف، بعيدةٌ عن المَنطقِ العَقلِي..
    والاحتِكامُ لا يكُونُ إلا للعَقل..
    وما لا يُصدّقُه العقلُ هو غيرُ مَقبُول..
    ولا يكفِي أن يَعتمِدَ أيُّ مَسؤولٍ على أقوالٍ لتبريرٍ أفعال، ولو كانت واردةً في بيانات..
    أين هو الإثبات؟
    وهُنا أيضا تتَدَخّلُ الحَكَامةُ والمُراقبَةُ، ثمّ التّقيِيمُ والمَسؤولية..
    وربطُ المسؤوليةِ بالمُحاسَبَة..
  • والشّفافيةُ لا تسِيرُ وحدَها..
    وليسَت وَحدَها على الطّريق..
    هيّ دَومًا مُحاطَةٌ بالقِيّمِ المُرافِقَةِ التي تَكُونُ معها وهي فِكرة، ثم تحليل، فمُناقَشَة، فبَيانٌ للنّشر، فَتَصمِيمٌ قابلٌ للإنجَاز، ثم مُراقَبَةٌ لِمَدَى جَودَةِ المَنتُوج..
    وبعدَ هذه المَراحِل، يأتي المِلفُّ الإعلامِي..
    ماذا وَردَ في الصّحافةِ والإعلام؟ وما قَولُ الخُبراء؟ ورأيُ الجَلساتِ العُموميّة للمَجالس، والبرلمان، ومُؤسّساتِ المُتابَعَة..
    الشّفافيةُ تُتَابِعُ المَشروعَ قبلَ بِدايتِه، وتتَواصَلُ بعدَ النّهاية.. فما عُمرُ جَودةِ الإنتاج؟ وهل التّكلُفةُ الإجماليةُ مَعقُولة؟ ألَيس هُناك غِشّ؟ وهل تَفلِتُ الشّفافيةُ منَ الشّكُوك؟
    إنّ المشاريعَ التّنمَوية كلّها يجبُ أن تخضَعَ لمُراقبةٍ شفّافَة..
    ومعَ السّنين، ألاَ تَنكَشِفُ بصَماتّ لأيّ غِشّ مُحتَمَل، في مكانٍ ما، أو ظَرفٍ ما؟
    عِندَها، يُعرَضُ الغِشُّ على القَضاء..
    وها هيّ الشّفافيةُ كما يجِبُ أن تكُون..
    وليست - فقطّ - كلامًا مُرافِقًا للمَشاريع، بل قد تَصلُ أيضًا إلى مُستَوَى الوُقُوفِ في "قفَصِ الاتّهام"..
    إنها العدالةُ تَضبِطُ مَدَى شفافيّةِ الشّفافية..
    والعدالةُ تعنِي عدّةَ أطرافٍ منها شُهودُ عِيّان.. فما هي الأطرافُ التي عايَنَت الشّفافيةَ مِن بِدايةِ المَشرُوعِ إلى نِهايَتِه؟ وما مَدَى مُساهَمَةِ الشّفافيةِ في مُكافَحَةِ الفَسادِ عِندَنا وفي العالَمِ قاطِبَة؟ ومَدَى مُساهَمَتِها في خِدمةِ البلَد، وحقوقِ المُجتَمع؟ وهل المَعلُوماتُ التي تُقدّمُها الجِهاتُ المسؤولةُ مُقنِعةٌ للجَمِيع، من حيثُ هي معلُومات، وإجراءات، وعمَلٌ مَيدانِي؟
    وفي كل الأحوال، هذه المَعلوماتُ وغَيرُها تَرتبطُ بحُقوقِ الدّولةِ والمُواطِن..
  • الشّفافيةُ كَشفٌ للمِصدَاقيّة..
    مِصدَاقيّةِ المَنتُوجِ المَادّي واللاّمادّي..
    مِصداقيةٌ يَحمِيها القانُون.. تحتَ أضواءِ العَلَنيّة..
    تُتيحُ لكُلّ البلادِ أن تَنجَحَ في تطويقِ الفَسادِ بأشكالِهِ وأنواعِه..
    وتُتِيحُ للمُواطِنِ التّعرّفَ على حُقوقِه وَواجباتِه، والإلمامَ بمُختَلفِ الأنظمةِ والقوانينِ المُكافِحةِ للفَساد..
    ويُقالُ في الشّفافيّة: إنها تُشبهُ صندوقًا من زُجاج، كلُّ ما بداخِلِه يَراهُ الحُضور.. ومهما كانَ بداخلِ الصّندوق، فإنّ النّتيجةَ ذاتُ تأثيرٍ على المَصلحة العامّة..
    والناسُ ترى بكلّ وُضُوحٍ ما تقُومُ به مُؤسّساتُ الدولة مِن برامجَ وأعمالٍ وإنجازات، ولكنها تَرى أيضًا حتى ما لا يُنجَزُ، كما ترَى أسبابَ الإخفاق..
    وترى ما كان يجبُ على الحُكومةِ أن تعمَل، وفي الظرفِ المُبَرمَج، خدمةً لكلّ البلد..
  • وبالشّفافيةِ نرَى الحُضُورَ والغياب..
    والحُضُورَ عندما يَغِيب.. والغيّابَ عندما يحضُر..
    والنّجاحاتِ والإخفاقات.. وحتى ما ليس داخِلَ الصّندُوقِ الزّجاجي..
    وهذه من عَجائب الصّندوقِ الشّفّاف..
    الشّفافيّةُ تكشِفُ المَكشُوفَ وما ليس مَكشوفًا..
    وفي هذا السياقِ أيضا يُقال: الشّفافيةُ تُبَسّطُ العلاقةَ بينَ الإداراتِ والمُواطِنين، في كلّ ما يَرتبطُ بالاقتِصادِ والتّنميّة..
    كما تَسمَحُ بمَعلُوماتٍ مُجَدَّدَةٍ مُدَقَّقَةٍ بخصوصِ الإنتاجِ والإدارات، وباقي الفَعاليّات.. وهذه تَسمَحُ بوَضعِ استراتيجياتٍ إنتاجيّة، وِفقَ ما تنُصّ عليهِ مَصلَحةُ الدّولة، مع تَجنُّب أيةِ أخطاءٍ مُستَقبَليّةٍ قد تَنتُجُ عنها عَواقِبُ غاليّةُ التّكلُفَة - قَولاً وفِعلاً - في مَجالاتِ التّنميّة..
    وهذه من القِيّمِ الوَطنيةِ المُشترَكَة التي تَحتاجُنا ونَحتاجُها في حياتِنا اليَوميّة، وتعنِي أنّ مَداخيلَنا واضِحة، ونفَقاتِنا أيضا واضِحَة، لها مَصدَرُها ووِجهَتُها، وهي سلِيمةٌ مَضبُوطة..
    كما تعنِي أنّ مُؤسّساتِنا الشّفّافَة يُمْكنُ الاعتمادُ عليها في مُحاسَبةِ أيّ مَسؤولٍ عن أيّةِ ثَغرةٍ يُشتَمُّ مِنها الفَساد..
  • وتستَطيعُ بلادُنا تَنميّةَ مَفهُومِ الشّفافيّة..
    وتحويلَ هذه التّنميةِ إلى ثقافةٍ مُجتمَعيةٍ مُتجذّرة في الأخلاقِ العامّة.. وبناءَ مُجتمعٍ خالٍ من الفسادِ والإفساد، مُتشَبّعٍ بقيمةِ الصِّدقِ في تعامُلاتِنا مع بعضِنا، ومع المَشاريعِ التّنموِيّة، والصّفقاتِ العُموميّة..
    وفي هذا الصّدَد: لا مناصَ من العملِ سَويّةً لبناءِ مُجتَمعٍ شفّافٍ معَ نفسِه ومعَ الآخَر، تحت غِطاءِ قانونٍ مًدَنِيّ يَفصلُ بينَ السُّلُطات.. وبينَ الدّينِ والدّولة.. وبينَ الدّينِ والعِلم…
    ولكُلّ مَسؤوليةٍ مكانُها الذي يجبُ ألاّ تتجاوزَه.. وألاّ تتَصادمَ مَسؤوليةٌ مع أُخرَى..
    وعندما تَتداخلُ المَسؤوليات، يَستَحِيلُ العملُ البنّاء..
    وإذا التَزَمَت كلُّ مَسؤوليةٍ بمكانِها الطّبيعي، يَتِمُّ العَملُ المُشتَرَك، على صِيانةِ وحِمايةِ النّزاهة، والحُرّياتِ المَدَنيّة، واستِقلاليةِ الرّقابَة..
    وتتَقَوّى الحِمايةُ بحمايةِ الشّفافية، تَجنُّبًا لأيّ قُصُور..
    وبهذا تكونُ بلادُنا أقوَى بالشّفافية.. وبُستانًا مُتنوّعَ العُطورِ والألوان.. إنهُ "بُستَانُ الشّفافيّة"!
    وتكُونُ لنا جمِيعًا عيونٌ مفتُوحةٌ على ما وقَع وما يَقَعُ وما قد يَقَع..
  • إنها عُيُونُ الشّفافيّة!

[email protected]

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...