غياب المسؤولين عن أماكن "الفواجع".. انتقاد متكرر يأكل من "مصداقية" أعضاء الحكومة على بُعد أقل من سنة عن الانتخابات
عادت انتقادات غياب المسؤولين الحكوميين عن الميدان لتتصدر النقاش العمومي، عقب الفاجعة التي شهدتها مدينة آسفي، حيث أودت فيضانات مفاجئة بحياة أكثر من 30 شخصا في حصيلة ثقيلة، إلى جانب تسجيل خسائر مادية كبيرة، في مشهد أعاد إلى الواجهة أسئلة الحضور الحكومي والتواصل في لحظات الأزمات.
وعبّر عدد الفاعلين المحليين في آسفي في تصريحات إعلامية متفرقة عن استغرابهم من غياب أي مسؤول حكومي وازن عن المدينة التي وصفتها أحزاب المعارضة بـ"المنكوبة"، رغم خطورة الفاجعة وحجم الخسائر البشرية والمادية، معتبرين أن هذا الغياب يكرّس صورة حكومة تفضّل التدبير عن بُعد في أكثر اللحظات حساسية.
وأثارت الواقعة موجة من الانتقادات لحكومة عزيز أخنوش، ربطت بين ما جرى في آسفي وسلسلة أحداث سابقة وُجهت فيها ملاحظات مماثلة لهذه الحكومة المكونة من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، بسبب غياب الوزراء عن الميدان وتأخر التواصل مع الرأي العام في أوقات الكوارث والأزمات الاجتماعية.
ويرى متتبعون للمشهد الحكومي في المغرب، أن ما حدث في آسفي لا يمكن فصله عن نمط متكرر في أداء الحكومة، يقوم على حضور باهت أو غائب في مواقع "الفواجع"، مقابل تركيز أكبر على البلاغات المؤجلة أو الصمت الذي يطول في انتظار هدوء العاصفة.
وحسب تصريحات قياديين في أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، فإن غياب التواصل الحكومي يعكس "خللا بنيويا" في تدبير الأزمات من طرف حكومة أخنوش، خاصة وأن فئات واسعة من المواطنين تطالب دائما بإجابات سريعة وملموسة بدل الصمت الطويل الذي أصبح سمة ملازمة لأداء السلطة التنفيذية.
ويُشار في هذا السياق إلى أنه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها حكومة أخنوش انتقادات بسبب صمتها وغيابها، إذ سبق أن تعرضت لهجوم واسع في شتنبر 2023، عقب زلزال الحوز المدمر، حين انتظر المواطنون ظهور الوزراء في الميدان أو عبر وسائل الإعلام، غير أن الغياب استمر عدة أيام قبل أن يتحرك أي مسؤول حكومي.
وقد اعتبر عدد كبير من المغاربة آنذاك أن الغياب الحكومي عن المناطق المنكوبة شكّل "جرحا إضافيا" لضحايا الزلزال، وقوّض ثقة المواطنين في أداء السلطة التنفيذية، خاصة عند مقارنته بما قام به قادة دول أخرى ظهروا فور وقوع الكوارث إلى جانب المتضررين.
ولم يتوقف هذا الجدل عند زلزال الحوز، إذ تكرر السيناريو في شتنبر 2024 خلال أحداث الفنيدق، حين شهدت المنطقة محاولات جماعية للهجرة نحو مدينة سبتة المحتلة، شارك فيها آلاف الشباب، وتخللتها مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، في وقت التزم فيه الوزراء الصمت دون توضيح أو مبادرة لاحتواء الوضع.
واليوم، ومع فاجعة آسفي، يرى متابعون أن الحكومة أعادت إنتاج النهج ذاته، عبر الغياب الميداني وترك المجال مفتوحا للتأويلات، في ظل انتظار المواطنين لإشارات سياسية قوية تعكس تحمل المسؤولية في لحظات الألم الجماعي.
ولا يقتصر الانتقاد على الغياب عن أماكن الكوارث فقط، بل يمتد إلى ما يصفه المتابعون بـ"الصمت الممنهج" في مواجهة الأسئلة الاجتماعية الحارقة، كما حدث خلال احتجاجات ما يُعرف بـ"جيل زد" حيث سُجل غياب شبه تام لخروج إعلامي لوزراء القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.
وتكتسي هذه الانتقادات بعدا سياسيا إضافيا، بالنظر إلى أن المغرب مقبل على الانتخابات التشريعية لسنة 2026، أي بعد حوالي عام واحد فقط، ما يجعل من تكرار غياب المسؤولين الحكوميين عن الميدان عاملا قد يؤثر على "مصداقية" حكومة أخنوش وصورتها لدى الناخبين.




