فاجعة فاس تفضح ثغرات الرقابة القانونية والتنظيمية على البناء غير المرخص وتطرح تساؤلات حول فعالية برامج التأهيل
أعاد الحادث المأساوي الذي أودى بحياة 22 شخصا في حيّ المستقبل بالمنطقة الحضرية المسيرة بفاس ليلة 9 دجنبر 2025، إلى الواجهة، هشاشة البنايات السكنية الآيلة للسقوط، بعد أن تبين أن انهيار البنايتين كان نتيجة مباشرة لإقدام مالكيهما على بناء طابقين إضافيين دون ترخيص قانوني، ما حول الحيّ إلى مسرح مأساوي وأعاد تسليط الضوء على الثغرات القانونية والتنظيمية في مراقبة البناء والتشييد بالمدن المغربية.
ويٌظهر هذا الحادث بجلاء أن المشكلة العمرانية لا تتعلق فقط بالهشاشة البنيوية للمباني القديمة، بل تمتد لتشمل ضعف الرقابة على التوسعات غير القانونية، وغياب آليات رادعة تحمي السكان من المخاطر المباشرة، حيث تبرز المسؤولية المزدوجة على المالكين الذين تجاوزوا القانون، وعلى الأجهزة الإدارية التي لم تستطع رصد هذه التعديات في الوقت المناسب أو فرض العقوبات والوقاية قبل وقوع الكارثة.
وعلاقة بالموضوع، تشير الإحصاءات الرسمية التي قدمتها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، يوم الأربعاء 3 يوليوز من سنة 2024 بمجلس النواب، إلى أن الحكومة والوكالة الوطنية للتجديد الحضري تمكنت إلى حدود 2023 من معالجة أكثر من 16 ألف بناية من أصل 41 ألفا.
لكن غياب متابعة دقيقة وشفافة للبنايات المتبقية، وخاصة تلك التي تشهد توسعات غير قانونية، يترك آلاف الأسر في خطر دائم ويجعل الحوادث قابلة للتكرار مع كل موسم أمطار أو أي ضغط إضافي على المباني.
وتعكس فاجعة فاس كذلك ضعف الإطار القانوني والتنظيمي، حيث لا يوجد تقييم دوري للبنايات أو آليات تدخل عاجلة في حالة التعديات على البناء، إضافة إلى نقص الخبرة التقنية وقلة الشركات المتخصصة، وهي ثغرات قانونية و تنظيمية تجعل برامج التأهيل رهينة بالقدرة المادية للأسر، التي غالبا ما تكون من أوساط فقيرة، ما يزيد من صعوبة الانتقال إلى مساكن آمنة أو الاستفادة من برامج الإصلاح والتجديد الحضري.
وتظهر الخرائط العمرانية الرسمية أن البنايات المهددة بالسقوط تتركز في جهات محددة، ففي الدار البيضاء سطات سجلت أكثر من 17 ألف بناية، فيما تجاوزت عشرة آلاف بجهة مراكش آسفي، بينما كانت جهة العيون الساقية الحمراء الأقل عدداً بمجموع 1650 بناية.
هذه التوزيعات الجغرافية تجعل التدخل الاستباقي ضرورة ملحة، لا يقتصر على الإصلاح بعد وقوع الحوادث، بل يشمل تقييما دوريا، إشعارات دقيقة للسكان، وحلولا بديلة قابلة للتنفيذ، مع فرض رقابة صارمة على أي توسعات مستقبلية لتفادي تكرار مآسي شبيهة بفاجعة فاس.




