قبيل اجتماع مجلس الأمن.. وفد أمريكي دبلوماسي وعسكري في العيون للقاء رئيس بعثة المينورسو وقائد قواتها
من المرتقب أن تستقبل مدينة العيون اليوم الاثنين، وفدا من السفارة الأمريكية بالرباط يضم دبلوماسيين ومسؤولا عسكريا، في زيارة رسمية إلى مقر بعثة الأمم المتحدة "المينورسو"، وفي جدول أعمال الوفد لقاء الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ألكسندر إيفانكو، وقائد القوة العسكرية التابعة للبعثة، في خطوة وصفت بأنها ليست مجرد زيارة بروتوكولية بل تحمل أبعادا استراتيجية ورسائل سياسية متعددة.
الزيارة مقررة لهذا اليوم، ما يعني أن واشنطن اختارت توقيتها بعناية في لحظة دقيقة تسبق محطة مجلس الأمن في نهاية أكتوبر المقبل، حيث سيُعرض التقرير السنوي لرئيس البعثة حول الوضع في الصحراء ويُصوّت على قرار جديد لتمديد ولاية المينورسو فيما آخر قرار صدر في أكتوبر 2024، وهو القرار رقم 2756، مدّد ولاية البعثة إلى غاية 31 أكتوبر 2025، وأعاد التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي ودائم ومتوافق عليه للنزاع.
الوفد الأمريكي الذي يضم مسؤولا عسكريا إلى جانب الدبلوماسيين، يعكس اهتماما مزدوجا سياسيا وأمنيا فواشنطن، التي تنظر إلى الصحراء باعتبارها جزءا من استقرار الضفة الجنوبية للمتوسط ومنطقة الساحل، تدرك أن أي ارتباك في هذا الملف ستكون له انعكاسات على قضايا أوسع مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية وشبكات الجريمة العابرة للحدود ومن هنا تأتي أهمية أن يطّلع الوفد على أرض الواقع على عمل المينورسو، وعلى الأجواء الميدانية التي تسبق إحاطة الأمم المتحدة.
لكن لهذه الزيارة أيضا دلالة مرتبطة بمسار السياسة الأمريكية منذ دجنبر 2020، حين أصدر الرئيس السابق دونالد ترامب إعلانه التاريخي الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء، واعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 حلاً "جادا وذا مصداقية وواقعيا" ومنذ ذلك التاريخ، ورغم تعاقب الإدارات في واشنطن، ظل الموقف الأمريكي ثابتا هو دعم واضح للمبادرة المغربية باعتبارها الحل الأكثر قابلية للتطبيق كما أن مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كررت أكثر من مرة داخل قاعة مجلس الأمن نفس الوصف للمبادرة المغربية، مؤكدة أن واشنطن ترى فيها الأساس الواقعي للحل.
وهكذا، فإن الوجود الأمريكي في العيون اليوم يأتي ليترجم ذلك الدعم السياسي إلى متابعة عملية ميدانية فالولايات المتحدة لا تكتفي بالتصريحات أو بمواقفها داخل نيويورك، بل تواكب الملف على الأرض بزيارات دورية لمقر المينورسو ولعل تتبع الزيارات الأخيرة يؤكد هذا المسار قفي غشت 2024 زار وفد أمريكي العيون وعقد لقاء مع قيادة البعثة الأممية. وفي دجنبر من نفس السنة تكررت الزيارة، ثم جاء يناير 2025 ليشهد حضور وفد عسكري أمريكي آخر، وُصفت زيارته آنذاك بالروتينية، لكن معناها العميق كان واضحا هو متابعة مستمرة لعمل المينورسو، وتأكيد على أن واشنطن تريد أن تبني قراراتها ومواقفها على معطيات ملموسة من الميدان.
وهذه الدينامية الأمريكية لم تعد معزولة، بل تلتقي مع خطوات مشابهة لدول أوروبية كبرى ففي مارس 2025، استقبل مقر المينورسو وفدا من السفارة الفرنسية بالرباط، في مؤشر على أن البعثة أصبحت فضاء للتواصل المباشر مع العواصم المؤثرة، قبل كل إحاطة أممية وهو ما يعني أن العيون لم تعد مدينة على الهامش، بل صارت محطة دبلوماسية إلزامية لوفود الدول الكبرى التي ترغب في صياغة مواقف دقيقة داخل مجلس الأمن.
التحول الأهم الذي تعكسه زيارة اليوم، هو أن الأقاليم الجنوبية للمغرب باتت تُعامل من قبل القوى الدولية ليس فقط كموضوع نزاع، بل كجزء من مشهد استراتيجي يتطلب المتابعة والتقييم وحضور وفد أمريكي، يضم عنصرا عسكريا إلى العيون، يرسل رسالة مزدوجة من جهة، إلى الرباط بأن الدعم الأمريكي قائم ومستمر، وأن مقترح الحكم الذاتي سيظل محور أي حل ومن جهة أخرى، إلى خصوم المغرب بأن واشنطن لا تنظر إلى الملف كقضية بعيدة أو ثانوية، بل كجزء من أولوياتها الإقليمية المرتبطة بالأمن والاستقرار.
وبالتالي، فإن الزيارة تكتسب أيضا قيمة رمزية بالنظر إلى التحولات التي عرفتها الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة فالمغرب نجح في جعل مدن العيون والداخلة فضاءين دبلوماسيين نشطين، بعدما شهدتا افتتاح قنصليات من دول إفريقية وعربية وآسيوية، فضلا عن زيارات متكررة لوفود أوروبية وأمريكية وهذا الواقع يعكس أن الأقاليم الجنوبية لم تعد تُقرأ فقط عبر تقارير النزاع، بل من خلال تفاعلات دبلوماسية حقيقية تجعلها جزءًا من الحركية الدولية.
وبالنظر إلى مسار قرارات مجلس الأمن، فإن الرسالة التي تخرج من زيارة اليوم واضحة هي أن الولايات المتحدة وهي عضو دائم في المجلس، لا تكتفي بلعب دور في صياغة القرارات الأممية، بل تواكب الملف على الأرض، بما يمنحها ثقلا إضافيا حين يتم التصويت على تمديد ولاية المينورسو أو حين يُعاد النقاش حول الحل السياسي كما أن وجودها الميداني يمنح المغرب نقطة قوة، إذ تتحول المدن الجنوبية إلى مسرح تتقاطع فيه المواقف الدولية لصالح مقترح الحكم الذاتي.
وخلال العامين الماضيين، زارت وفود أمريكية العيون أكثر من مرة ضمن هذا النمط المستمر الذي يرسخ فكرة أن الولايات المتحدة تعتبر العيون محطة أساسية لصياغة رؤيتها تجاه الملف، تماما كما تُستشار المقرات الأممية في نيويورك وجنيف لكن هذه التحركات الأمريكية لم تمر من دون ردود أفعال من الطرف الآخر أي الجزائر، التي تتبرئ نفسها عن كونها طرف رئيسي في النزاع، لكنها في الان ذاته تواصل دعمها المادي والدبلوماسي والعسكري ورعاية الجبهة الانفصالية مع تأكيد في كل مرة أنها تتابع بقلق كل زيارة أمريكية للأقاليم الجنوبية، وترى فيها تكريسا للاعتراف بمغربية الصحراء.
وتدأب الصحافة الجزائرية المقربة من دوائر القرار في الجزائر بعد كل زيارة على انتقاد "الانحياز الأمريكي" واتهام واشنطن بأنها تخلت عن حيادها الأممي، فيما من المتوقع أن تعيد الجزائر خطابها نفسه بعد زيارة اليوم، خاصة وأنها تسبق إحاطة مجلس الأمن فبالنسبة لها، أي حضور أمريكي رسمي في العيون أو الداخلة يمثل خطوة إضافية في مسار إخراج النزاع من دائرة "الاستفتاء" وإعادة ترسيخه في إطار "الحل السياسي الواقعي" أي الحكم الذاتي.
أما جبهة البوليساريو، فقد دأبت على اعتبار الزيارات الأمريكية للأقاليم الجنوبية "استفزازا" وتقويضا لمساعي الأمم المتحدة، وبيانات سابقة للجبهة وصفت الاعتراف الأمريكي بأنه “باطل”، وزيارات الوفود بأنها “محاولات لإضفاء شرعية على الاحتلال المغربي”. ومع أن البوليساريو تفتقر إلى الوسائل الدبلوماسية لمواجهة مثل هذه التحركات، إلا أنها تراهن على دعم الجزائر، وعلى إثارة الملف في بعض المنابر الأممية أو الإفريقية غير أن تأثير هذه الاعتراضات يظل محدودا خاصة مع تنامي عدد الدول التي فتحت قنصليات في العيون والداخلة، وتزايد حجم الاعترافات الدولية بالمبادرة المغربية.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :