قضية بوعلام صنصال تخلط أوراق البرلمان الفرنسي.. ونواب إيريك سيوتي يسحبون نصا حول الجزائر لـ"تفادي التصعيد"

 قضية بوعلام صنصال تخلط أوراق البرلمان الفرنسي.. ونواب إيريك سيوتي يسحبون نصا حول الجزائر لـ"تفادي التصعيد"
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 27 يونيو 2025 - 12:00

قرر نواب حزب الجمهوريين الفرنسيين بزعامة إريك سيوتي سحب مشروع قرار من جدول أعمال جلسة برلمانية، كان من المفترض أن يدعو الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقيتي 1968 و2013 المبرمتين مع الجزائر، في ظل التطورات القضائية المرتبطة بمحاكمة الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، الذي يواجه حكما بالسجن في بلده الأصلي.

النص الذي كان مقرّرا مناقشته لا يحمل طابعا تشريعيا ملزما، لكنه يندرج ضمن قرارات رمزية تدعو السلطة التنفيذية إلى اتخاذ موقف سياسي واضح، وكان يهدف تحديدا إلى حث الحكومة الفرنسية على مراجعة اتفاق 1968، الذي يمنح الجزائريين امتيازات خاصة في ما يخص حرية التنقل، والإقامة، والعمل في فرنسا، ومع ذلك، شدد سيوتي في كلمته الافتتاحية على أن الهدف "ليس قطع العلاقات مع الجزائر، بل إعادة إرساء حوار متوازن معها".

وربط زعيم الحزب الجمهوري سحب النص بتطورات ملف الكاتب بوعلام صنصال، قائلا: "هذا النقاش البرلماني يأتي قبل أيام فقط من تاريخ الأول من يوليوز، الذي سيشهد صدور الحكم في قضية مواطننا بوعلام صنصال.. هدفنا واضح: نريد إطلاق سراحه. إنه صوت عظيم للسلام، وكاتب كبير، ونحن اليوم أمام واجب حتمي لدعم نضاله ومنع استمرار المعاناة التي يعيشها".

وأعلن سيوتي عن سحب المقترح من الجلسة البرلمانية ليُعاد طرحه لاحقًا عند افتتاح الدورة الخريفية، في محاولة لتفادي أي تأزيم محتمل مع الجزائر.

من جانبه، أثنى لوران سان-مارتين، الوزير المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية وشؤون الفرنسيين بالخارج، على هذه المبادرة، واعتبر أن سحب النص يعكس "روح المسؤولية" التي يتحلى بها نواب UDR، مشيرا إلى أن القرار يندرج في إطار الحرص على عدم "إحداث أي تصعيد، حتى ولو كان لفظيا"، من شأنه أن يعيق الجهود الدبلوماسية المبذولة خلف الكواليس من أجل الإفراج عن الكاتب المسجون.

وتأتي هذه التطورات بينما يواجه بوعلام صنصال، البالغ من العمر 80 عاما، والمصاب بسرطان البروستات وفق تأكيدات أسرته، حُكما بالسجن صدر في حقه يوم 27 مارس الماضي عن المحكمة الابتدائية بالجزائر، وقضى بإدانته بخمس سنوات نافذة.

وجاء الحكم بعد تصريحات مثيرة أدلى بها في أكتوبر 2024 خلال مقابلة مع وسيلة إعلام فرنسية محسوبة على أقصى اليمين تُدعى "Frontières"، عبّر فيها عن موقف يعتبر فيه أن الجزائر ورثت خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية أراضيَ كانت، في الأصل، تابعة للمغرب.

وفي تطور لافت، طالبت النيابة العامة الجزائرية، خلال جلسة الاستئناف المنعقدة يوم الثلاثاء أمام محكمة الاستئناف بالجزائر العاصمة، بإنزال عقوبة مشددة بالسجن لعشر سنوات في حق صنصال، معتبرة أن تصريحاته تندرج ضمن خانة المساس بوحدة التراب الوطني.

وكان الكاتب قد أُوقف يوم 16 نونبر 2024 في العاصمة الجزائر، ليجد نفسه في قلب صراع دبلوماسي صامت لكنه محتدم بين الجزائر وفرنسا، فبينما تصر السلطات الجزائرية على متابعة الكاتب أمام القضاء، تتحرك باريس على أكثر من مستوى، رسميا وبرلمانيا، لتأمين الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن، خاصة في ظل تدهور حالته الصحية.

وتكشف هذه القضية عن هشاشة التوازن القائم في العلاقات الجزائرية الفرنسية، التي لطالما تأرجحت بين محاولات التقارب والانفجار الدبلوماسي فبين مطالبات برلمانية فرنسية بإلغاء اتفاقيات تاريخية، واستمرار النظام الجزائري في تضييق الحريات والتشدد إزاء الأصوات المنتقدة، تتسع رقعة التوتر من جديد، وقد تتحول قضية صنصال إلى شرارة جديدة في ملف العلاقات الثنائية الشائكة.

وفي تصريح خص به "الصحيفة" قال مراد بوزيدي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس 2 – بانتيون أساس، إن "ما شهدناه من تراجع نواب حزب الجمهوريين عن مناقشة قرار يطالب بإلغاء اتفاقية 1968 مع الجزائر، لا يمكن فصله عن السياق السياسي والدبلوماسي الحساس الذي فرضته قضية الكاتب بوعلام صنصال".

الخبير الفرنسي من أصول جزائرية اعتبر أن "فرنسا، في هذه المرحلة، تجد نفسها محاصرة بين التزاماتها القيمية في الدفاع عن حرية التعبير، وواجباتها البراغماتية في الحفاظ على توازن العلاقة مع النظام الجزائري، الذي يُظهر باستمرار حساسية مفرطة تجاه أي موقف فرنسي كوصاية أو تدخل."

وأكد أن اتفاقية 1968 لطالما كانت ملفا ثقيلا في العلاقات الثنائية، باعتبارها تمنح امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في فرنسا من حيث الإقامة والعمل، وقد شكّلت منذ سنوات موضوع نقاش سياسي مستمر، لكنه لم يصل إلى حافة التمزيق إلا في ظروف شبيهة بهذه، حيث تتداخل العوامل الرمزية والقضائية والسيادية، وسحب النص "لا يعكس فقط خشية من التصعيد، بل أيضا إدراكا بأن فرنسا لا تملك هامشا كبيرا للمناورة في ظرف إقليمي مضطرب، خاصة مع وجود ملفات أمنية مرتبطة بالهجرة والتعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب في الساحل، تحتاج فيه باريس إلى حد أدنى من التنسيق مع الجزائر."

ونبّه المتحدث، إل أن بوعلام صنصال ليس مجرد كاتب يتعرض للمحاكمة، بل هو وجه أدبي وفكري يرمز في المخيال الفرنسي إلى تلك الجزائر التي حلم بها كثيرون، جزائر الحداثة والانفتاح والتعدد، مضيفا: "الحكم عليه، خاصة في هذا الظرف، يتحول إلى عبء أخلاقي على صناع القرار في باريس، وقد يُستغل سياسيا داخل الساحة الفرنسية كدليل على إخفاق الدولة في حماية مواطنيها ذوي الجنسية المزدوجة.. ما يجعل الحكومة الفرنسية اليوم تمشي على حبل مشدود: لا تريد خسارة ورقة ضغط برلمانية، ولا إثارة الجزائر، لكنها أيضا لا تستطيع أن تبدو عاجزة أو صامتة."

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...