محسن السوري
الخميس 11 دجنبر 2025 - 23:15

"قضية نيفينكا".. بيان سياسي في شاشة سينما النهضة

في زمن رقمي جارف، حيث بالكاد يلتقط فيه الإنسان أنفاسه من شدة الضخ المعلوماتي اللامنتهي من جميع الأصناف، أن يفعّل المرء في خضمه خاصية الطيران على الهاتف، من أجل أن يشاهد فيلما عبر شاشة العرض داخل قاعة سينما، ربما قد يكون ذلك واحدا من مواقف السياسة الأكثر نبلا فيما نعيشه في القادم من أعوام القرن الواحد والعشرين:

إذ ناهيك عن متعة الفيلم، هناك قبل كل شيء حلاوة الصمت المطبق الساري داخل أرجاء قاعة العرض. صمت مطبق متواطأ حوله بين المشاهدين الذين لا يكاد المرء يصدق عينيه حينما يصادفهم بالقاعة لكثرة ترداد مسكوكات وفاة صالات السينما وانقراضها، تحت وطأة العتو الرقمي على اقتصاد الفرجة كيفما عرفته الأجيال السابقة.

وحقيقة، قد يكون كلامي أعلاه محصورا أو مقتصرا تحديدا على مكان بعينه، وهو في هذه الحالة مدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية؛ فعلاوة على أننا قد عمدناها في السنوات الأخيرة عاصمة ثقافية، إلى جانب أدوارها الإدارية المعروفة، الحاصل في الواقع كما هو ملاحظ أن كثرة الأنشطة الثقافية التي تنظم بها، الكثير منها أو أغلبها تتاح للجمهور مجانا، يمكن أن يدفع إلى الاعتقاد بأن الصمت ذاته، وفي صلبه السينما، قد أضحى ترفا لا يلتفت إليه إلا مرتاحي البال الذين يمتلكون لحظهم وقتا فارغا، مع كامل التحفظ اللازم في استعمال هذه العبارة حاليا، للذهاب إلى قاعة السينما لمشاهدة فيلم ولو كان دون مقابل.

لا نحتاج إلى استعراض الحجة تلو الأخرى لإظهار تسرع مثل هذا الحكم، نكتفي فقط بالقول بأن التحول الرقمي العاتي ترسخ اليوم مسلمةٌ غير قابلة للنقاش، إذ لا يبرح الإنسان الهاتف حتى يعود إليه مهرولا في تبدي فاقع لأزمة الحضور التي يعيش على وقعها بني البشر اليوم. لكن، وطالما نحن نتكلم  في سياق العاصمة الرباط، حيث واقعا كانت القاعة التي ألهمتنا هذه الانطباعات غاصة بالأجانب أكثر من مواطنينَ المغاربة:

وبما أن الفيلم كان من إنتاج إسباني "قضية نيفينكا"، مترجم نصيا إلى اللغة الفرنسية مع حفاظه على لغته الأصلية الإسبانية، برمج في إطار الدورة الرابعة لأسبوع الفيلم من أجل حقوق النساء من 26 إلى 29 نونبر المنصرم، ومنظم من طرف هيئة الأمم المتحدة للمرأة رفقة شركاء آخرين، فهذه نقطة ينبغي أن يضعها المواطن المغربي نصب عينيه لو أراد فعلا تحسين أوضاع المرأة في بلادنا، استلهاما من تجارب الأمم الأخرى التي قطعت أشواطا كبيرة في هذه القضية.

ما الذي تحاول أن تقوله لنا هيئة الأمم المتحدة للمرأة-فرع المغرب، ومن ورائها السفارة الإسبانية بالرباط التي اقترحت هذا الفيلم؟ بطبيعة الحال، لا يسعف الحيز هنا بإطالة الكلام عن سياسات وأهداف هيئة الأمم المتحدة للمرأة قصد النهوض بأوضاعها والدفاع عن حقوقها كافة عبر مختلف ربوع العالم، وهو أمر في الحقيقة يتخلل بديهيا كل المصنفات السينمائية المبرمجة في إطار دورة أسبوع الفيلم بشأن حقوق النساء.

إلا أن الاكتفاء بالوقوف عند فيلم "قضية نيفينكا"، وهو من إنتاج السنة الفارطة ليس إلا، من الممكن أن يسمح لوحده باستجلاء مختلف عناصر النظرة التي توجه إنتاج أفلام عن وضعية النساء، لاسيما وأن التجربة الإسبانية قريبة منا جغرافيا لكنها تظل غير معروفة لدي الجمهور العريض.

في الواقع، لقد فهمت إسبانيا، وبالتحديد حزبيها السياسيين الكبيرين الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشعبي، بعد التوصل إلى قناعة الاندماج في السوق والأسرة الأوروبية، وقبله النجاح في مسلسل انتقالها الديمقراطي، أن الاستثمار المكثف في ميادين الثقافة والفنون والسينما، بعيدا عن أن يكون ترفيها لحظيا بأبعاد اقتصادية فحسب، هو قبل كل شيء وسيلة إشعاع سياسي وتوافقي يساهم في ترسيخ سياساتها العمومية "التقدمية" استدراكا "لتخلفها" بالمقارنة مع جوارها الأوروبي، وهو ما يخرج به الملاحظ فيما يخص فيلم "قضية نيفينكا" باعتباره "ترافع دولة" يستهدف تمكين النساء في ميدان المشاركة السياسية.

فإذا كان فيلم "أنا نيفينكا" حسب عنوانه بالإسبانية، في دلالة ساطعة على كونه توقيعا أو بيانا سياسيا دون مواربة، إذ يتناول قضية عنف جنسي واغتصاب منتخبة سياسية شابة في مستهل مشوارها، وهي قضية حصلت بالفعل في الواقع، يضع أمامنا عناصر تحليلية في إطار النقد السينمائي والثقافي، على غرار كيفية توظيف الحجج ودور الرجل في وجهيه مغتصب-محتضن، إضافة إلى أدوار وتأثيرات القوانين والعدالة ووسائل الإعلام في مسألة شائكة مثل إثبات واقعة الاغتصاب ضمن أحداث من الممكن أن تدرج داخل فرضية "لا كفاءة النوع" في أوساط السلطة الصلبة.

علاوة على دور الدين كعنصر "لاوعي" في السينما الإسبانية المرتبطة بالنوع، فإن الفخر الذي تستشعره لدى الجانب الإسباني عند حديثه واقتراحه مثل هذه الإنتاجات،  ينبغي ويتعين أن يدفع المهنيين السينمائيين  المغاربة  ومختلف الفاعلين المعنيين في بلادنا إلى حيوية الاستثمار والإبداع في مجال هو في حاجة دائمة إلى التطوير والتجويد مثلما هي قضية المرأة سواء في المغرب أو في غيره من البلدان، إذ لا مفر هنا من النقاش والمزيد من النقاش. 

الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...