ماذا يَفعل نور الدين بنسودة في خزينة المملكة؟!
في المغرب، هناك العديد من مساحات الظل في تدبير الكثير من مؤسسات الدولة التي تتصرف في الكثير الكثير من المال العام دون أن يسلط عليها الضوء.
الخزينة العامة للمملكة، من بين هذه المؤسسات التي تعيش في "ظلام دامس" تحت إدارة نور الدين بنسودة التي تم تعيينه خازنا عاما للمملكة منذ سنة 2010 ومازال في منصبه بعد 12 عشر سنة من تدبير مؤسسة عرفت الكثير من الفضائح المالية، بعضها ارتبط به شخصيا لكن دون أن تمسه أيادي القضاء أو المحاسبة.
بتعريف مختصر لما تقوم به خزينة المملكة نجد أنها، ومن خلال شبكة واسعة من المحاسبين العموميين، تقوم بتحصيل الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، ولا سيما من خلال تدبير المنازعات الإدارية والقضائية المتعلقة بتحصيل هذه الإيرادات ومساعدة القابضين في هذا المجال، والتكفل بأوامر تحصيل المداخيل برسم الميزانية العامة للدولة والميزانيات الملحقة والحسابات الخاصة للخزينة.
كما تعمل خزينة المملكة على تمركز عمليات التكفل والتحصيل برسم الغرامات والإدانات النقدية، وتدبير حسابات القروض والسلفات الممنوحة من قبل الخزينة و"رؤوس الأموال العاملة" الممنوحة من لدن الهيئات لتمويل المشاريع العمومية، وإعداد إحصائيات حول وضعية تحصيل الديون العمومية، وهي مهام من بين أخرى تقوم بها الخزينة العامة للمملكة.
لكن الأهم في إدارة الخزينة العامة للمملكة هي انتاج المعلومات الحساسة التي تتعلق بمالية المملكة، حيث تعمل على إنتاج المعلومات المالية والمحاسبية من خلال العمليات المحاسبية للدولة والجماعات المحلية، حيث تتوفر على بنك معلومات يخص الوصف الدقيق لعمليات الميزانية والعمليات المالية، والتقديم السريع للمعلومات الضرورية لاتخاذ القرار، وإعداد الوثائق الخاصة بتقديم المحاسبة، وهي المعطيات التي يبدو أنه قد تم استغلالها بشكل بشع من طرف الخازن العام للمملكة في وقت ما عند تدبيره لهذه المؤسسة العمومية.
فالخمسيني المزداد سنة 1963 في العاصمة الرباط لعائلة عريقة، نفذ صبره وهو يعد الملايير التي تمر من أمامه يوميا، ليقرر شهر يوليوز من سنة 2012، حيث كان المغرب قد خرج للتو من حراك احتجاجي كان إسقاط الفساد أحد شعاراته الرئيسة، وفي فترة كان لا زال فيها الدستور الجديد الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة وسيلة لإقناع المغاربة بأن "مغربا آخرَ ممكن" - حينها - قرر بنسودة "تبادل تعويضات" من المال بينه وبين ووزير المالية السابق صلاح الدين مزوار.
ومُختصر القصة هي أن بنسودة، وفي العام نفسه الذي عُين فيه في منصبه الجديد، كانَ، إلى جانب وزير المالية في حكومة عباس الفاسي، وهو أيضا الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار وقتها، يتبادلان التوقيع على استفادتهما من تعويضات شهرية أو فصلية من المال العام، والأمر يتعلق بـ3 وثائق الأولى يحصل بموجبها مزوار على منحة بقيمة 80 ألف درهم بتوقيع من الخازن العام، اثنتان يحصل بموجبهما بنسودة على مِنح مُوقعة من وزير المالية قيمتها 200 ألف درهم.
لكن بنسودة الذي خرج من ديوان الوزارة إلى المديرية العامة للضرائب ليصبح نائبا لمديرها سنة 1993 ثم مديرا عاما لها سنة 1999، حتى أضحى أحد أكثر المغاربة دراية بحساسية الثروة التي تمر يوميا من بين يديه، سيستغل بشكل بشع المعطيات التي توفرها مؤسسة عمومية يرأسها هو شخصيا، من أجل استفادته رفقة أسرته من أرض في ملك الدولة تقع في قلب منطقة "تاركة" بمراكش والبالغة مساحتها 20.280 مترا مربعا، مقابل مبلغ لا يتجاوز 6 ملايين و84 ألف درهم، أي ما يعادل 300 درهم للمتر المربع في حين أن الثمن الحقيقي للقطعة الموجودة في منطقة سياحية يُقدر بـ20 ألف درهم للمتر المربع، أي أن سعرها الإجمالي الفعلي يتجاوز الـ400 مليون درهم، وهي الفضيحة التي تفجرت سنة 2018.
وفي هذه القضية، لم يظهر فقط كيف أن لُعاب الخازن العام للمملكة يسير على أموال الشعب، بل أيضا اتضح بجلاء أنه مستعد لاستغلال أي شيء في سبيل الوصول إلى مبتغاه، فالرجل استغل نفوذه ليحصل من المدير الجهوي للأملاك المخزنية بمراكش على هذا "السعر التفضيلي المبالغ فيه" عبر واجهة صورية تمثلت في شركة عقارية عائلة أُنشئت سنة 2006 تُسمى "سليم سكن"، وذلك عبر مديرها وشريكه فيها الحسين زفاض، والذي اتضح فيما بعد أن علاقته ببنسودة فيها ما فيها!
وعلى الورق، لم يكن زفاض شريكا لبنسودة بشكل مباشر، بل لأبنائه، والأمر يتعلق بالطفلين كنزة ذات الـ9 سنوات وسليم ذي الـ6 سنوات، والذي سيُضاف إليها ابنه الثالث حمزة سنة 2014 بعد أن أصبح عمره 7 سنوات، في حين أن الإدارة أوكلت لأمهم ليلى بنجلون، لكن الذي وقع الوثائق باسم الأبناء لم يكن إلا الخازن العام باعتباره الوصي عليهم، ليتضح أن الرجل الذي استؤمن على أموال المغاربة يعمل جاهدا على أن يورث لأبنائه هذه الأموال بكل الطرق الممكنة بغض النظر عن مشروعتيها.
وكي يخفف ضغط الصحافة عليه عقد بنسودة العديد من الاتفاقيات مع المؤسسات الإعلامية بملايين السنتيمات سنويا، كي تكتب وترفق به، وهو الجالس على "عرش" أموال المملكة ويدبرها بما يراه مناسبا!
وبعد كل هذه الفضائح، مازال بنسودة في منصبه، ومازلت كل المعطيات المالية تحت تصرفه، ومازال يتفاخر بأنه درس مع الملك محمد السادس، وأنه ابن عائلة عريقة، لا تشبه باقي المغاربة!
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :